المرحلة النهائية للائتلاف الوطني السوري (يزيد صايغ)
يزيد صايغ
ربما لا يعقد المؤتمر الدولي الذي دعا إليه وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لإنهاء الصراع في سورية. وإذا ما عقد، فمن غير المرجّح أن ينجح. فالمحادثات التمهيدية حول من سيدعى لحضور المؤتمر – أو يستبعد – من الحكومة السورية والمعارضة، وما إذا كان سيطلب من إيران أن تشارك، يمكن أن تطول لعدّة أسابيع على أقلّ تقدير، إن لم يكن لأشهر، بعد موعد البدء المفترض في أوائل حزيران/يونيو المقبل.
ولكن أياً تكن النتيجة في نهاية المطاف، فإن الاقتراح الأميركي – الروسي المشترك عمّق الضعضعة في الإطارالرئيسي للمعارضة، الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي يواجه بالفعل أزمة النهاية .
التراجع النهائي
تضاعفت علامات الخلل الوظيفي منذ أن أكّد معاذ الخطيب استقالته من منصبه كرئيس للائتلاف الوطني يوم 21 نيسان/أبريل الماضي. وكان من المفترض أن ينتخب الائتلاف، الذي تجاهل محاولة الخطيب الأولى للاستقالة يوم 24 آذار/مارس، رئيساً جديداً في اجتماع لهيئته العامة يومي 11-12 أيار/مايو. وقد شملت بنود جدول الأعمال أيضاً انتخاب هيئة رئاسية جديدة، وتأكيد تولّي غسان هيتو رئاسة الحكومة المؤقتة التي يعتزم الائتلاف إقامتها في المناطق التي يسيطر عليها الثوار داخل سورية، والإعلان عن تشكيلة وزراء الحكومة. ولكن الهيئة العامة قامت بدلاً من ذلك بتأجيل جميع هذه البنود إلى سلسلة جديدة من الاجتماعات ستعقد في الفترة 23-25 أيار/مايو، عندما يعلن الائتلاف أيضاً موقفه النهائي بشأن حضور المؤتمر الدولي الذي دعت إليه واشنطن وموسكو.
ليس ثمّة من خيار آخر واقعي أمام الائتلاف الوطني سوى قبول الدعوة التي أقرّتها مجموعة أصدقاء سورية ، وخاصةً أن المجموعة الدولية كانت قد اعترفت بالإئتلاف بوصفه "الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري" في كانون الأول/ديسمبر الماضي. غير أنه بدا أن الائتلاف كان مرتبكاً عندما أعلن أصدقاء سورية رسمياً يوم 20 نيسان/أبريل تأييدهم للتفاوض مع النظام السوري الحاكم على أمل التوصّل، كما صرّح كيري، إلى حلّ سياسي "وفق بنود بيان جنيف" الصادر في 30 حزيران/يونيو 2012. وتدعو تلك الخطة إلى حكومة انتقالية تشكّلها المعارضة والسلطات الحالية، من دون أن يكون رحيل الرئيس السوري بشار الأسد شرطاً مسبقاً. وهي تناقض بصورة مباشرة موقف الائتلاف الوطني المعلن بأن "لا حوار ولا تفاوض" مع الرئيس. وليس لدى الائتلاف ردّ حقيقي على الأجندة الانتقالية المقترحة. وبحسب ما اعترف تقدير موقف داخلي تم تسريبه في 16 أيار/مايو، فإنه لا يمكن إنكار احتمال تركه معزولاً دبلوماسياً إذا لم ينخرط في المسار الإنتقالي بصورة كاملة.
وحتى لو لم يعقد المؤتمر الدولي أو انهار، فإن حظوظ الائتلاف الوطني لن تتحسّن. فهو لا زال يعتمد على الدعم السياسي والمالي من أصدقاء سورية، ولكن هذه العلاقة أصبحت ضعيفة على نحو متزايد في الآونة الأخيرة. والسبب في ذلك، في جزء منه، هو أن الائتلاف فشل في وضع إستراتيجية سياسية قادرة على جعل الدوائر الاجتماعية والمؤسّسية الأساسية الموالية لنظام الأسد تتخلّى عنه ، وهو الأمر الذي من شأنه أن يجعل العملية الانتقالية عن طريق التفاوض مجدية. كما أن الائتلاف لم يوفّر الإدارة الفعالة أو الخدمات الأساسية والأمن للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سورية.
إن الائتلاف الوطني محاصر ومنهك على جبهات أخرى. فقد دخلت قيادة الجيش السوري الحر داخل سورية، والتي يفترض أنها متحالفة مع الائتلاف الوطني، في خلاف علني مؤذ مع جماعة الإخوان المسلمين منذ نهاية آذار/مارس. ومن المعروف أن جماعة الإخوان هي التنظيم الأكثر تماسكاً في المعارضة السورية والمكوّن الأكثر تأثيراً في المجلس الوطني السوري، والقوة المهيمنة في الائتلاف الوطني. واتهمت قيادة الجيش السوري الحر جماعة الاخوان المسلمين بالتالي بفرض "هيمنتها" على المجلس الوطني والائتلاف الوطني، وتخريب "المجالس المحلية و العشرات من التنسيقيات و الهيئات" لتنفيذ أجندتها، و"تشكيل ميليشيات مسلحة بل وصناعة أمراء حرب يدينون للجماعة بالولاء". كما رفضت قيادة الجيش الحر اختيار الائتلاف غسان هيتو لرئاسة حكومة مؤقّتة تتولّى إدارة المناطق المحررة، معتبرة أنه مفروض من جماعة الإخوان.
الوضع الحقيقي لقيادة الجيش الحر داخل سورية غامض. إذ تعكس حقيقة عدم وجوده ضمن الخريطة التنظيمية للمجلس العسكري الأعلى، الذي أعلن عنه في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2012 بوصفه الهيكل التنسيقي الشامل لجميع وحدات المعارضة التابعة للجيش السوري الحر والوحدات غير الجهادية، استمرار الطابع الفضفاض لتراتبية قيادات الثوار . ولكن المشاعر التي عبّرت عنها قيادة الجيش الحر داخل سورية يشاطرها بالتأكيد أعضاء هيئة الأركان العامة للجيش الحر، التي تتبع رسمياً رئيس المجلس العسكري الأعلى العميد سليم إدريس.
على سبيل المثال، ادّعى العميد أحمد رحّال، رئيس المجلس العسكري الثوري في المنطقة الساحلية الشمالية في سورية، وهو جزء من إطار المجلس العسكري الأعلى، بغضب في مؤتمر للمعارضة عقد في القاهرة في منتصف أيار/مايو أن "السلاح يأتي إلى جماعة "الإخوان" والمقرّبين من قطرعلى رغم أن وجودهم في الصفوف الخلفية للثورة، في الخطوط الأمامية ليس لديهم سلاح". يومها دعا رحّال لإعادة هيكلة هيئة الأركان للجيش الحر، قائلاً إنه" لا يجوز أن يطغى عليه الطابع المدني، في إشارة إلى مزيج الهيئة المتعمّد من المنشقّين من الجيش السوري المحترفين والناشطين المدنيين.
يُظهِر المجلس العسكري الأعلى نفسه أيضاً على أنه مستقل سياسياً عن الائتلاف الوطني. ففي رسالة رسمية إلى الائتلاف في الأول من أيار/مايو – تم تسريبها إلى صحيفة الشرق الأوسط، وأكّدها بشكل منفصل ضباط من هيئة أركان الجيش الحر – طالب المجلس بأن "يتم تمثيل القوى الثورية والكتائب العاملة على الأرض [داخل سورية] بنسبة خمسين في المئة كذا من أعضاء الائتلاف"، وعلى وجه التحديد "لثوار لمدنيين في الكتائب". وحذّر المجلس بعد ذلك من أنه لن يقدّم ترشيحات لشغل منصبي وزير الدفاع والداخلية في الحكومة المؤقتة إلى أن تتم تلبية طلبه.
و في علامة أخرى على الإستقلالية السياسية أتت بعد أسبوعين من ذلك، أبلغ رئيس المجلس العسكري الأعلى إدريس وزير الخارجية الأميركي كيري أنه مستعد لحضور المؤتمر الدولي المقترح للسلام. لكن الائتلاف الوطني، الذي ينتمي إليه إدريس اسمياً، لم يتّخذ قراراً رسمياً بشأن الحضور.
هناك انقسامات وديناميكيات مشابهة تنتاب الجناح المدني في المعارضة. إذ يمكن القول إن جماعة الإخوان المسلمين ليست بالقوة التي يعتقدها البعض ، وهو ما قد يكون السبب في أن مراقبها العام رياض الشقفة، أعلن في 26 نيسان/أبريل عن خطط لفتح مكاتب وإعادة بناء الهياكل التنظيمية والقاعدة الشعبية لجماعة الإخوان في المناطق المحررة في سورية. كما أن محاولات جماعة الإخوان لدخول المجال العسكري ورعاية إطار مظلة لتشكيلات الثوار معروف باسم " هيئة دروع الثورة " ، قد تعثّرت.
أصبحت جماعة الإخوان في موقف دفاعي أكثر فأكثر رداً على اتّهامات حادّة لم يسبق لها مثيل من جانب أعضاء آخرين في الائتلاف الوطني بأنها تسيطر على إطار المعارضة. وقد أصدر رئيس المكتب السياسي للجماعة، حسن الهاشمي، تفنيداً رسمياً للاتهامات في 19 نيسان/أبريل، إلا أن ذلك لم يؤدّ إلا لتعميق شكوك منتقدي الجماعة.
في أواسط أيار/مايو الجاري، أعلن نحو 200 ناشط، بمن فيهم أعضاء بارزون في الائتلاف الوطني مثل ميشيل كيلو، والرئيس السابق للمجلس الوطني السوري برهان غليون، والعديد من الأعضاء الآخرين الذين عارضوا انتخاب هيتو في آذار/مارس، إقامة تجمّع معارض جديد. شكّلوا اتحاد "الديموقراطيين السوريين" الذي يرمي إلى "أغلبية السوريين الصامتة" بهدف منع جماعة الإخوان المسلمين من وضع يدهم على السلطة عندنا أيضاً بعد أن علمتنا تجربتنا في تونس ومصر". يأمل هذا "القطب الديموقراطي"، كما لقبه كيلو في باديء الأمر، بأن يوفّر ثقلاً موازناً لجماعة الإخوان المسلمين و التكتل الرئيسي الآخر في الائتلاف الوطني، الذي يتزعمه أمينه العام، مصطفى الصباغ، والذي يعتبر "رجل قطر" في الائتلاف.
لا تزال المفاوضات المطوّلة جارية بشأن توسيع عضوية الهيئة السياسية للائتلاف الوطني بهدف إيجاد توازن أكثر عدلاً في هيكلها. وثمّة تقارير تفيد بأن ثمانية أعضاء جدد مقرّبين من القطب الديمقراطي يمكن أن يضافوا إلى عضوية الهيئة السياسية ، وبذلك يرتفع عددهم فيها إلى 25. وحتى لو كانت هذه التقارير صحيحة، يبدو أنه لا يمكن تجاوز مسألة انعدام الثقة. ففي مقالة كتبها في 11 أيار/مايو، اتّهم كيلو الائتلاف الوطني والمجلس الوطني السوري بالفشل كهيئات قيادية وحتى أنها حققت مفعولاً عكسياً واسهمت في استمرار النظام". وختم كيلو بالقول أن " كان النظام من جانب والحراك من جانبٍ، وكانت المعارضة عبئاً على الثاني أكثر مما كانت نقيض الأول"
الصراع من أجل السلطة داخل سورية
الفوضى المتزايدة في صفوف الائتلاف الوطني تضع حكومته المؤقّتة في دائرة الخطر. إذ أعلن هيتو يوم 25 نيسان/أبريل أن الاستعدادات لإطلاقها قد استكملت وأنه سيعرض تشكيلة الحكومة على الإئتلاف للمصادقة عليها في 11 أيار/مايو. ولكن بحلول ذلك الوقت كان الحديث عن استبدال هيتو قد أصبح افتراضاً شائعاً في دوائر المعارضة. اشارت جماعة الإخوان إلى أنه قد يحلّ محلّه "المستقل الإسلامي" أحمد خضر. وتتنبأ مصادر أخرى بأن يكون المنصب من نصيب أحمد طعمة، سكرتير منبر إعلان دمشق في المجلس الوطني السوري.
ولكن من المحتمل أيضاً ألا يتم استبدال هيتو لأن الحكومة المؤقّتة قد لا ترى النور. وحتى لو تم تشكيل الحكومة، فإن مسألة ما إذا كان سيتم تمكينها سياسياً بالشكل الكافي للحصول على سلطة سياسية وأخلاقية فعّالة في المناطق التي يسيطر عليها المتمرّدون في سورية تبقى سؤالاً مفتوحاً.
وعلاوة على ذلك، وقعت الحكومة المؤقتة ضحية للتنافس على النفوذ بين قطر والمملكة العربية السعودية داخل الائتلاف الوطني. وثمّة تصور متداول في دوائر المعارضة بأن قطر فرضت هيتو على الائتلاف الوطني كرئيس وزراء مكلّف، وثبت أن من المستحيل زعزعة هذا الرأي. وفقاً لشخصيات بارزة في المعارضة، فإن المملكة العربية السعودية، التي تسعى لإيجاد ثقل موازن لجماعة الإخوان المسلمين السورية التي تدعمها قطر، ربطت الاستمرار في تقديم المساعدات للائتلاف باستبدال هيتو. في 11 أيار/مايو، اشتكى الخطيب علناً من أن تشكيل الحكومة المؤقّتة قد طغى عليه الصراع بين "قوتين إقليميتين"، لكل منهما مرشحه المفضّل لرئاسة الوزراء، كل منهما يسعى إلى اختيار الوزراء وفقاً لرغباته.
ربما يلجأ الائتلاف الوطني الآن إلى الرأي الذي يقول إن عقد المؤتمر الدولي الذي اقترحته روسيا والولايات المتحدة سيجعل تشكيل حكومة مؤقّتة أمراً غير ضروري، أو حتى يفضي إلى نتائج عكسية. ومن المؤكّد أن تقرير الموقف الداخلي للائتلاف المسرّب يوحي بأن اعلانها ليس الوقت الملائم لهالآن، فالظروف لا تبدو أن تساعد الاعتراف الدولي والإقليمي بها". بيد أن هذا يشكّل معضلة بالنسبة للائتلاف: فما لم تتمكن وبسرعة من إحداث فرق ملموس في المناطق المحررة، فإن تأجيل تشكيل الحكومة المؤقتة سيزيد من تآكل مكانة الائتلاف دولياً ومحلياً.
وفقاً لما ورد في تقييم الائتلاف، فإنه يواجه الآن خطراً إضافياً يتمثّل في أن مجموعة أصدقاء سورية ستسحب اعترافها الدبلوماسي به كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، إذا ما رفض في نهاية المطاف حضور المؤتمر الدولي. وما من شك في أن الائتلاف أخذ علماً بالقرار الذي اتّخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 أيار/مايو، والذي يدعو إلى انتقال سياسي في سورية. ومع أن النص ألقى المسؤولية على عاتق النظام بسبب استخدامه الأسلحة الثقيلة وارتكابه "انتهاكات واسعة ومنهجية جسيمة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية"، فقد خفض في الواقع منزلة الائتلاف الوطني إلى "محاور وممثل مؤثّر في عملية الانتقال السياسي".
وبينما تتلاشى شرعية الائتلاف الوطني، ستبدأ القيادة الفعلية بالانتقال بصورة أكثر جلاءً إلى القوى الموجودة على الأرض: جماعات الثوار والمجالس العسكرية التابعة، بصورة أو بأخرى للجيش السوري الحر،والمجالس المحلية المدنية، وتحالفات الثوار الإسلاميين التي تزداد تماسكاً، وفي بعض الحالات جبهة النصرة والجماعات الجهادية الأخرى، سواء المموّلة من الخارج أو المحلية. وستكون هذه العملية مشوشة. وفي ظل اتجاه الثوار والنظام نحو توازن إستراتيجي من الناحية العسكرية، فإن عدم وجود إطار سياسي فعّال وشامل سينتج خليطاً من الولاءات ومناطق السيطرة المتنافسة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
تبدو مجالات الاحتكاك واضحة. ففي ظل التنافس للسيطرة على الأراضي والمعابر الحدودية والموارد مثل حقول النفط في شمال شرق سورية، وقعت اشتباكات بين الجيش السوري الحر والوحدات الإسلامية، والميليشيات الكردية، والجهاديين، والعشائر العربية. ولا تزال أعمال العنف الداخلي متقطّعة وعرضية حتى الآن، ولكن التصدّعات الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية داخل المعارضة ستتكشّف بوضوح أكثر إذ ما استمرت حالة الجمود مع النظام. فهناك توتّرات بين سكان الريف والحضر، وبين المتمردين المسلحين والناشطين المدنيين، وبين جماعات المعارضة الإسلامية والعلمانية المتنوعة. وهذه أيضاً ستتفاقم بشكل حادّ.
وفي الوقت نفسه تستمر الأزمة الإنسانية في سورية في الاشتداد بوتيرة مذهلة. في أوائل أيار/مايو، قدّر مسؤولو الأمم المتحدة أن عدد النازحين السوريين داخلياً بلغ أكثر من الضعف في الشهرين السابقين وأن ما يقرب من واحد من كل ثلاثة سوريين يحتاج الآن إلى مساعدة عاجلة. واستشرافاً للمستقبل، يتوقّع مفوّض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين بأن ما يصل إلى 50 في المئة من السكان البالغ عددهم 24 مليون سيكونون نازحين داخلياً أو يلتمسوا اللجوء في البلدان المجاورة بحلول نهاية العام 2013. وأصدقاء سورية متخلفون بالفعل في الوفاء بالتعهدات القائمة لتقديم المساعدات الإنسانية، حيث لم يتم بحلول منتصف أيار/مايو صرف سوى نصف مبلغ 1.5 مليار دولار الذي تم التعهد به في مؤتمر المانحين الذي عقد في الكويت في كانون الثاني/يناير الماضي.
انتهى الوقت
من الواضح أن المجتمع الدولي يتحمّل مسؤولية رئيسة للتعاطي مع هذه الأزمة وإيجاد سبل كفيلة بمنعها من التفاقم. ولكن يجب على الائتلاف الوطني أيضاً أن ينتهز كل فرصة للتوصّل إلى حلّ سياسي للصراع الدائر. فقد عرض واضعو تقدير لموقف الداخلي المسرب منطقاً مقنعاً لصالح هذه المقاربة، بما في ذلك على وجه التحديد المشاركة بصورة رسمية في المفاوضات في إطار لمشروع الأمريكي-الروسي.
ومع ذلك، فقد بيّن الائتلاف الوطني مراراً أنه لن يقوم بذلك، ولا يزال منقسماً جداً ،ما يعيق بحدوث تغييرات مفاجئة في المواقف تجاه مسألة بالغة الأهمية كهذه. فعندما اقترح الخطيب إجراء حوار مباشر مع الأسد في 30 كانون الثاني/يناير، انتقده شركاؤه في المجلس الوطني السوري بمرارة بسبب "طعن للثورة السورية وشهدائها". ومنذ استقالته، اتُّهم الخطيب بأنه يدعم سرّاً "مبادرة الضمير"، التي تدعو من بين نقاط أخرى إلى بقاء الأسد في منصبه حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في أيار/مايو 2014، والتي لن يرشّح نفسه فيها.
في ردّ نشره على صفحته على موقع الفيسبوك يوم 26 نيسان/أبريل، أكّد الخطيب أنه يعمل حالياً على "مبادرة لحقن دماء السوريين". لم ينكر على وجه التحديد مشاركته في مبادرة الضمير، لكنه أشار إلى أنه ناقش مبادرته مع بعض الأعضاء الذين لم يسمّهم في الائتلاف الوطني. بدا أن الخطيب يعني ضمناً استعداده للقاء الأسد عبر التشديد على أن وضعه السياسي والشخصي يخوّله "لقاء كل سوري"، في حين أضاف أنه لم يوافق على بقاء الأسد في منصبه، وأنه سيصدر بياناً إذا ما قام بذلك.
إن أي شيء يشبه مبادرة الضمير غير مقبول تماماً للفصائل المهيمنة في الائتلاف الوطني، لكن عقد مؤتمر دولي للسلام يمكن أن يبقي الأسد في منصبه حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة. لذلك حتى لو اصطدمت مبادرة الخطيب بعقبة ما، وربما تصطدم بالفعل لأن الأمور ليست في صالحها، فإن التحدّي السياسي الذي يواجه الائتلاف لن يتلاشى.
وحتى لو قبل الائتلاف رسمياً دعوة الولايات المتحدة وروسيا لحضور مؤتمر السلام، فإن الطبيعة المختلّة لتركيبه السياسي الداخلي والتأثير السلبي للتنافس القطري – السعودي على خياراته سوف يحول دون أن يلعب دوراً حاسماً في أي مفاوضات.
المحاورون الآخرون في المعارضة يأخذون أماكنهم بالفعل ليكونوا جزءاً من الحلّ السياسي، أو على الأقلّ لتحدّي مطالبة الائتلاف الوطني بالزعامة. إذ إن هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديموقراطي، أحد المنافسين الرئيسيين للائتلاف التي لا يزال مقرّها في دمشق، والتي دعت دائماً إلى إيجاد حلّ سياسي، لا زالت تناقش إنشاء "التحالف الديمقراطي المدني" من جماعات المعارضة ذات الميول المشتركة منذ شباط/ فبراير. ومع أنه يصرّ على رحيل الأسد كشرط مسبق للانتقال عن طريق المفاوضات، فإن اتحاد الديمقراطيين السوريين بزعامة كيلو يرى نفسه كإطار إضافي ممثّل للمعارضة، وليس مجرد مكوّن من مكوّنات الائتلاف الوطني، كما يتّضح من تخطيطه لفتح مكاتب في عواصم عالمية مختلفة.
ربما لن تسحب مجموعة أصدقاء سورية اعترافها الرسمي بالائتلاف الوطني باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري قريباً. لكنهم قريبون من البدء في البحث مرة أخرى عن إطار أكثر صدقيّة للمعارضة، مع التفضيل أن يكون داخل سورية. وفي الوقت نفسه لن يتلقى الائتلاف الوطني مساعدات مالية وعسكرية بالقدر الذي يحتاجه، لاسيّما إذا شكّل حكومته المؤقتة. بدلاً من ذلك، سيجد نفسه مهمّشاً إذا ما بدأت عملية سياسية حقيقية. الائتلاف الوطني، الذي لم يكن مقدَّراً له أن يكون أكثر من مجرّد فاصل، سيظل يعرج ، لكن وقته قد انتهى.