المخرج أحمد بولان يروي سيرته الذاتية في ‘حياتي جميلة’
الكاتب والسيناريست المغربي يكشف أسرار هويته الثقافية وتحول شخصيته في كواليس سينما الحياة.
تحمل السيرة الذاتية لأحمد بولان عنوان “حياتي جميلة” طابعًا ملهمًا يكشف عن مسيرة فنية غنية بالتحديات والإنجازات كرجل وُلد في مدينة سلا بالمغرب عام 1956، وبدأ حياته الفنية كعضو في الفرقة الوطنية للفن الدرامي، ما أتاح له التفاعل مع فنون الأداء بشكل مباشر، وبعد سفره إلى إيطاليا لدراسة السينما عاد ليبدأ مسيرته في مجالات التصوير السينمائي والإعلانات، حيث أظهر تنوعًا في الأدوار التي شغلها من ممثل إلى مساعد مخرج وكذا تأسيسه لشركة إنتاجه الخاصة “بولان أوبيرن” يعكس طموحه ورغبته في تحقيق رؤيته الفنية، حيث أنتج مجموعة من الأفلام البارزة، إذ تقدم سيرة بولان أيضًا لمحات عن كيفية تخطيه للتحديات وتبنيه للمثابرة والإبداع، ما يجعل تجربته مثالًا يحتذى به في السعي نحو تحقيق الأحلام في عالم الفن.
يسرد أحمد بولان في مقدمة سيرته الذاتية تجربته الشخصية والمهنية التي تتداخل بين عالم السينما والكتابة، حيث يبدأ رحلته كفنان من خلال عمله كمساعد مخرج في السينما الدولية ليصبح لاحقًا مخرجًا معترفًا به، ولكنه يجد في السينما قيودًا مادية وفكرية تمنعه من التعبير الكامل عن ذاته، بينما تتجلة الصعوبات التي واجهها بولان في السينما المغربية في فترة التسعينيات، حيث كانت صناعة الأفلام تعاني من محدودية التمويل والفرص ورغم هذه الصعوبات تمكن من تحقيق نجاحات عبر العمل على الأفلام القصيرة، والتي شكلت بداية لتحقق مشاريع أكبر.
وتتناول السيرة الذاتية موضوع الهوية والانتماء بأسلوب يعكس مشاعر الفخر بالمدينة والجذور، حيث يعبر أحمد بولان عن تأثير مسقط رأسه على شخصيته وفكره، مشيرًا إلى أن أبناء المدينة يعبرون أحيانًا عن فخرهم بطرق قد تثير شعور الإقصاء لدى الآخرين من خلال استعراض تاريخ المدينة العريق الذي يبدأ من العهد الروماني مرورًا بفترة القرصنة والتجارة، حيث يُبرز الكاتب الدور الذي لعبته سلا في التاريخ وتأثير تلك الحقبات على عاداتها وثقافتها المحلية، وهذه الخلفية التاريخية تدعم فهم الكاتب لأصوله وتزيد من ارتباطه بمدينته.
ويتحدث الكاتب ذكريات طفولته مسترجعًا اللحظات السعيدة التي عاشها في بيئة عائلية وثقافية مميزة، كما يستعرض حياته الأسرية وتفاصيل من يومياته مثل احتفالات العائلة والزيارات إلى المقامات، ما يعكس الروابط القوية التي تربطه بجذوره، كما تطرق إلى الصراعات الداخلية التي عاشها من مقاومته للسلطة الأبوية ورغبته في كسر القيود الاجتماعية وصولًا إلى تأثير التفاعل الثقافي على تكوين هويته، خاصةً من خلال علاقاته بالثقافات الأخرى مثل مربيته الفرنسية.
ويتناول فصل “رحلة إلى قاع الجحيم” تجربة شخصية غنية بالأحداث والمآسي التي عاشها الكاتب في فترة الستينيات بالمغرب، حيث يبدأ النص بمشهد مأساوي يعكس الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة أكادير في عام 1960، تلاه وفاة الملك محمد الخامس، ما خلق شعورًا جماعيًا بالصدمة والفقدان، إذ يسجل الكاتب الأثر العميق الذي تركته هذه الأحداث الوطنية على حياته الشخصية وحياة عائلته بما في ذلك مشاهد مؤلمة مثل محاولة أحد أفراد الأسرة الانتحار بسبب الألم النفسي الناتج عن الكوارث، ومن خلال هذا التصوير يظهر تفاعل الأحداث التاريخية مع حياة الأفراد وتأثيرها على حياتهم اليومية والمجتمع بشكل عام.
وينتقل الكاتب إلى وصف العلاقات الأسرية المعقدة التي تأثرت بالاختلافات السياسية بين أفراد العائلة، حيث يعرض التباين في المواقف السياسية مثل انقسام الولاءات بين الحزب الديمقراطي وحزب الاستقلال، ما يخلق صراعًا داخليًا ضمن الأسرة، إذ تبرز تلك الأحداث شعور الكاتب بالخجل من والده، لا بسبب آرائه السياسية فحسب بل أيضًا بسبب مظهره وتصرفاته التي كانت تثير انتباه الآخرين، ويتطور السرد ليصف كيف فقدت العائلة ممتلكاتها، ما أدى إلى أزمة نفسية واجتماعية عميقة جعلت الكاتب مضطرًا للانتقال للعيش مع عمه وهذا ما زاد من شعوره بالعزلة والفقدان.
ويستعرض الكاتب تجربته الحياتية وتغيرات المجتمع من خلال مشاهد حيوية تعكس تفاعلات العلاقات الاجتماعية بين الأطفال والبائعين، ما يُظهر بساطة الحياة الشعبية، إذ يتناول تجربته التعليمية والتباين بين أساليب التعليم التقليدية والحديثة مع استحضار الحنين إلى القصص الشعبية التي تشكل الهوية الثقافية، كما يُسلط الضوء أيضًا على العلاقات الثقافية والدينية بين المسلمين واليهود في المغرب مُبرزًا التعايش والاحترام المتبادل.
ويناقش الكاتب الأحداث السياسية التي شهدها المغرب وتأثيرها على المجتمع وينتقل النص بعد ذلك لاستعراض تجربة شاب يُعاني من الفشل الدراسي والضغوط العائلية ويظهر روح المثابرة من خلال عمله في ورشة خياطة ومواجهة تحديات الانغماس في سلوكيات سلبية، ويتطور طموحه الفني عندما يستكشف إمكانية أن يصبح مغنيًا أو ممثلًا، معبّرًا عن تحرره ونموه بعد انتقاله إلى مدينة الرباط رغم الصراعات الداخلية والخارجية التي يواجهها، حيث تعكس هذه التجارب مدى تعقيد الحياة وتحديات تحقيق الأحلام في ظل ظروف اجتماعية صعبة.
وتبرز القصة من خلال أسلوب سردي شخصي يعكس مشاعر الفقدان والحرمان، حيث يبدأ النص بمأساة شخصية تمثلت في طرد أحمد بولان من المدرسة، ما يعكس الإحباط الناتج عن نظام اجتماعي صارم يهمش المتخلفين وتعكس هذه البداية كيف يتوجب عليه التخلي عن براءته والدخول في مرحلة جديدة من حياته تتطلب اتخاذ قرارات صعبة، حيث تشغل والدته برعاية أخواته، ما يجعله يشعر بالإهمال، بينما تبرز النصوص كيف تؤثر الظروف الاجتماعية والاقتصادية على التعليم، خاصةً في الأسر الفقيرة المغربية، إذ يتناول أيضًا الصعوبات التي تواجه الشاب حيث يعمل في ورشة خياطة ويفكر في مستقبله وهذا يعكس طموحاته ورغبته في تحقيق حلمه رغم التحديات المالية والاجتماعية.
وتشكل لحظة لقاء الراوي مع الممثل والكاتب المسرحي نقطة تحول في حياته، حيث يحصل على فرصة للانضمام إلى مشروع فني يُظهر موهبته وكيف أن المعرفة والثقافة تلعبان دورًا حاسمًا في تشكيل شخصية المخرج المغربي أحمد بولان ويبرز أهمية العلاقات الإنسانية في دعم الفنانين الشباب، بينما تنتهي القصة بالتأمل في التجارب التي مر بها الراوي، ما يعكس كيف يمكن للفرص غير المتوقعة والمعرفة أن تغير مجرى الحياة مُعبرة عن التقدير للتجارب رغم التحديات المستمرة.
ميدل إيست أونلاين