المدير العام ، يكشف أسرار الفضاء الخارجي للتلفزيون
فيما يلي نص المقال الذي كتبه السيد معن حيدر المدير العام الأسبق للاذاعة والتلفزيون في سورية عن الإنتاج الدرامي في رمضان. وهو بعنوان : جردة حساب … التلفزيون والدراما في رمضان ، وتعتبر مادة مرجعية مهمة ننشرها كاملة :
تَكرَّس شهر رمضان سنة بعد سنة كمناسبة درامية تلفزيونية بامتياز، أو لِنَقل تكرّستْ الدراما التلفزيونية كمناسَبة رمضانية بامتياز، سواء بالنسبة لشركات الإنتاج أو لقنوات العرض، وكان التلفزيون السوري بقنواته الثلاث واحدًا من أهمها بالنسبة لشركات الإنتاج.
وأصبحتْ أغلب إنتاجات شركات الإنتاج، تخَصَصْ للعرض في رمضان، ويتم التخطيط لإنتاجها وعرضها في موسم رمضان التالي منذ انتهاء رمضان القائم.
نعود إلى التلفزيون السوري، وحديثي هنا محصور تاريخيًا في العِشرية الأولى من هذا القرن.
فقبل حوالي شهر من رمضان، تُشكّل لجان رقابة خاصة للمسلسلات التي ستعرض خلاله، وتبدأ عملها في مشاهدة ووضع الملاحظات وتقييم الأعمال التي تصل أولًا بأول من شركات الإنتاج الخاصة ومن مديرية الإنتاج في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
ويبدأ معها وضع تصور مبدأي، مُسَوّدة، لما يُسمى (الخارطة البرامجية الرمضانية) لكل قناة على حدة، وهي جدول البث اليومي للقناة.
آنذاك كانت الرقابة، بالنسبة لأغلب الأعمال، تتركّز أكثر على الأمور القِيَمِيَّة. بينما تتركز أكثر على الأمور السياسية في المسلسلات الكوميدية الناقدة: مثل مرايا وبقعة ضوء.
الملاحظات توصي بإجراء مونتاج لبعض المشاهد أو حذفها، وكانت إما تنفّذ مباشرة دون العودة للإدارة. أو تُناقش مع الإدارة، وأحيانًا كثيرة (وبالأصح دائمًا) مع رأس الهرم الإعلامي.
كما حدث، على سبيل المثال. مع مشهد من إحدى حلقات بقعة ضوء يصور شيخًا (مودرن) يركب الدراجة الناريّة ويتصرّف بخفّة.
التقييم، أو التقويم، فيتم على ثلاثة مستويات: ممتاز، جيد، وسط .. أو مرفوض.
تصدر لجان الرقابة أولًا بأول نتائج تقييمها، وترفعها للإدارة. ثم تبدأ الاجتماعات المتلاحقة في مكتب المدير العام بحضور مدير التلفزيون ومدير الشؤون المالية ومدير رقابة البرامج والمسلسلات ومدراء القنوات التلفزيونية ورؤساء دوائر التنسيق في تلك القنوات.
ويحضر الاجتماعات طبعًا مدير عام المؤسسة العربية للإعلان.
يتم توزيع المسلسلات على القنوات. ويبدأ وضع مُسَوَّدات الخرائط البرامجية التي سيصل عددها للعشرات قبل أن تُعتمد نهائيًا.
وكان يؤثّر في ذلك عوامل عدة، من أهمها:
-تدخّلات بعض شركات الإنتاج لفرض القناة وتوقيت العرض
وأذكر هنا على سبيل المثال أنّ إحدى (أعتى) شركات الإنتاج آنذاك طلبت في أحد الرمضانات سحب مسلسلًا لها بعد أنْ تمّتْ إجازته من لجنة الرقابة. وبعد أنْ انطلقنا بالخريطة البرامجية في أول يوم من رمضان. تفاجأنا ليلًا في وقت متأخر باتصال من الفضاء الخارجي: أنْ أدرجوه على القناة كذا وبالتوقيت الذهبي، (وبلّش الركض من جديد) لكي نجد حلّا لإدراجه غير الحلّ المستحيل بأن نزيد عدد ساعات اليوم
-تغيّر وقت أذان المغرب بين أوّل الشهر وآخره. وبالتالي تغيّر الوقت بين أذان المغرب ونشرة الأخبار الرئيسية، وهو الوقت الذهبي للبثْ، وكذلك تصاعد حجم كتلة الإعلانات يومًا بعد يوم ابتداءًا من منتصف الشهر.
-تأخّر بعض شركات الإنتاج في إنجاز مسلسلاتها، وكنّا نراعي ظروفها وظروف الإنتاج عامة. وكان هذا التأخّر يؤدي إلى إصدار تقييم مبدأي، وكان أحيانًا يتغير سلبًا أو إيجاباً.
ومن الأمور التي كانت تحدث أيضًا:
-تعرّض نتائج التقييم لانتقادات من بعض شركات الإنتاج، تصل أحيانًا لحد الاتهامات الشخصية لبعض أعضاء لجان الرقابة، رغم أنّ أعضاء لجان الرقابة كانوا بمعظمهم ذوي خبرة ومِهَنِيّة وثقافة عالية ويتمتعون بنزاهة وسمعة طيبة مشهود لهم فيها، وكنّا نتحقق من ذلك، فنجد بعضها تجنّيًا، ونجد بعضها الآخر محقًا، ولا يخلو الأمر من وجود بعض حالات الشخصنة أو المزاجية، وبعض التجاوزات المالية بشكل ضيّق.
-تغيّر المعطيات والمناخ (خاصة السياسي) بين زمن الإنتاج وزمن العرض. الأمر الذي يؤدّي إلى تغيّر المنظور الرقابي، وإلى مشاكل بين شركات الإنتاج والتلفزيون، وأذكر هنا حادثتين:
الأولى عندما تمّ مونتاج مشاهِد من آخر حلقة من مسلسل بيئة شامية. نشب إثرها خلاف بين المخرج وأحد مدراء القنوات التلفزيونية آنذاك.
والثانية بعد اجتياح العراق تعرّض أحد المسلسلات التاريخية لمناقشات أجّلتْ عرضه إلى وقت لاحق.
-وعلى سيرة الرقابة والمونتاج، يحدث أن يستغلّ الصغار أحيانًا حالة معينة، ليلعبوا على الحبال، ففي رمضان 2005 قامتْ موظفة في دائرة التنسيق آنذاك بالتلاعب في بثّ حلقة من حلقات مسلسل مرايا، اكتشفتُ ذلك من تبريراتها المرتبكة، وكان أفضل رد هو الإهمال.
وفي منشور لاحق سأتحدث عن البرامج والإعلانات والرعاية وعلاقة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بمؤسسة الإعلان ..
*المدير العام الأسبق للاذاعة والتلفزيون في سورية