المسرح العربي في غرفة العناية الحثيثة
يعد المسرح واحدا من أشكال الفنون المختلفة، ومكانا للأداء والتمثيل، كما أنه المكان الذي يجسد أو يترجم القصص والنّصوص الأدبية بأنواعها المختلفة أمام المشاهدين وذلك باستخدام مزيج من الكلمات، وبعض الإيماءات بالموسيقى والصوت على خشبته.
وهو أبو الفنون جميعها وأقدمها منذ أيام الإغريق واليونان، وترجع بداية المسرح في جميع الحضارات إلى الاحتفالات المتصلة بالطقوس الدينية حيث كانت المسارح هي الوسيلة الوحيدة للتعبير الفني عن تلك الطقوس بعد حلبات المصارعين والسباقات وله أنواع كثيرة كالكوميديا والترجيديا ومسارح التجريب والعبث والمسارح الغنائية.
وحيث إن المسرح يعتبر ثقافة نوعية وهو موجه لجمهور محدد وخاص فإنه يعيش حالة احتضار وإقامة في العناية الحثيثة، لها أسبابها الكثيرة والتي أهمها النص المسرحي الذي يتناول القضايا الاجتماعية، لكنه لا يقدمها بصورة تجعل هناك مساحة للحوار بين النص والمتلقي.
بالإضافة إلى ابتعاده عن هموم الشارع البسيطة والتي من المفترض لفن مثل المسرح أن يعكسها وأن يكون قريبا منها، وربما من الواضح أن المسرح هو الذي ابتعد عن جمهوره في طرحه للقضايا التي لم تحرك إلا الخشبة تحت أقدام الممثلين.
أزمة النص البعيد عن هم الناس أسهمت بشكل أو بآخر في تكريس عزلته عن الشارع العربي وبالتالي كان المسرح وما زال ترفاً بالنسبة للمواطن العربي، وكان العمل فيه متعة وهواية شخصية ربما لا تفيد صاحبها حتى بتكسبه منها وتحصيل دخل من خلالها.
ومن هنا فإن بعض المقولات التي تشير إلى أن المسرح لا يطعم خبزا صحيحة في حين أن أجور الممثلين في السينما والتلفزيون تفوق أضعاف ما يقدم لممثل المسرح، وإغراءات الشهرة والانتشار التي حظي بها ممثلو السينما والمسرح جعلت ممثلي المسرح يشعرون بالغبن والظلم وعدم الجدوى والحماس لإعلاء شأن المسرح والاشتغال على مستقبله.
وقد أكد الكثير من المشتغلين بالهم المسرحي أن إدارات المسارح في العالم العربي تعاني من أزمة متصلة بأزمة النص وأزمة المتلقي، فهي لاتجهد في البحث عن نصوص مسرحية جيدة، وتعتمد على نصوص مسرحية ضعيفة لكون كاتبها مثلا ينتمي إلى نفس مجموعة الإدارة أو الفرق المسرحية التابعة لتلك الإدارة، كما أنها لا تجهد نفسها في تشكيل لجان متخصصة في المسرح لاختيار العمل المناسب لتقديمة لجمهور تغيرت ذائقته وصار يبحث عن النص الذي يعكس مضمون حياته برؤية مختلفة تناسب العصر الجديد بكل معطياته السريعة والمتغيرة.
وفي نفس السياق فإن بعض النصوص المسرحية المقدمة للنخبة أيضا التي تطرح قضايا بعيدة عن الهم اليومي وتعد نصا معلبا لمتلق محدد زادت القطيعة بين الخشبة وبين شريحة كبيرة من الجمهور التي ترى في مثل هذا المحتوى تعاليا على وجع رجل الشارع وبعدا عن العمل الذي يلتصق برؤية جماهيرية شعبية.
وحيث إن الاختصاص هو أساس التميز والإبداع فإن النص المسرحي العربي يعاني من ندرة وجود الكاتب المسرحي المختص، فمن يكتبون للمسرح يشتغلون أيضا بالتمثيل أوالإخراج وأحياناً الإضاءة والديكور أيضاً، أو أنهم روائيون وقاصون يكتبون النصوص المسرحية على استحياء وعلى سبيل التغيير والتجريب بغض النظر عن الحاجة للتخصص وأهميته في إنتاج مسرح خال من الخطابية والثرثرة المجانية التي يمارسها أحيانا الروائيون في كتابتهم المسرحية.
ويقف انتعاش السينما التي باتت وسيلة ترفيهية للأسرة بتكاليف منخفضة وراء ابتعاد الجمهور عن المسرح بالإضافة إلى الفضائيات التي خطفت الجمهور والفنانين أيضا من المسرح، فهل سيترك المشاهد جلسة مريحة أما شاشته ويتحمل مشقة الوصول لمشاهدة عرض مسرحي؟.
وعلى الرغم من أن المسرح يملك مكانة خاصة من حيث اللقاء المباشر بين الممثلين والجمهور إلا أن التلفاز مثلا يتفوق عليه بقدرته في الوصول لشريحة أكبر من الجمهور فهو يقدم النصوص للجمهور عبر وسائط مختلفة، وممتعة للمشاهد في حين يسلك المسرح أحيانا طرقا معقدة أثناء مخاطبة عقل الجمهور، وهذا ما يجعل المتلقي المعاصر المشغول بفكره والمتاح له الكثير من الوسائط التي لا تستفز فكره في تناولها أن ينصرف كليا عن مشاهدة عرض يسبب له الصداع والإجهاد.
ميدل ايست أونلاين