“الموت غرقاً” الرواية التي أعطت صاحبها جائزة نوبل
تفتح رواية صاحب نوبل الياباني كنزابورو أوي “الموت غرقاً” الصادرة عن (شركة المطبوعات” في بيروت 2019، ترجمة: أسامة أسعد) الباب واسعاً أمام استكشاف الأعماق المضطربة لعالمي الموت والموروثات، وتكشف جوانب واسعة من الحياة الاجتماعية والسياسية السائدتين في اليابان، ونمط الفن السائد، ولاسيما المسرح. وتؤكد قدرة العمل الروائي على معالجة الصدمة التي تصيب الفرد والجماعة.
الرواية، مسكونة بالفن والأمل والموت. يتربّع على عرش البطولة فيها، إضافة إلى شيكو، وأخته آسا، وأمه، وأبيه، جماليات الشاعر والمسرحي ت. س. إليوت، وسيمفونيات الموسيقار بيتهوفن، وفكّر الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد، والكاتب الميثولوجي السير جيمس جورج فريزر.
تتحدث الرواية عن كاتب ذائع الصيت يدعى كوغيتو، في عقده السابع. يجد نفسه مجبراً على كتابة عمل روائي عن ملابسات موت أبيه. يعود كوغيتو إلى قريته لتسلُّم صندوق جلدي أحمر يحوي وثائق وتفاصيل متعلّقة بأبيه، وموته غرقًا خلال الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي أتاح لذكرياته أن تتدفق حول كل تلك المرحلة، من أوضاع سياسية واجتماعية وعلاقات أسرية، وعن انتماءات الأب وصداقاته، واجتماعاته السرية، التي تثير التساؤلات. يكشف الصندوق خفايا تلك المرحلة، بمحتوياته من كتب وأوراق، تُوثقان لرحلة الأب الأخيرة في المياه.
لطالما حاول شوكو اكتشاف السبب الذي دفع أباه إلى الإبحار بقاربه في النهر وسط فيضان جارف كان يهدد القرية كلها بالغرق، لكنه أخفق، حتى اليوم، في ذلك. وما سر ذاك المخطط الثائر، الذي طالما تردّدد على مسامعه، لشن هجوم على الإمبراطور ميكادو؟
هل سيتمكن شيكو من استكمال روايته، وعبرها، من استكمال قصة أبيه، وقصّته هو؟ هل فعلاً يستطيع السرد رأب الصدوع السياسية، والاجتماعية، والأُسرية؟
على هذه الأسئلة المضطرمة يسير السرد في هذه الرواية، التي يُرجح أن تكون رواية أوي الأخيرة.
يعتبر كنزابورو أوي ثاني شخصية يابانية تفوز بجائزة نوبل بعد فوز ياسوناري كاواباتا عام 1968. وكثير من أدباء اليابان ونقاده يعتبرون أوي آخر عمالقة الرواية في اليابان، وأبرز ممثلي جيل ما بعد الحرب في الأدب الياباني. حاز جائزة نوبل للآداب عام 1994. ورُشح للحصول على وسام الثقافة إلا أنه رفضه.
لم يكن ذلك مفأجاة لكثيرين على مستوى العالم، إعلان لجنة الأكاديمية الملكية السويدية فوز الروائي أوى بجائزة نوبل في الأدب للعام 1994، فالكاتب الكبير معروف في العديد من الدوائر العالمية، لا بفضل إبداعه الروائي فحسب، وانما كذلك بحكم نشاطه الكبير في ميدان حقوق الإنسان ورفض سباق التسلح النووي العالمي، ولم يكن سراً أن اسمه مدرج منذ سنوات في القائمة القصيرة للمرشحين بالجائزة، وقد نوقشت احتمالات فوزه بها مرات عديدة، ونشر جانب من هذه المناقشات في أكثر من دورية واحدة.
ولد أوي في 31 كانون الثاني / يناير 1935 في قرية أرسى، في مقاطعة إيهايمي، في جزيرة شيكوتو اليابانية الواقعة في غربي اليابان، على أرض تحكمها الأعراف والتقاليد الريفية، وفي تجمع قروي يتميز بالمحبة العميقة بين أبنائه، وكذلك بشيء من غرابة الأطوار، وهما العنصران اللذان سيشكلان أرضاً خصبة لانطلاق خيال أوى.
درس أوي الأدب الفرنسي في جامعة طوكيو، بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال مرحلة الدراسة نظم قصائد وكتب مسرحيات وقصصاً قصيرة، تلقي الضوء على الحياة في مسقط رأسه، ودارت أطروحة تخرجه عن التصوير في روايات جان بول سارتر.
لفت أوي انتباه الوسط الأدبي عام 1957 بعمل قصصي عنوانه “معطاءون هم الموتى”، وكانت روايته الأولى “أقطف البرعم ودمر الذرية” (1958)، التي لقيت إعجابًا واسع النطاق، وفي نفس العام فاز بجائزة أكوناجاوا، المخصصة لألمع الكتاب الشبان في اليابان عن روايته القصيرة “الطريدة “، وانطلق مشواره الأدبي، وسط صيحات نقدية تؤكد أنه أهم كاتب يظهر في اليابان بعد الروائي الياباني يوكيو ميشيما، غير أن روايته جيلنا (1959) لم تنل نفس التقدير.
بدأ أوي عمله كصحافي. وأصدر العديد من الروايات والدراسات والمجموعات القصصية. من رواياته المترجمة إلى العربية منها:
“الصرخة الصامتة”، و”هموم شخصية” (1964) تناول فيه مشاكل الشبان في مرحلة ما بعد الحرب، متخذاً من شخصية ابنه هيكاري الذي ولد معاقاً محوراً ورمزاً لإعاقة أشمل وقد تم التنويه بها عند منحه جائزة نوبل.
ورواية “علّمنا أن نتجاوز جنوننا” من ترجمة وإصدار دار الآداب البيروتية في العام 1988، والذي يضم أربع روايات قصيرة، هي على التتالي: “علمنا أن نتجاوز جنوننا” و” يوم يكفكف دمعي بنفسه” و”الجزاء” و”أجوى المسخ السماوي”.
ففي عام 1964 عقب الروائي الياباني يوكيو ميشيما نفسه على رواية أوي “هموم شخصية” بقوله: “لقد وصل كينزابورو أوي الى ذروة جديدة في رواية ما بعد الحرب العالمية الثانية في اليابان. وهذا الحكم يفرض نفسه الآن بمزيد من القوة بعد ثلاثين عاماً من إطلاقه”.
ورغم القوة الأدبية التي وصل إليها أوي، فإنه يعترف بأنه لم يتمكن لا هو ولا يوكيو ميشيما من تحقيق مكان لهما، كما أوجد موراكامي لنفسه مكاناً بأسلوب واضح وبسيط في الساحة الأدبية الدولية.
يعد “أوي” أحد أبرز ممثلي جيل ما بعد الحرب في الأدب الياباني، على نحو يتضح من أسلوبه في الكتابة، ومن طروحاته وموضوعاته القصصية وغيرها.
يقول أوي “بأن أمرين في حياتي قد أثرا بقوة على كتاباتي، الأول حدث في عام 1963، عندما ولد ابني هيكاري مصاباً بإعاقة ذهنية حادة. وهو ما انعكس في روايتي الصادرة في عام 1964 بعنوان «مسألة شخصية». والثاني تمثل في زيارة قمت بها لهيروشيما للكتابة عن التأثيرات اللاحقة لقصف المدينة بالقنبلة الذرية، وقد انعكست هذه الزيارة في العديد من الأعمال، ومنها كتاب “مذكرات هيروشيما”، ورواية “الطوفان يصل روحي”. ولست استبعد العودة إلى الكتابة عن تأثيرات الطاقة النووية في المستقبل القريب”.
يصف الباحث الأميركي، ذو الأصل الياباني، ساساو سيوشي إبداع أوي بقوله: “إن تعليم أوي الشامخ، وذاكر ته المخيفة، وأفكاره المركبة، وخياله الذي لا يعرف القيود، وإرادته السياسية الصلبة، وتواضعه الذي يرفض التمييز بالسلب بين من يلتقونه، والذي تمازجه ثقته المطلقة بنفسه، كل ذلك يجعله أقوى شخصية في العالم الأدبي لليابان في الوقت الراهن”.
صدرت لأوي باللغة الإنجليزية مجموعة من المحاضرات التي ألقاها في السويد والولايات المتحدة بعنوان “اليابان الغامضة وأنا” (1995)، منها محاضرته في استكهولم العاصمة السويدية التي عبّر عبر فيها عن شعوره بتحول اليابان إلى بلد غامض يغترب عن تراثه وانتمائه الثقافي القاري في محاولته لمواكبة ركب الحضارة الغربية.
الميادين نت