المسيح العربي المسلم
هذا العنوان ليس من إختراعي ، و إنما هو من صنع (( مارون عبود )) –رحمه الله – هو الكاتب اللبناني الماروني المبدع فكراً ، و ظرفاً ، و نقداً أدبياً، و الذي سّمى إبنه “محمداً ” ، أو (( نقولا زيادة )) المؤرخ الكبير الذي ألف كتابا رائعاً تحت هذا العنوان : (( المسيحية و العرب )) كان من أفضل ما كتب عن الأخوة بين المسلمين و المسيحين .
أذكر”مارون عبود” الآن أكثر من أي وقت مضى ، و خاصة أنه شارك شخصيا في الحضور إلى دمشق لحضور المؤتمر الثقافي الذي دعت إليه (( رابطة الكتاب السوريين )) التي كنت أمينا عاماً لها في الخمسينات ، و لكم سُررنا بحضوره ، و حين ناديته يا أبا محمد ، أبتسم و أجاب بلهجة مرحة : (( حتى أقربائي الموارنة في لبنان ينادوني بهذا اللقب الذي أحبه ، حتى لقد نسيت أسمي الشخصي لكثرة ما ناداني الآخرون بلقبي هذا : (( أبو محمد )) فأنا مسيحي و مسلم في آن واحد ، و لم أسمّ و لدي بإسم محمد إلا لإعجابي الكبير بهذا النبيّ العربي الذي استطاع أن يصنع من القبائل البدوية خير أمة أخرجت للناس ..)).كما تعرفت شخصياً بالمؤرخ العلامة (( نقولا زيادة )) في بيروت و جلسنا إلى مائدة واحدة أكثر من مرّة و أصغيت إليه طويلاً مبهوراً بحديثه الممتع فكراً و ظرفاً و كنت وقتها في أوج شبابي ، و هو في ذروة شيخوخته – شيخ الشباب كما يقال – يأكل و يشرب و يروي النكات و الحكايات اللطيفة ذات المغزى العميق و يهديني كتابه الشهير (( المسيحية العرب )) الذي نشرته له (( دار قدمس )) في دمشق .
أتذكر كل هذا الآن و قد شخت ، و نسيت بعض الأسماء التي يشبه أصحابها نقولا زيادة أو مارون عبود و لكنني لا أنسى كيف كنا في الخمسينات نزور الكنائس كما نزور المساجد و لم يكن أحدنا يسأل الشخص الذي يتعرف إليه لأول مرة عن مذهبه أو عن دينه ، حتى إنني كما أذكر أرتبطت بصداقة عميقة و أنا طالب في جامعة دمشق في بداية الخمسينات مع طالب آخر في كلية العلوم – قسم الرياضيات – كان أسمه (( توفيق أبو شنب )) من أظرف الأصدقاء و لم أعرف أنه مسيحي إلا بعد عامين أو أكثر تقريبا حين مرض صديقي هذا و ذهبنا لزيارته في منزل أسرته في حي (( القصاع )) و عرفت هناك من صور المسيح و القديسين و الصلبان المعلقة على الجدران أن ” توفيق ” مسيحي ….و عشنا معا و صار هو من أشهر أساتذة الرياضيات في دمشق و بقينا صديقين معه و مع آخرين المسيحين الذين لم نعرف دينهم إلا مصادفة … في حين أننا الأن كما نلاحظ يجب أن يعرف الواحد منا الشخص المرشح أن يغدو من أصحابنا هل هو مسلم أم مسيحي ، و إذا كان مسلما سنياً أم شيعياً و إذا كان مسيحيا كاثوليكيا أم أرثوذكسياً حتى نطمئن قبل التعمق في مصاحبته . اقرؤوا مثلاً هذا المقطع من كتاب ” المسيحية و العرب ” لنقولا زيادة كي تدركوا الفرق بين زمان أوّل و هذا الزمان : ( لقد كان المسيحيون العرب بين طليعة من دعا إلى القومية العربية ، فأنا ، وجريس و طنّوس ، و شنودة ورثة حضارة واحدة ، عربية إسلامية …عملنا في بناء صرحها لأننا نقدم بذلك كشفا عن تراثنا …).
هذا الكلام الرائع هو خير ما يجّسد الرؤيا النبيلة و الصادقة و الموضوعية للمسيحيين و المسلمين على حد سواء ، غير أن الناس – مع الأسف أو الألم الشديد – قد تغيّروا كثيرا في هذا الزمن الرديء الذي نعيش أو نموت في ظله أو كابوسه المخيف ، فإلى أي زمان سوف ننتمي قبل أن يفوت الآوان ، زمان الأخوّة و المودّة أم زمن التعصب و العنف و الكره ….و الموت الملوّث ؟!..