المخرج علي بدرخان يغوص في كواليس ‘كتابة القصة والسيناريو’
يضع مخرج فيلم “الكرنك” أسس فن وقواعد كتابة القصة السينمائية والسيناريو لمن يريد أن يصبح كاتب سيناريو، وللدارسين لفنون السينما والفيديو، وذلك من خلال الجزء الأول من مشروعه “صناعة الفيلم” والذي جاء تحت عنوان “كتابة القصة والسيناريو – أساسيات وحرفيات”، وجاء في 360 صفحة، وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
ويؤكد المخرج علي بدرخان أن فن السينما والتلفزيون يعد من أهم الفنون التي تؤثر في حياة الإنسان المعاصر، وهو فن له أصوله التي يجب أن يدركها كاتب السيناريو: كي يصبح عمله أكثر متعة وإتقانا. ويوضح أن مهمة كاتب السيناريو تقديم دراما جيدة للشاشة، تخضع لمعايير ومفاهيم صناعة السينما والتلفزيون، وتنبع من خصائص وجماليات الوسيط الذي يُقدم العمل من خلاله.
ويقدم صاحب “الراعي والنساء” تعريفًا للدراما بعامة، فهي كلمة يونانية معناها (أن يفعل) أو (حدث)، فهي قصة فعل ما، مقصود بها أن تُعرض أمام جمهور، وتتنوع أنواعها ما بين: النص المسرحي – الفيلم السينمائي – المسلسلات التلفزيونية – التمثيلية الإذاعية. وهناك سمات مشتركة بينها، منها: أن يكون الفعل واحدًا. أن يكون الفعل تامًّا. أن يكون الفعل له هدف. أن يكون الفعل به صراع. أن يكون للفعل طول معلوم أو محدد.
ويعرّف أرسطو الدراما بأنها محاكاة فعل نبيل تام، لها طول معلوم، وهذه المحاكاة تتم بواسطة أشخاص يفعلون، لا بواسطة الحكاية.
ويعرض المخرج المصري للفرق بين كتابة السيناريو وكتابة النص الأدبي، مؤكدًا على الذي يراه المشاهد، وكيفية اختيار الموضوع، مبينًا أن من مصادر الأفكار: الأعمال الأدبية، الأحداث الاجتماعية، السير الذاتية، التاريخ أو الأحداث التاريخية، والفلكلور والقصص الشعبي. موضحًا كيفية خروج الفكرة المحورية للعمل إلى حيز الوجود. منبهًا أن ما يجعل الفكرة المحورية قوية، هي الإمكانات الدرامية، والارتباط بحياة الناس، والجِدة أو النضارة.
شخصيات السيناريو
ثم يتعرض للشخصيات في السيناريو، موضحًا أنها تتحدد من خلال أفعالها وعاداتها السلوكية، مشيرًا إلى هناك شخصيات رئيسية وشخصيات ثانوية. وشخصيات مسطحة وشخصيات مركبة أو مستديرة. فالشخصية المسطحة تُبنى على أساس سمة واحدة أو فكرة بسيطة، وتتميز بأنها يسهل التعرف عليها بمجرد ظهورها. وهي ذات وجه واحد يعطي مظهرا واحدًا. كشخصية الحلاق الثرثار أو الفتاة الساذجة. أما الشخصية المركبة فلها سمات متعددة بشكل لا يمكن التنبؤ به بسهولة، فهي قادرة على مفاجأتنا، وهي متعددة المظاهر، وسلوكها غير متوقع.
أما الشخصية المحورية أو الرئيسية فتكون للممثل الأول الذي يلعب الدور القيادي في الدراما، ولأهميتها في بناء الأحداث، فهي محط اهتمام المتفرج ومثار عواطفه.
كما يتحدث المؤلف عن الشخصيات المساندة والشخصيات النمطية، ومنها الشخصية الحركية والشخصية الثانوية والشخصية الجامدة أو الراكدة. ويؤكد أن الشخصية أكثر عناصر الفيلم إنسانية، وأكثر ما يثير شغف المتفرج في الفيلم. لذا فإنه يفرد صفحات عن رسم الشخصيات، فيتحدث عن رسم الشخصية بالمظهر، ورسم الشخصية من خلال الحوار، ورسم الشخصية من خلال الفعل الخارجي، ورسم الشخصية من خلال الفعل الداخلي، ورسم الشخصية عن طريق ردود فعل الشخصيات الأخرى، ورسم الشخصية عن طريق التناقض (المعارضة الدرامية)، ورسم الشخصية عن طريق التكرار، ورسم الشخصية من خلال اختيار الاسم.
وهذا يقودنا للحديث عن الشخصية الكوميدية والشخصية المأساوية، فالشخصية الكوميدية أكثر مرونة حيث يمكن استخدام المفارقة الساخرة من خلالها سواء كانت الشخصية تستخدم الفكاهة في تعاملها مع المواقف المختلفة أو كانت الفكاهة تنبع من رد فعل الشخصية تجاه الموقف. أما الشخصية المأساوية فتظهر كنتيجة في معظم الأحوال، وهي تمثل تحديا لكاتب السيناريو لتوضيح الصراع ضد القوى التي تريد تلك الشخصية أن تكون ضحية، وبدون هذا الصراع يصبح السرد مسطحًا.
أما عن الشخصية المتطورة، فهي تتأثر تأثرًا عميقًا بفعل الحبكة داخليا أو خارجيا، أو الاثنين معا، ويحدث لها تغير مهم في الموقف أو وجهة النظر، أو في ذاتها كنتيجة لأحداث الحكاية.
كما يتحدث بدرخان عن تحقيق المصداقية وعمق الشخصية، وأهمية خلق شخصية لها بعد خاص وبعد عام، وذلك من خلال دراسة حياتها الداخلية وحياتها الخارجية. وكيف نجعل الشخصيات أناسا حقيقيين متعددي الأبعادـ، ويتحقق ذلك عن طريق الحياة المهنية، والحياة الاجتماعية الشخصية، والحياة الخاصة، بعد دراسة الجانب الشكلي والجانب الاجتماعي والجانب العاطفي للشخصية. أو دراسة سيكولوجية الشخصية، عن طريق طرح سؤال “من أنا؟”، وما هي الأدوار التي تلعبها الشخصية؟ وما هي آمالها؟ فالشخصية لا تعيش في الفراغ، ويجب أن يكون لها ماض، ودوافع محركة لها.
ويشير المؤلف إلى أربعة عناصر تخلق الشخصية الدرامية الجيدة، وهي: الحاجة الدرامية، ووجهة النظر، والتغيير والتحول، وطريقة التفكير. موضحا أنه يجب أن يكون للشخصية أهداف فورية، وأهداف بعيدة المدى، وبناء عليه يبين أفضل طريقة تُقدم بها الشخصية، واختيار الدافع المحرك للبطل، فكلما زادت رغبة البطل في الوصول إلى هدف محدد، ازدادت القصة إثارة.
ثم يتعرض مخرج “شفيقة ومتولي” إلى البطل والخصم، موضحًا أن الخصم هو أهم الشخصيات الثانوية وهو الذي يتعارض هدفه مع هدف الشخصية الرئيسية، وهو العائق بالنسبة لتحقيق هدف تلك الشخصية، ويكون عادة أكثر الشخصيات الثانوية تعقيدًا. ويسمى بالشخصية الشريرة، أو الشخصية المعارضة.
الحبكة السينمائية
وفي تعريفه للحبكة يوضح أنها العنصر الأساسي الذي تحدث عنه أرسطو في كتابه “فن الشعر” في معرض تحليله لتركيب المأساة، والمقصود بها التنظيم العام للعمل الدرامي ككائن متوحد. وأنها أكثر عناصر العمل الدرامي أهمية، وهي الهيكل البنائي الشامل الذي تنظم فيه الأحداث، والكيفية التي تُصاغ بها لتحقيق الأثر المطلوب، وكل عمل درامي لا يخلو من الحبكة، موضحا أن الحبكة هي العمود الفقري للسيناريو. وهناك نوعان من الحبكة: الحبكة الرئيسية؛ وتنقسم إلى الحبكة البسيطة والحبكة المركبة، ثم الحبكة الثانوية أو القصص الفرعية، مثل قصة داخل قصة.
وهناك متطلبات درامية ثلاثة للحبكة الرئيسية، وهي: لا بد أن تكون لدينا شخصية، تواجه صراعًا، وحينما ينتهي كل شيء لا بد أن يكون للقصة معنى كلي. ويؤكد بدرخان أن الكاتب الدرامي هو صانع عقد وصعوبات بالدرجة الأولى.
ويتحدث المؤلف عن مكونات الحبكة، وأدوات رسمها، والعقبات والمعوقات، والصراع والمواجهات، والفرق بين الصراع العادي والصراع الدرامي، وأنواع الصراع، وأطرافه، فهناك الصراع الخارجي المتمثل في صراع الإنسان ضد الإنسان، وصراع الإنسان ضد الطبيعة، وصراع الإنسان فردًا أو جماعة ضد قوى عامة، وهناك الصراع الداخلي المتمثل في صراع الإنسان ضد نفسه، وصراع الأفكار، ويوضح المؤلف أن الصراع الذي يتم درجةً درجةً بطريقة منطقية، متوخيًا الإقناع طبقا لقاعدة الضرورة والرجحان، هو الشكل الأمثل للصراع، مؤكدًا أن الدراما هي فن الأزمات. وأن لحظة الذروة هي أعلى نقطة في البناء الدرامي، وهي تلك اللحظة التي يجب أن تقود إليها كل المشاهد وكل الفصول عبر القصة.
التشويق والنهاية المفتوحة
وعن النهاية المفتوحة التي يلجأ إليها بعض كتاب السيناريو، يوضح مخرج “الجوع” أن النهاية المفتوحة لا تعني عدم وجود نهاية، كما أن النهاية المفتوحة لا تعني أن تتوقف القصة عشوائيًا عند أي نقطة فيها، ونترك المشاهد في حالة بلبلة، بل يجب تنظيم المشاعر والأحاسيس في السيناريو، ولا يمكن أن تنشأ مشاعر الإنسان بمعزل عن الواقع، لذا فإن تنظيم المشاعر في الدراما لا يغدو صادقًا وحيا إلا عندما يخضع لمنطق الحياة. ولا يترك الفيلم تأثيرًا عميقًا في نفوس المشاهدين إلا إذا كان المجرى العاطفي للفيلم موحدا، مع انسجام جميع الأشياء الأخرى واتساقها مع خط مشاعر الشخصيات.
ولا شك أن عنصر التشويق يعدُّ من أهم عناصر الدراما، فالتشويق هو أن نجعل المشاهد متشوقا لما هو آت، ويتساءل في لهفة عما سيحدث في أعقاب ما يراه أو يسمعه الآن، وهو ما يبعث الطاقة الحيوية في المُشاهد. ويتحقق عنصر التشويق في المفارقة الدرامية، وفي المفاجأة، وفي الانقلاب الدرامي، وفي الكشف، والجمع بين الأضداد أو التباين، وقد يكون التباين اجتماعيا، أو جسديا، أو بيئيا، أو زمنيا، أو عدديا، أو صوتيا، أو فكريا.
الزمان والمكان
وعن الزمان والمكان في الفيلم السينمائي يرى بدرخان أنه من السهل كسر العلاقة بينهما في الأفلام السينمائية، فأي شيء يمكن أن يتحرك في أي مكان، وبشكل غير متتابع، وذلك عن طريق القطع من مكان لآخر، وبدون إطالة في الزمن خلال هذا القطع. ويوضح مخرج “أهل القمة” أن التلاعب بالزمن والمكان يعتبر من الأساسيات السينمائية أثناء السرد القصصي، فمن الممكن إطالة الزمن وتركيزه، وإبطاؤه أو حتى تجميده. بل ومن الممكن الانتقال بالمتفرج من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل، أو للذاكرة والخيالات، مشيرًا إلى أنه لا يمكن للزمن والمكان أن يصبحا حقيقيين إلا أثناء اللقطة الواحدة فقط.
وقد يكون المكان هو أحد نجوم العمل، أو هو العامل المحوري الذي يحرك الأحداث، بتأثيراته النفسية الكبيرة، أو في كفاح الإنسان له.
أما الزمن في الدراما السينمائية، فينقسم إلى زمن القصة، والزمن النفسي، والزمن المؤثر، والزمن الفيلمي، والزمن المستمر، والزمن المختصر، والزمن الثقافي. ويتوقف مخرج “العصفور” عند تحديد الزمن، وتكرار الزمن، والزمن المستقبلي أو المتخيل، وعند زمن العودة إلى الماضي، وصور الذاكرة.
ويعرف الزمن المادي بأنه المدة الحقيقية التي يستغرفها عرض الفيلم، وهو حوالي ساعتين تقريبا نشاهد فيهما الفيلم. أما الزمن الدرامي فهو المدة الزمنية المتخيلة التي تقع خلالها أحداث القصة، ويسمى أيضا زمن عقدة الفيلم، مثل فيلم “بين السماء والأرض”.
وفي الفن السينمائي عندما نقوم بمد الزمن، نقوم أيضا بتوسيع المكان، وعندما نوجز الزمن، نختصر أيضا المكان، ذلك أن الفيلم عالم له القوانين الخاصة به في تقدير المكان والزمان، بحيث يتوازنان فيما بينهما ويتبعان نظام المنطق والإيقاع.
وعن كتابة القصة السينمائية يشير علي بدرخان إلى أنه من الأفضل أن يكتب الكاتب عن خبراته الشخصية التي يحمل مشاعر قوية تجاهها، وعندما يفعل ذلك سيجد نفسه متورطا عاطفيا، ومن ثم ينجح في أن يؤثر عاطفيا في الآخرين من القراء والمشاهدين. لكنه ينصح بعدم اختيار قصة شديدة الشخصية، لأن الأمر لا ينتهي دائما بتلك النهاية السعيدة عندما تكون الجروح طازجة.
عناصر القصة الجيدة
ثم يحدد عناصر القصة الجيدة، في أنها موحدة الحبكة، وقابلة للتصديق، وممتعة تحذب الانتباه عن طريق التشويق والحركة، وأن تكون بسيطة ومعقدة في آن، فهي معقدة بالقدر الكافي لإبقاء المتلقي في ارتياب، لكنها بسيطة إلى حد أنه يمكن غرس بذور النتيجة جميعها في باطنها.
وهو في مجال تعريفه للسيناريو يوضح أنه قصة تسرد بالصور والحوار والوصف، وتوضع في سياق درامي، موضحًا أن هناك قصة الحدث، وقصة الشخصية، رغم أنه قد تكون الشخصية هي الحدث، والحدث هو الشخصية، مشيرًا إلى أن القصص التي تتحدث عن عشاق وعائلات وأصدقاء وأعداء هي القصص التي تتسم بالعالمية وتمس قلوب الجميع، مؤكدًا أن القصة السينمائية ذات الفاعلية والتأثير هي التي تجذب الجمهور إلى دور العرض وتنجح في خلق التوتر لدى المتفرجين لاستخدامها عنصري الرغبة والخطر.
وعلى الجانب الآخر فهناك مشكلات قد يقع فيها بناء قصة الفيلم، منها: القصة حبكتها مفرطة في الحدث الذي تقدمه. إذا لم يعرف المتفرجون من القصة كيف يؤثر الصراع على الشخصيات. إذا كانت القصة تقوم على أحداث كثيرة في الحبكة. تحميل حبكة القصة فوق طاقتها. أن لا يفهم الجمهور ما الذي يدور السيناريو حوله. أن لا يسير الصراع في اتجاه واضح. أن لا يسير خط الشخصية في اتجاه واضح.
ويشير مخرج فيلم “نادية” إلى أن السيناريوهات العظيمة هي تلك التي تصل إلينا عاطفيا، وهي تخلق تدفقًا للحدث نعلق فيه ونمضي معه من البداية إلى النهاية، مؤكدًا أن الأفلام الناجحة تعمل دائما على مستوى عاطفي.