المنافسة بين إردوغان وكليجدار أوغلو.. بوتين مع من؟
مع احتدام المنافسة الشرسة بين رجب طيب إردوغان ومنافسه كمال كليجدار أوغلو، يتهم الرئيس التركي ووزراؤه وإعلامه الموالي كليجدار أوغلو “بالتآمر ضد الأمة والدولة التركية عبر التحالف مع الإرهاب”، الذي يقصدون به حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وأتباع الداعية فتح الله غولن، وهم جميعاً مدعومون من الدول الإمبريالية التي تعادي تركيا.
وقد جاء الاحتفال الخاص بتحميل الوقود النووي في محطة الطاقة النووية جنوب تركيا قرب مدينة مرسين ليساعد الرئيس إردوغان في حملته ضد المعارضة، وخصوصاً أن الرئيس بوتين قال خلال لقائه الرئيس التركي قبل الاحتفال وعبر تقنية الفيديو: “إن الرئيس إردوغان يستطيع أن يحدد الأهداف بدقة ويتحرك نحوها بشكل حاسم، وهو الأسلوب الذي تدعمه روسيا ما دامت الشراكة بينها وبين تركيا تعود بالنفع على الطرفين وتلبي مصالح البلدين”.
وقد ثمن بوتين عالياً “ما يقوم به إردوغان من أجل بلده وتنمية اقتصاده خدمة لجميع المواطنين”، وعبر عن ارتياحه إلى “المستوى الذي وصلت إليه العلاقات الروسية التركية ودور إردوغان الكبير في ذلك”.
إعلان الرئيس بوتين دعمه الرئيس إردوغان بهذا الوضوح والصراحة جاء ليرفع معنويات إردوغان وأنصاره وأتباعه، بعد المعلومات التي توقعت لبوتين أن يدعم خلال الأيام القليلة المقبلة وقبل الانتخابات بأيام المصرف المركزي التركي بنحو 30 مليار دولار، وهو ما فعله قبل أشهر، عندما تحدثت المعلومات عن دعم مماثل بـ20 مليار دولار ساعدت إردوغان لمنع المزيد من التدهور في قيمة الليرة التركية، وهي الآن نحو 20 ليرة للدولار الواحد، ويتوقع الكثيرون أن يصل الدولار إلى 30-35 ليرة بعد الانتخابات فوراً.
وتتحدث المعلومات عن احتمال التدخل الروسي التقني في عملية التصويت والفرز والعد لمصلحة إردوغان في مقابل ادعاءات أخرى عن تدخل أميركي مماثل ضده، ولكن الجميع يعرفون أنه استنفر كل إمكانيات الدولة بلا حدود وضوابط دستورية وقانونية لضمان فوزه، مهما كلفه ذلك.
ويرى المراقبون في الدعم الروسي لإردوغان مبرراً منطقياً للرئيس بوتين الذي نجح في إبقاء تركيا على الحياد في الأزمة الأوكرانية، في مقابل عدم ضغط موسكو على أنقرة في موضوع سوريا، وهو ما فعله الرئيس بوتين على الرغم من اتفاقيات سوتشي وتفاهمات أستانة.
ويذكر الجميع أن الرئيس بوتين منح الجيش التركي الضوء الأخضر في 24 آب/أغسطس 2016، أي في الذكرى السنوية 500 لمعركة مرج دابق (دخول السلطان سليم إلى سوريا)، ليدخل إلى سوريا ويبقى فيها، بعدما حقق من خلال هذا التدخل تفوقاً عسكرياً وامنياً ونفسياً على أعدائه في المنطقة، ليس في سوريا فحسب، بل في ليبيا والعراق والصومال والقوقاز وغيرها أيضاً.
وكانت السنوات السبع الماضية، منذ ذلك الضوء الأخضر، كافية لتطوير علاقات شخصية مثيرة بين الرئيس بوتين وإردوغان انعكست بشكلٍ كبير على العلاقات الرسمية بين البلدين، وفي جميع المجالات، أهمها شراء صواريخ “أس 400” الروسية، وبناء المفاعل النووي (نحو 30 مليار دولار)، وتغطية تركيا نحو 45% من احتياجاتها من الغاز من روسيا.
وكان كلّ ذلك، إضافةً إلى التفاصيل الأخرى في العلاقات التركية الروسية، كافياً لإزعاج واشنطن وحليفاتها في الغرب، بعدما رفضت أنقرة الالتزام بالعقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية، ومنعت سفن الدول التي لا تطل على البحر الأسود من دخول هذا البحر.
إعلان الرئيس بوتين دعمه لإردوغان بهذا الوضوح جاء في اليوم الذي تناقلت وسائل الإعلام نص الرسالة التي قيل إن الرئيس المرشح كمال كليجدار أوغلو بعثها إلى ندوة نظَّمها بعض المثقفين في موسكو، وأكد فيها “الأهمية التي يوليها لعلاقات بلاده مع روسيا، مستشهداً بالأحداث التاريخية في العهد العثماني، ثم السوفياتي، والدعم الذي قدمه لينين ومصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية”.
كذلك، قال “إن التعاون والتنسيق الروسي التركي في عهده سيساهم في تحقيق المزيد من التقدم في هذه العلاقات، وسيساهم أيضاً في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام الإقليمي والدولي”.
رسالة كليجدار أوغلو جاءت بعد المعلومات التي روج لها الإعلام الموالي لإردوغان، والتي تتحدث عن فتور بين موسكو وكليجدار أوغلو بسبب احتمال حدوث تغيير في سياسات أنقرة بعد انتخابه، بذريعة أنَّ معظم نواب رئيس الجمهورية، ومنهم أحمد داوود أوغلو وزعيمة الحزب الجيد مارال أكشنار وآخرون، لا يخفون انزعاجهم من تفاصيل العلاقة الشخصية بين الرئيسين بوتين وإردوغان.
وتتحدَّث معلومات أخرى عن وعود من واشنطن وبعض العواصم الغربية بدعم المعارضة ضد إردوغان في مقابل ابتعاد أنقرة عن موسكو بعد فوز كليجدار أوغلو في الانتخابات، وهو ما تسعى له واشنطن وعواصم غربية، منها باريس وبرلين ولندن، منذ فترة طويلة، عبر دعم بعض الأحزاب اليسارية وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، بامتداداته في سوريا، حيث التحالف بين قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية، أي وحدات حماية الشعب الكردية.
وفي جميع الحالات، ومع الانتقادات الموجهة إلى المعارضة، أي كمال كليجدار أوغلو، بعدم الإعلان رسمياً عن سياساته الخارجية المستقبلية، يعلّل البعض ذلك بالتناقضات المعروفة داخل تحالف الأمة الذي يضم 5 أحزاب يمينية وقومية ودينية في مقابل حزب واحد اشتراكي ديمقراطي، وخصوصاً أن زعماء الأحزاب الخمسة، ومعهم رئيسا بلدية إسطنبول وأنقرة، سيصبحون نواباً لرئيس الجمهورية.
وقال أحمد داوود أوغلو إن كليجدار أوغلو لن يستطع اتخاذ أي قرار إستراتيجي على الصعيدين الداخلي والخارجي من دون موافقتهم، على الرغم من أن الدستور يمنح كل الصلاحيات للرئيس وحده. ويعرف الجميع أنَّ كليجدار أوغلو ضد سياسات إردوغان الخارجية جملة وتفصيلاً، وخصوصاً بعد ما يُسمى بـ”الربيع العربي”، ومن دون أن يكون واضحاً كيف سيتسنى له تغيير هذا السياسات الإقليمية والدولية.
وإذا انطلقت هذا السياسات على أساس مقولات مصطفى كمال أتاتورك، وأهمها “السلام في الوطن السلام في العالم”، فسوف تعود بتركيا إلى سياساتها الواقعية التي جعلت مصطفى كمال أتاتورك حليفاً للزعيم السوفياتي لينين.
ولولا دعم لينين لتركيا في حرب الاستقلال، لما استطاع مصطفى كمال الانتصار على الدول الاستعمارية، التي كانت آنذاك فرنسا وبريطانيا وإيطاليا المدعومة بشكلٍ غير مباشر من أميركا واليونان، والتي انتبهت معاً إلى خطورة هذا التحالف السوفياتي – التركي، فاعترفت على عجلة باستقلال تركيا في اتفاقية لوزان 1923 لتمنع أتاتورك من المزيد من التحالف مع موسكو، وهو ما كاد يجعل تركيا الفتية دولة شيوعية.
ييدو أنّ التاريخ يكرر نفسه، فكما فعلت الدول الغربية عام 1923، وأبعدت تركيا عن الاتحاد السوفياتي، ثم جعلت منها خندقاً أمامياً للدفاع عن الغرب بعد ضمها إلى الحلف الأطلسي عام 1952، فإنها لا تريد لهذه الدولة بإردوغان أو بكمال كليجدار أوغلو أن تكون ماضية نهج بوتين، وإن لم يكن ذلك سوفياتياً أو روسياً أو شيوعياً، بل إستراتيجياً على صعيد مجمل السياسات الإقليمية والدولية، التي يعرف الجميع أنها تتأثر بمواقف تركيا وتؤثر فيها، لما لها من موقع إستراتيجي يطل على 4 بحار وعمق تاريخي بأبعاد دينية وقومية، والتي كان الروس في كثير من الأحيان من أهم أسبابها وأهدافها.
الميادين نت