المستقبل العربي يلوح في مصر (الياس سحاب)

 

الياس سحاب

بعدما تم في مصر من إسقاط لبقايا نظام «الإخوان المسلمين»، وبعد البداية الناجحة على ما يبدو في التعامل مع مشروع إقامة إمارة ظلامية في شمال شبه جزيرة سيناء، فإن ملامح واضحة لرسم المستقبل العربي بأيدي أبناء المنطقة العربية أنفسهم، بدأت تلوح في الأفق، وفيها إشارات واضحة الى أن الدورة التاريخية العربية التي كانت مصر محمد علي مركزا لها في النصف الاول من القرن التاسع عشر في قلب الامبراطورية العثمانية المتهالكة، مبشرة بدخول عربي الى رحاب العصور الحديثة. هذه الدورة التاريخية القديمة، يبدو أنها مرشحة لتجدد نفسها، في النصف الاول من القرن الحادي والعشرين، في تخوم الامبراطورية الاميركية المتهالكة هي الاخرى، والتي تعاني أمراضا في توسع نفوذها تشبه الأمراض التي أصابت الامبراطورية العثمانية قديما، وأودت بنفوذها.
الدورة التاريخية الاولى انحسرت تحت ضربات التحالف الذي قام في مواجهة مشروع محمد علي، بين الامبراطورية العثمانية من جهة، وفرنسا وانكلترا من جهة ثانية. وكان من نتائجها المؤجلة، بعد النجاح في محاصرة المشروع النهضوي العربي، الفكرة الاوروبية الاستعمارية بإقامة دولة لليهود في فلسطين تقوم حاجزا بين أي احتمالات لمد مصري جديد باتجاه بلدان المشرق العربي.
وكما لعبت فكرة إقامة الكيان الصهيوني دوراً في مواجهة الدورة التاريخية الاولى، فمن الواضح أنه سيكون لفلسطين، المحتلة هذه المرة، دور في الصراع الذي سينشأ حول احتمالات الدورة التاريخية الثانية. لكن هذا الدور سيكون على ما يبدو مؤجلا، ريثما يحسم العرب المعاصرون، انطلاقا من مصر، على ما يبدو من تسلسل الأحداث، معركتهم مع ظواهر الرجعية والتخلف المتسربلة بلبوس الدين في حركة ظلامية ارتدادية تكفيرية، بدأت ملامح تراجعها تلوح في مصر، في العاصمة القاهرة، كما في شبه جزيرة سيناء.
يمكننا القول ان الفترة التاريخية الفاصلة بين هاتين الدورتين التاريخيتين، والتي تقدر بما يقارب القرنين الكاملين، هي بالضبط تاريخ الصراع الذي كان وما زال العرب المعاصرون يخوضونه لدخول العصور الحديثة. وقد امتلأت هذه الفترة الفاصلة بأنواع مختلفة من المعوقات التاريخية، بعضها من ظواهر داخلية كامنة في قلب المنطقة العربية نفسها، وبعضها الآخر من صنع القوى الخارجية الطامعة بهذه المنطقة، والخائفة على نفوذها من احتمال نجاح المنطقة العربية في استكمال الدورة التاريخية الجديدة، المتمثلة بقدرتها على أن ترسم بأيديها وبإرادتها المستقلة، ملامح حاضرها ومستقبلها.
وكما كانت إقامة الكيان الصهيوني هي بين هذه المعوقات المزروعة والمفروضة من الخارج، اعتمادا على نقاط الضعف العربي الداخلي، فقد تفننت القوى الخارجية، وخاصة الولايات المتحدة الاميركية، في استنفار كل الظواهر المتخلفة في داخل جسم المنطقة العربية ليكون (الى جانب فلسطين المحتلة) قنبلة داخلية تعمل على تفتيت المنطقة العربية، وبدا ذلك شديد الوضوح منذ رعاية المخابرات المركزية الاميركية رعاية مباشرة لولادة ونمو القوى الظلامية المتخلفة في المنطقة، لمساعدتها في محاربة النفوذ السوفياتي في أفغانستان، في ذروة عصر الحرب الباردة بين المعسكرين.
إن ما يحدث في مصر الآن، وحتى إشعار آخر، سيكون على ما يبدو قاعدة لمواجهة المنطقة العربية لكل أنواع المعوقات الداخلية والخارجية، التي حالت حتى الآن دون استكمال دخول المنطقة العربية دخولا كاملا في صميم العصر الحديث، انطلاقا من إرادة سياسية مطلقة الحرية في صناعة حاضر ومستقبل هذه المنطقة من العالم.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى