المملوك في القاهرة: مضمون سياسي .. أم أمني.. أم أكثر؟

زيارة رئيس جهاز الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك للقاهرة، التي أعلنت عنها وكالة الأنباء السورية أمس، لا تعتبر فقط نادرة من نوعها لأحد أهم رجالات الأمن في النظام السوري، والذي لا يظهر أو يتحرك كثيراً خارج سوريا، ولكنها أيضاً حصلت في توقيت قد يبدو حساسا بالنسبة لمصر.

فالزيارة جاءت عقب تصويت مصر لمصلحة مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي، ما صاحبه من توتر في العلاقات المصرية – السعودية تبدى في الإعلان عن وقف شحنات البترول السعودية للقاهرة، مع حملة إعلامية متبادلة بين البلدين، بالإضافة إلى مغادرة السفير السعودي في القاهرة إلى الرياض، وهو ما قيل عنه رسمياً إنه زيارة تقليدية وليس تصعيداً ديبلوماسياً. وضاعف من أثر ذلك التوتر، تنشيط الزيارات بين السعودية والإمارات من جهة، وتركيا التي تعتبرها القاهرة أحد أشد خصومها في المنطقة.

هذا كله دفع بعض المراقبين لاعتبار زيارة المملوك للقاهرة جزءاً من التصعيد السياسي بين القاهرة والرياض. ولكن في واقع الأمر يصعب الربط بين زيارة المملوك للقاهرة والتوتر بين مصر والسعودية لأسباب عدة، أهمها بالطبع هو السعي الجاد لتهدئة هذا التوتر والذي عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنفسه، بالإضافة إلى مسؤولين مصريين آخرين. كذلك، فإن المملوك نفسه سبق أن قام بزيارات لدول خليجية خلال سنوات الأزمة السورية، منها السعودية. يضاف إلى ذلك أن الجانب السوري فقط هو الذي أعلن عن الزيارة، ولم يصدر نفي أو تأكيد رسمي من القاهرة.

وفي اتصال هاتفي، اكتفى المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، بالقول لـ «السفير» إن «الخارجية ليس لديها أي تفاصيل عن تلك الزيارة». وعموما، فإن ما أعلن عنه الجانب السوري عن الزيارة خلا من أي تفاصيل، حتى أن موعد بدء الزيارة وانتهائها لم يحدد بوضوح.

وبحسب وكالة الأنباء السورية «سانا»، فإن المملوك قام على رأس وفد أمني سوري بزيارة للقاهرة استغرقت يوماً واحداً، بناءً على دعوة من الجانب المصري، التقى خلالها باللواء خالد فوزي، مدير جهاز الاستخبارات العامة، وكبار المسؤولين الأمنيين، وتمّ الاتفاق على تنسيق المواقف السياسية بين البلدين، وكذلك تعزيز التنسيق في مواجهة الإرهاب الذي يتعرض له البلدان. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية «فرانس برس» عن مصدر سياسي سوري مواكب للزيارة أنها ليست الأولى للمملوك للقاهرة، ولكنها المرة الأولى التي يعلن عنها رسميا، أقله من قبل دمشق.

من جهته، علق فراس خالدي، عضو «لجنة المتابعة لمؤتمر القاهرة» للمعارضة السورية على الزيارة لـ «السفير» قائلاً إنه «في الحقيقة ليس لدينا أي تأكيد أو معلومات حول ذلك، وما صدر هو فقط من جانب السلطة الحاكمة في دمشق. لكن الانطلاق من نقطة أن الزيارة التي يتم التحدث عنها هي رد على السعودية، قد يكون مقبولاً عاطفياً، ولكن من الناحية العقلانية والعملية، فإن ترتيب زيارة كهذه يحتاج لوقت أطول من أيام عدة ولا يكون عبارةً عن رد فعل، خاصة أن الحكومة المصرية لم تخف سراً عندما قالت نحن على مسافة واحدة من كل الأطراف وندعم الشعب السوري». وأضاف أنه «إذا أبحرنا في اللقاءات السابقة، نجد أن المعارضة السورية تُستقبل علناً في مصر، والخارجية المصرية تصدر بيانات دائمة عن فحوى اللقاءات كرسالة واضحة انها تعتبر المعارضة (لجنة القاهرة) هي الأقرب لما يطلبه الشعب السوري».

وتابع الخالدي أن «مصر أعلنت مراراً، على لسان رئيسها، أنها تدعم الحل السياسي في سوريا، وهو ما يستدعي عقد لقاءات مع مختلف الأطراف. وما يعنينا مضمون اللقاءات والزيارة، هل هو مضمون سياسي أم أمني. فإذا كان أمنياً، وهذا ما أتوقعه، فلن يعلن عنه شيء، لأن النظام السوري يجيد اللعب بورقة داعش، وهذا أمر لا يمكن الاطلاع عليه، أما إذا كان سياسياً، فسيكون ضمن السياق المعلن هو الدفع في اتجاه الحل السياسي».

الموقف المصري من الأزمة السورية أعلن مراراً، وأوضحت مصر أكثر من مرة، أنها تعطي الأولوية لمحاربة الإرهاب على إطاحة النظام السوري، وهو ما يجعل احتمال الاتصال بالنظام السوري وارداً، ولا يخضع بالضرورة لتقلبات العلاقات المصرية ـ السعودية.

من جهته، قال السفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق، لـ «السفير» إن «العلاقات المصرية ـ السورية قائمة بالفعل، والسفارة المصرية في سوريا مفتوحة، رغم أن التمثيل أقل من درجة سفير. وقد نجحت من قبل عملية إدخال مواد إغاثة وعمليات إجلاءٍ لأسر مصرية من سوريا. هذه الأمور وغيرها تحتاج للتنسيق والاتصال، وربما تأتي زيارة المملوك في هذا السياق».

وأضاف العرابي «لا أرى داعياً لإعطاء الأمر أكبر من حجمه، فالأوضاع القائمة تستدعي بالفعل درجةً من التواصل بين مصر وسوريا، ولا يمكن اعتبار الزيارة رد فعل أو تصعيدا ضد أحد. فالموقف المصري من الأزمة السورية معلن، ولم يحدث فيه تغيير. ومصر حريصة على كيان الدولة السورية ولا تريد حدوث فراغ في سوريا. وهذا لا يعني انحيازها للنظام السوري، ولكن للشعب السوري».

لم يعلن الكثير عن تفاصيل زيارة المملوك للقاهرة، وربما هذا معتاد في الزيارات ذات الطابع الأمني. ومن الصعب تصور أن الزيارة هي تصعيد مصري ضد السعودية، في الوقت الذي تعتمد فيه القاهرة خطاب تهدئة. ولكن أيضا من الصعب اعتبارها مجرد زيارة روتينية لرجل لا يغادر سوريا إلا نادرا، ولأسباب هامة تتجاوز بالتأكيد إجلاء أسر مصرية من سوريا أو إدخال مواد إغاثة، أو أيا من الأمور التي يكفي لتسييرها موظفو السفارات. وبين الاحتمالين، الأمني والسياسي، قد تتكشف احتمالات أخرى لأسباب الزيارة السورية المفاجئة للعاصمة المصرية، لم تظهر بعد.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى