المُقاتلون السوريّون يتدفّقون على ليبيا ويهتفون باسم أردوغان ويتوعّدون حفتر.. ما هي التطوّرات الأربعة التي تَرسُم ملامح المشهد اللّيبي؟
تتّجه الأوضاع على الجبهة الإيرانيّة الأمريكيّة إلى هُدوءٍ نسبيٍّ، بعد تأكيد إيران أنّها لم تقصد قتل جُنود أمريكيين، بل تدمير مَعدّات عسكريّة في قاعدة “عين الأسد” غرب العِراق التي قصفتها، الأمر الذي أدّى إلى تخفيض حدّة التوتّر، ولو مُؤقّتًا، لكنّ جبهةً أُخرى في ليبيا مُرشّحةٌ حاليًّا للاشتعال، بلاعبين آخَرين يخوضون حربًا بالإنابة بين دولهم، في شكلٍ مُتطابقٍ لما حدث، ويحدُث على أرض العِراق.
عدّة تطوّرات مُهمّة تجري حاليًّا في المشهد الليبي يُمكن أن ترسم الخريطة السياسيّة والجغرافيّة الجديدة لهذا البلد:
الأوّل: نجاح قوّات الجنرال خليفة حفتر التي غيّرت اسمها من “الجيش الوطني الليبي” إلى “القوّات المسلّحة العربيّة الليبيّة”، حسب بيانٍ رسميّ، في الاستيلاء على مدينة سرت الاستراتيجيّة مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي دون أيّ جُهد عسكري، بسبب نجاحها في شِراء ولاء أحد الفصائل السلفيّة المُسلّحة، الأمر الذي يعني التّواصل الآمن مع قوّاتها في العاصمة طرابلس، والاستِعداد للهُجوم على مِصراته.
الثّاني: وصول أكثر من ثلاثة آلاف مُقاتل سوري إلى العاصمة طرابلس، و35 مُستشارًا عَسكريًّا تُركيًّا للقِتال إلى جانب قوّات حُكومة الوفاق بقيادة فايز السراج المُعترف بها دوليًّا، وتحظى بدعم حركة الأخوان المسلمين (علي الصلابي) والجماعة الليبيّة المُقاتلة (عبد الحكيم بلحاج) إلى جانب كُل من قطر وتركيا.
الثّالث: تسارع التّنافس بين الأطراف المُتصارعة على الأرض الليبيّة لكسب كُل من تونس والجزائر المُجاورين جُغرافيًّا لليبيا إلى جانبها، فبينما حطّ إيف لورديان وزير خارجيّة فرنسا الرحّال في العاصمة التونسيّة والتقى الرئيس قيس سعيّد، مُباشرةً، بعد زيارةٍ مُماثلةٍ ومُفاجئةٍ للرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، ها هو وزير خارجيّة مِصر سامح شكري يزور الجزائر في الوقتِ نفسه الذي يزورها لويجي دي مايو، وزير خارجيّة إيطاليا.
الرّابع: اقتراب اكتمال نِصاب الحُضور لمُؤتمر برلين الذي دعت لعقده المستشارة أنجيلا ميركل، وجرى توجيه الدّعوات لعددٍ من الدول كان أوّلها أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والإمارات وتركيا واليونان وقبرص، وآخِرها الجزائر، ولم تُوجّه الدّعوة حتى الآن إلى كُل من تونس المُجاورة، ولا دولة قطر، أحد المُمَوِّلين الرئيسيين لحُكومة الوفاق بزعامة فايز السراج، الذي لم يُدعَ للحُضور مِثله مِثل الجنرال حفتر حتى الآن.
ومثلما بدأ حماس كُل من الإيرانيين والأمريكيين في الجبهة العِراقيّة للقِتال يتّجه نحو الفُتور، ونُؤكِّد للمرّة الثّانية ولفترةٍ مُؤقّتةٍ، لُوحِظ أنّ حماس الرئيس أردوغان للتدخّل عسكريًّا في ليبيا يتراجع أيضًا إذا صحّت التّقارير الإخباريّة التي تقول إنّ الرئيس التركيّ اكتفى بإرسال 35 خَبيرًا عَسكريًّا، وأكّد أنّ هؤلاء لن يُشاركوا في القِتال.
تصريحات أردوغان هذه تُوحِي بأنّه سيُكرِّر سيناريوهات تدخّله في سورية، أيّ يعتمد على غير الأتراك لخوض الحرب، ولهذا جرى فتح مكاتب لتجنيد المُقاتلين السوريين في إسطنبول، وجرى شحن 2500 منهم تقريبًا حتى الآن إلى طرابلس ومصراته، يتقاضى كُل “متطوّع” منهم ما بين 2000 و5000 دولار، حسب ما جاء على لسان السيّد رامي عبد الرحمن، رئيس المرصد السوري لحُقوق الإنسان المُوالي للمُعارضة السوريّة، والمدعوم بريطانيًّا وأمريكيًّا، حسب بعض التّقارير شِبه الرسميّة.
امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لهؤلاء المُقاتلين السوريين الذين كانوا يُكبِّرون ويُهلِّلون فرحًا بالتوجّه للقِتال في ليبيا، وخاصّةً من فصيل السّلطان مراد، وغيرها، من الفصائل المُوالية لتركيا، وأظهرت بعض المقاطع أحد قادة هؤلاء وهو يتوعّد الجنرال حفتر مثلما كانوا يتوعّدون الرئيس الأسد.
انتقادات كثيرة جرى توجيهها إلى هؤلاء وتُعيب تركهم مدينة إدلب التي تشهد قِتالًا شَرِسًا والهُروب إلى ليبيا وتصفهم بالمُرتزقة، خاصّةً من قبل بعض نُشطاء المُعارضة، الأمر الذي يُشكِّل إحراجًا كبيرًا للدّول التي تدعمهم، وخاصّةً تركيا.
قوّات حفتر المدعومة من مِصر وروسيا والإمارات والسعوديّة والأردن تستطيع الآن فتح جبهة مصراته لإجبار المُقاتلين من أبنائها إلى ترك طرابلس والعودة للدّفاع عن مدينتهم في وجه الهُجوم، الذي قد يُؤدّي إلى إضعاف الدّفاعات عن العاصمة وتقدّم للجنرال المُتمرّد في العاصمة، وكسب المزيد من المواقع فيها.
هل ستتحوّل ليبيا إلى سورية أخرى؟ الإجابة الأكثر ترجيحًا هي “نعم”، ولا نُبالغ إذا قُلنا أنّها تحوّلت فِعلًا.. السّؤال الآخر: لمن ستكون الغلَبة في نهاية المطاف؟ الإجابة غير واضحة رغم تقدّم قوّات حفتر، والأمر يعتمد على توافُقات مُؤتمر برلين، وقُدرة الدول المُشاركة فيه على فرض حلٍّ سياسيٍّ على الطّرفين المُتقاتِلَين وداعميهما، ولذلك علينا الانتظار لبِضعَة أيّام أو أسابيع قبل إعطاء إجابات جازِمَة.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية