
الروائي والصحفي الإسباني رامون سندر ينطلق من قداس لمتمرد رفض الظلمَ الواقع على أهل قريته البائسين ليروي عبر حياته حلقة درامية من الحرب الأهلية في قرية صغيرة في أراغون.
كرس الروائي والصحفي الإسباني رامون سندر مشروعَه الأدبي للقضايا الاجتماعية والتاريخ الإسباني، حيث تميزت أعماله الإبداعية والصحفية بالتركيز على القضايا الإنسانية والاجتماعية، وعنف رجال الشرطة، وانتهاكات الجيش الإسباني في المغرب؛ ومن أبرزِ هذه الأعمال: رواية “إيمان”، و”موت فلاح إسباني”، و”أحلام مورو الأخيرة”.
وقد تعرض سندر أثناء عمِله مراسلًا صحفيًّا في فترة الحرب الأهلية الإسبانية للاعتقال بسبب نشاطه السياسي وتبنيه موقفا مناهضا للقمع والاضطهاد، وقد قُتلت زوجته، مما دفعه إلى الهجرة في عام 1938 إلى فرنسا، ومنها إلى المكسيك، ثم استقر به المُقام في الولايات المتحدة؛ حيث حصل على الجنسية الأميركية عام 1946، ودرَّس في عدد من جامعاتها. وحصد عددًا من الجوائز، أبرزُها الجائزة الوطنية من وزارة الثقافة الإسبانية. ورحل عن دنيانا في 12 يناير/كانون الثاني 1982 في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة.
في روايته البديعة “موت فلاح إسباني”، التي ترجمها عن الإسانية ماهر البطوطي، وصدرت عن مؤسسة هنداوي هذا الأسبوع، ينطلق من قداس لفلاح إسباني تروي حياته حلقة درامية من الحرب الأهلية في قرية صغيرة في أراغون. نرى كيف يتضافر الموت والحياة في جديلة واحدة من خلال سيرة حياة الفلَّاح الإسباني “باكو”، الذي رفض الظلمَ الواقع على أهل قريته البائسين؛ فانتفض لاسترداد حقوقهم من الدوق المسئول عن القرية، إلا أن انتفاضته تبوء بالفشل ويُحكم عليه بالإعدام؛ فيتحوَّل إلى بطل ينعاه أبناء قريته في المواويل. وأثناء مكوث القسيس “موسين ميان” في الكنيسة منتظرًا أهل القرية الآتين للمشاركة في مراسم القُدَّاس على روح “باكو”، تنهال عليه ذكرياته مع الفتى، بدءًا من تعميده ومرورًا بطفولته الغنية التي رافقه فيها إلى أن اشتد عوده، ويَشرع القسيس يروي لنا سيرته كاشفًا عن شخصيته الثائرة. ونتعرف في هذه السيرة أيضًا إلى نمط الحياة في الريف الإسباني والاحتفالات الشعبية ومراسم الميلاد وطقوس الجنازات، وعلى العلاقة بين الريفيين والكنيسة من ناحية، وبينهم وبين السلطة من ناحيةٍ أخرى.
يرمز كاهن القرية القسيس “موسين ميان” إلى الكنيسة الكاثوليكية بأكملها ومن ثم فهو يمثلها، وانطلاقا من رمزيته ودوره تشكل الرواية انتقادا شديدا للدور الذي لعبته هذه الكنيسة خلال فترة ما قبل الحرب والحرب الأهلية الإسبانية (تقاعس في مواجهة إعدام باكو ولم يلتزم ككاهن مثّل وسيطا بين باكو والسلطة).
في الرواية، يدعو “موسين ميان” باكو إلى الاستسلام والتواضع، وقبول تقلبات الحياة وصفعات القمع والفقر والعجز. ويستخدم الدين وتأويلاته في إقناع باكو أن الفقر المدقع الذي يعيشه أولئك الذين يقيمون في الكهوف ليس بالأمر الخطير حقًا إذا فكرنا في البؤس الروحي الذي يتعرضون له، وأن ما هم فيه هو نتيجة بعدهم عن الرب وعدم التزامهم بتعاليمه.. وأخيرا يحاول كوسيط مفاوض أن يجعل باكو يقبل موته ويستسلم. وهذا الموقف تعكس به الرواية نقدًا عنيفًا لرجال الدين الموالين للسلطة، وأيضا يظهر أسلوب تفكير المؤلف وموقفه الأيديولوجي بوضوح شديد.
السرد في الرواية قوي في تشكيله للواقع الاجتماعي القمعي دينيا وسياسيا عبر فعالية رموزها والمعرفة العميقة للمؤلف بآليات الوعي المجتمعي، والتي تم الكشف عنها من خلال استحضار شخصية الكاهن كشخصية محورية.
ميدل إيست أونلاين