المهاجرون المسلمون في الغرب: سؤال الاندماج
* سامينا ياسمين، نينا ماركوفتش (تحرير): موطنون مسلمون في الغرب – الفضاء وعوامل الاندماج والاستبعاد.
Samina Yasmeen and Nina
Markovic (eds.), muslim citizens in the west: spaces and agents of inclusion and exclusion. Ashgate publishing lt., Farnham, uk. 2014. 356 pages.
آخذين في الاعتبار طغيان أحداث النزوح الجماعي من بلادنا، وغيرها، إلى أوروبا، لاجئين سياسيين أو إنسانيين أو اقتصاديين كانوا أو مهاجرين عاديين، ارتأينا تخصيص هاتين الصفحتين لمسألتي الاندماج في المجتمعات الأوروبية والهجرة إليها.الكتاب الأول في هذه المجموعة الصغيرة يتناول بالتحليل والبحث مسألة اندماج المهاجرين المسلمين، وعكس ذلك، وليس فقط العرب، في مجتمعات غريبة عنهم وعن تواريخهم وتجاربهم وتربيتهم وعاداتهم وتقاليدهم. وإذا كان من السهل لقسم ضئيل للغاية من أولئك المهاجرين التعايش مع مختلف المجتمعات الأوربية، وكلها شبه متطابقة المعايير والمرجعيات، فإنّ أصول أغلبية المهاجرين ذات طبيعة فلاحية محافظة للغاية تُناقِض معاييرها تلك السائدة في “الوطن” الجديد أو المرغوب.
وإذا كانت المسافات داخل مختلف المجتمعات الإسلامية المحافظة متباينة حقاً، فمن الطبيعي أن تكون تباينها مع نظيراتها الأوروبيات أكبر بكثير من الأولى. وعلى هذا، فإن المشاكل النابعة من الاستبعاد، القسري أو الاختياري، كثيرة للغاية، وهذا موضوع هذا المؤلف الذي شاركت في كتابة مختلف أجزائه مجموعة من البحاثة مختلفي الانتماءات الدينية والقومية، لكن جلهم مسلمين.
ونظراً إلى تشعب موضوع الكتاب، فمن المهم التنويه إلى أهمية ذلك لأن جدية الموضوع تتطلب التعامل مع المادة من مختلف الجوانب ومن خلفيات فكرية عديدة وهو ما تثبته طبيعة المشاركين في كتابة المؤلف الذي يحوي أوراق مؤتمرات خصصت للموضوع.
لذا، نرى أن المشاركين في هذا المؤلف أتوا من مختلف البيئات الثقافية/ الحضارية ومن ذوي الوزن “الثقيل”، كما يُقال، في عالم الأبحاث والأكاديميا والتجربة. ونظراً إلى أهمية هذا الجانب في المؤلف، فمن الضروري التركيز على المشاركين في كتابته وإعلام القارئ بهم وبأوراق اعتمادهم: طاهر عبّاس أستاذ السوسيولوجيا في «جامعة الفاتح» في اسطنبول؛ ممتاز أحمد نائب رئيس «معهد إقبال للأبحاث والحوار للشؤون الأكاديمية»، ومديره التنفيذي، وأستاذ العلوم السياسية في «جامعة إسلام أباد الإسلامية العالمية» في باكستان؛ وكاثرين بلُّك محاضرة في قسم العلوم السياسية في «جامعة تورنتو»، ورئيسة «معهد تسلِّت للأبحاث» ورئيسة دار نشر «كُمباس» المتخصصة في نشر كتب علمية عن الإسلام والمسلمين؛ وزيجاد دالِتش وهو مرجعية دينية في الإسلام، درس في البوسنة وكوسوفو وباكستان وكندا، وخدم التجمعات الإسلامية في البوسنة وكرواتيا وكندا؛ وأديس دُدِريجا محاضر زائر في قسم الجندر في «جامعة الملايو» في ماليزيا؛ وفريدا فُزدار متخصصة في علوم السوسيولوجيا وعضو زميل في «مركز الدول والجمعيات الإسلامية»؛ ورحيل إسماعيل أستاذة زميلة في «المركز القومي للتعليم» في «جامعة ننينغ للتكنولوجيا» في سنغافورة؛ وهيلين جاكومار أستاذة الدراسات الفرنسية في جامعة غربي أستراليا؛ ونينا ماركوفتش متخصصة في العلوم السياسية وتدرس السياسات الأوروبية في «جامعة نيوساوث ويلز» الأسترالية؛ وتسنيم ميلاي مديرة «مركز نلسن منديلا للسلام وحل الأزمات» في الجامعة المِّلّْيَّة في العاصمة الهندية نيودلهي؛ ودِك فان دِر مِي الذي درس اللغة الإندونيسية بعدما عمل في مجال تخصصه في مؤسسات مختلفة في هولندا وآسيا، وهو متفرغ حالياً لتأليف الكتب عن الإسلام في إندونيسيا؛ وحميدة نُفاكوفتش طالبة درجة الماجستير في قسم الفنون الجميلة في «معهد الهندسة المعمارية والفضاءات والفنون البصرية» التابع لجامعة غربي أستراليا، وفي «مركز الدول والجمعيات الإسلامية»؛ وشميم سماني زميلة باحثة شرف في «مركز الدول والجمعيات الإسلامية» وباحثة في «جامعة كرتن» في غربي أستراليا، وأدريان فُلفاردت زميل باحث شرف في مركز الدول والجمعيات الإسلامية في جامعة غربي أستراليا؛ وأخيراً البروفسورة سامينا ياسمين مديرة «مركز الدول والجمعيات الإسلامية» في جامعة غربي أستراليا، ومحاضرة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في مدرسة العلوم الاجتماعية في جامعة غربي أستراليا.
قبل الانتقال إلى عرض النقاط الأساس، لا بد أنّ القارئ لاحظ وجود بحثين عن المسلمين في سنغافورة والهند، وهو ما لا علاقة له بعنوان الكتاب الذي يتحدث عن معضلات المسلمين في المجتمعات الغربية حيث نمت هنا من خلال الهجرة. وهو ما ينفي صحة عذر المحررين أن الإسهامين وضعا بهدف المقارنة. هذا الدمج القسري سيجعل كثيرين يتساءلون، بل يسألون: هل ثمة مشكلة إسلامية في العالم!؟
المؤلَّف لاحظ وجود فكرة نمطية مشتركة عن الإسلام لدى شعوب البلاد التي تعامل المؤلف معها. فالمسلمون ــ بنظرهم ــ يفضلون العزلة عن المجتمعات الأوروبية، إضافة إلى تعاطفهم مع الإرهاب وما إلى ذلك من الأفكار المسبقة التي تتناقلها عادةً مختلف وسائل الإعلام/ التضليل.
لقد عشت القسم الأكبر من حياتي في أوروبا، وبريطانيا ومن ثم في ألمانيا “الشرقية” أولاً ومن بعد، في ألمانيا (الموحدة) حيث «اندمجت» أو لربما من الأدق القول: تكيفت، في المجتمعين من دون صعوبة ومن دون فقدان هويتي. لذا المشكلة في ظني، تكمن في أمور كثيرة. الباحثون ربما لم يمنحوها ما تستحق من اهتمام. المقصود هنا مسألة التعليم والثقافة السائدة في الغرب التي تركز على الحضارة الأوروبية وتفوقها على غيرها. لننظر مثلاً في كتاب «ألمانيا أبيض/أسود» المعروض في هاتين الصفحتين لاحقاً.
المؤلَّف أضاف مادة مثيرة للنقاش وهي دور مختلف الفنون البصرية والكتابية، أي الأدب، مع ضرورة التنويه إلى أن صندوق «هينرش بل» التابع لحزب الخضر في ألمانيا سبق له أن بحث الموضوع وأقام العام الماضي معرضاً عن المادة في زيتونة باي الواقع في العاصمة اللبنانية بيروت. في الوقت نفسه، إن إثراء النقاش في الموضوع، بهدف العثور على حلول لمصلحة الطرفين، تقتضي أن يمارس المهاجرون المسلمون نقداً ذاتياً يتعلق في المقام الأول باختيارهم الانعزال عن المجتمعات التي اختاروا اللجوء إليها طوعاً، وإقامة ما يعرف باسم «المجتمعات الموازية».
كما نجد أنه يجب مقاربة مسألة وضع المسلمين من أبناء تلك المجتمعات، أي الأوروبيين الذين اعتنقوا الإسلام، وأعدادهم في ألمانيا ليست بالقليلة، قياسياً. فهل يعاني أولئك الأوروبيون المسلمون من المشاكل نفسها؟ هل هم مندمجون في مجتمعاتهم والأغلبية، غير المسلمة، تقبلهم؟ أعلم أنّ ثمة قادة ألمان مسلمين في مختلف الأحزاب الحاكمة، آخرهم كان هوفمان سفير ألمانيا الأسبق في المغرب الذي اعتنق الإسلام وصرح بأن ولاءه للدين قبل الدولة، ما يتعارض مع مهامه بصفته ممثل الدولة الألمانية وولاؤه يجب أن يكون للدستور الذي أقسم عند تسلمه منصبه على الالتزام به مرجعاً وهادياً لعمله؛ للعلم، وزير الخارجية آنذاك رفض المطالب بإقالته وبقي في مركزه حتى إحالته إلى التقاعد.
صحيفة الأخبار اللبنانية