المفكّر العربى الدكتورعبد الحسين شعبان: منبر تنوير عروبى بأفق عالمى وتعبر عن هموم الناس ومشكلاتهم

أعتقد أن طه حسين هو الذي وصف الأهرام ولربما الصحافة «صاحبة الجلالة» بشكل عام بأنها «ديوان الحياة العصرية»، بمعنى أنها تعبّر عن هموم الناس ومشاكلها، وبالرغم من التغيرات في الأوضاع السياسية وتبدّل أنظمة، من السيطرة العثمانية إلى الاحتلال البريطاني، ثم الحكم الملكي إلى الجمهورية الأولى بقيادة عبد الناصر، وبعده الجمهورية الثانية بقيادة السادات، والجمهورية الثالثة بقيادة مبارك، والجمهورية الرابعة بعد التغييرات التي أطلق عليها الربيع العربي، وقيادة السيسي حالياً، فإن الأهرام حافظت إلى حدود غير قليلة على مهنيتها وتوازنها.

لقد لعبت جريدة الأهرام دوراً تنويرياً مهمّاً على مدى تاريخها الطويل، فقد ساهمت منذ صدور العدد الأوّل لها في 5 أغسطس (آب) 1876 في المنشية بالإسكندرية ولحتى الآن، في تعزيز اللُّحمة العربية، من خلال التواصل والتفاعل، وهي كما أعتقد المنبر التنويري المعمّر وربما الوحيد المتواصل منذ قرن وأربعة عقود ونيّف من السنوات، وكانت بحق الجريدة الأولى المؤثرة والمقروءة في العالم العربي، ولا تزال تحتفظ بمكانتها المتميّزة.

تأسَّست الأهرام كجريدة أسبوعية بادىء الأمر (بأربع صفحات) ثم أصبحت جريدة يومية ومؤسسة كبرى، تصدر 3 طبعات يومياً إلى جانب طبعة دولية في لندن ونيويورك وفرانكفورت، وطبعة عربية في دبي والكويت، وطبعة إلكترونية متاحة لقرّاء شبكة الإنترنت.

وقد أسَّسها شقيقان لبنانيان هما بشارة وسليم تقلا، وتحوّلت الجريدة الأسبوعية التي لقيت ترحيباً من النخب الفكرية والثقافية إلى جريدة يومية، وكانت منذ البداية توزّع في مصر وبلاد الشام: سوريا ولبنان وفلسطين، أي أن فضاء الكلمة فيها كان عروبياً.

أدركت الأهرام وظيفتها التنويرية العروبية منذ اليوم الأول، وهو ما حرص عليه مؤسساها، اللّذان اهتمّا بسلامة اللغة العربية، فضلاً عن التمسّك بأخلاق الصحافة ومهنيتها وحرفيتها قدر الإمكان، خصوصاً توخي الدّقة في نشر المعلومات وعدم الإساءة أو التعرّض بالطعن إلى أحد، وقد ساهمت ثقافتهما الفرنسية الراقية، إضافة إلى ثقافتهما العربية في إرساء تقاليد متميّزة للأهرام، التي جمعت منذ البدايات التراث والمعاصرة، والأصالة والتجديد.

وهكذا كانت ولا تزال جريدة حداثية، دون أن تكون بعيدة عن التراث العربي – الإسلامي. وامتازت بلغة سليمة في الكتابة الصحافية، لا سيّما بالابتعاد عن الأساليب التقليدية بالكتابة التي تميل إلى الإطناب والإنشاء والتزويق، وبقدر اهتمامها بالمضمون فقد راعت الشكل أيضاً.

ومنذ مطلع الستينات كنت حريصاً على متابعة صحيفة الأهرام، وخصوصاً زوايا الثقافة والأدب وإصدارات الكتب، وكنتُ دائماً ما أتوقف عند مقالات محمد حسنين هيكل «بصراحة»، المثيرة للجدل والاختلاف، والتي تعلّمنا منها أسلوب القص والحكاية والمعلومة وطريقة توظيفها في المقالة السياسية، فضلاً عن لغة التحليل والتنظير وجدارة اتخاذ المواقف، وأتذكّر قبل أن تصل الأهرام إلى العراق، كنت في كل زيارة إلى لبنان أو مصر أحرص على اقتناء الأهرام، حتى أننا في العام 1965 كنّا قد نظمنا سفرة إلى القاهرة وزرنا مبنى الأهرام، وتجولنا في أقسامه، وحين تمت استضافتي مؤخرا في الأهرام ليوم حواري معي بعد مرور عام على احتلال العراق العام 2003، أشرت إلى ذلك بحضور العديد من الأصدقاء مسئولي الأقسام وهيئة التحرير، إضافة إلى طلبة دراسات عليا ومتدربين.

وفي الأعوام 1964 – 1968 كانت الأهرام حاضرة في الشارع البغدادي، مثل الصحف العراقية، بل إن الإقبال عليها كان أكثر من الصحف الرسمية، لما تحتويه من مادة تنويرية وحداثية، ولما تتمتع به من رؤية، ناهيك عن أسلوب التحرير والإخراج واستخدام الصور وحقول الثقافة والأدب والفن والنقد، فقد كانت، إضافة إلى الصحافة اللبنانية، والخليجية في وقت متأخر، متميّزة في كل شيء، وتمثل رسالة متقدمة للصحافة العربية في حينها.

لم تكن جريدة الأهرام في السابق أو الحاضر مصرية: بل كانت عربية بكل ما تعني الكلمة، بل هي أفريقية وآسيوية أيضاً، مثلما هي مصر التي احتضنت منظمة التضامن الأفرو آسيوي (آبسو AAPSO) منذ العام 1957، وهي باعتبارها صحيفة قومية كانت تعبّر حركة التحرّر الوطني أو بعض فصائلها الأساسية، لا سيّما أيام ازدهارها انطلاقاً من القاهرة التي كانت تُعتبر مركز هذه الحركة في حينها، فليس عبثاً أن يكون حاضراً فيها أحمد بن بلّة وجيفارا وقبلهما لومومبا ونيلسون مانديلا ونهرو وتيتو وياسر عرفات، وجمع غفير من الشخصيات التي لعبت أدواراً مهمّة في تحرير بلدانها وكفاح شعوبها.

وقد لعبت الأهرام دوراً مهمّاً في تعميق الوعي العربي والعالمي، بالقضية الفلسطينية من خلال تحولها بالتدريج من قضية لاجئين كما كان مطروحاً حتى العام 1952، إلى قضية شعب له حقه في تقرير المصير، خصوصاً أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وموجة القومية العربية، ولا سيّما بعد تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر، حيث ارتفعت مكانة مصر وقيادة عبد الناصر. وكانت الأهرام صوتاً مهماً في دعم منظمة التحرير الفلسطينية، وكفاح الشعب العربي الفلسطيني من أجل حقوقه العادلة والمشروعة .

صحيفة الأهرام “المصرية”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى