المُقاومة الفلسطينيّة “امطرت” جنوب الكيان بالصواريخ والإسرائيليون عادوا للتأكيد: التنازل عن عمليّةٍ بريّةٍ ضدّ حماس أخطر رهانٍ وبدونها سيُواصِل الردع التآكل والاختفاء

 

رشقات الصواريخ التي أطلقتها المُقاومة الفلسطينيّة مساء أمس الجمعة باتجاه مُستوطنات ما يُسّمى بـ”غلاف غزّة”، أعادت إلى أذهان الإسرائيليين أنّ الحركات الفلسطينيّة أكّدت مرّةً أخرى لكيان الاحتلال على أنّ حديثه عن الردع أكثر من الكذب بكثيرٍ، وأنّ الردع الإسرائيليّ لم يتآكل فقط، بل اختفى، كما صرّح العديد من المسؤولين الأمنيين في تل أبيب، بالإضافة إلى المُحلِّلين والخبراء ومراكز الأبحاث.

على صلةٍ بما سلف، “الجمهور الإسرائيليّ ملزمٌ بأنْ يفهم بأنّه لا توجد في غزّة “ضربة واحدة وانتهينا”، بل صراع قوى متواصل ينتصر فيه المرء بالنقاط”، هكذا وبصورةٍ مُباشرةٍ للإسرائيليين بالكيان توجّهت ورقة بحثيّة جديدة صادرة عن مركز بيغن-السادات للأبحاث الإستراتيجيّة في تل أبيب، وهي ورقةٌ قام بإعدادها مدير (المركز الأورشليميّ للإستراتيجيّة والأمن)، وتأتي هذه الورقة في إطار النقاش المُستعِّر في الكيان حول سبل حلّ المعضلة التي تواجهها إسرائيل من غزّة.

وتابع قائلاً: تبقى مفهومة حُجج المعارضة لخطوةٍ عسكريّةٍ واسعة النطاق في غزة، فجذور منظمة حماس مغروسة عميقًا في نفوس وعقول وقلوب السكان المحليين واحتمالات اقتلاعها أمر ضعيف، ومفهوم أيضًا، شدّدّ مُعِّد الدراسة، على أنّ الخوف من المُصابين ومن عمليّةٍ بريّةٍ قد تتعقد بغزّة، وكذلك أيضًا الأولوية الإستراتيجيّة للتحدّيات الكامِنة في الساحة الشماليّة، ولهذه الأسباب وغيرها، أردف البروفيسور إفراييم عنبار، تتصرّف إسرائيل الآن بقوّةٍ محدودةٍ وصبورةٍ ضدّ حماس، حتى في ضوء الأحداث الأخيرة، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ هذا التكتيك يستهدف التقليص قدر الإمكان لقدرتها على إلحاق الضرر، وبالتالي، فإنّ مفهوم استخدام القوة المُفضَّل لدى الجيش الإسرائيليّ في هذه اللحظة هو “استخبارات ناريّة”: قتالٌ يُشدِّد على نيل معلوماتٍ استخباريّةٍ دقيقةٍ، وفي أعقابها استخدام النار الدقيقة (في معظمها من الجوّ)، في ظل توقع بأنْ يؤدي هذا الخليط الناجِح إلى تغييرٍ في سلوك حماس، عُلاوةً على أنّ هذا النهج يُوفِّر الخسائر أيضًا، على حدّ مزاعم البروفيسور عنبار.

ولكن للأسف، استدرك الباحث الإسرائيليّ، فإنّ الهدوء على طول الحدود لم يتحقق، بل ثمة إطالة في مدة المواجهات العنيفة، وإطالة في أوضاع الطوارئ في الجبهة الداخلية، بتكلفتها الاقتصاديّة، وخلق إحساسٍ للإنجاز في الطرف الآخر، مُشدّدًا على أنّ العدوّ يتعلم الدروس أيضًا ويبذل جهودًا لمنع الاستخبارات الدقيقة عن جيش الاحتلال وتقليص نجاعة النار الإسرائيليّة بواسطة التحصن والتخفي واستخدام الدروع البشريّة، مُوضِحًا أنّ حركة حماس تفهم امتناع إسرائيل عن احتلال القطاع، وتشعر بأنّه يُمكِنها مواصلة المواجهات مع إسرائيل دون أن تدفع ثمنًا باهظًا، على حدّ قوله.

ولكن مع ذلك، ساقت الورقة البحثيّة قائلةً إنّه لا مفر من جباية ثمنٍ باهظٍ أكثر من حماس، وبين الحين والآخر يخلق ردعًا طويلاً أكثر، ويبدو أنّ معركةً بريّةً لفترةٍ محدودةٍ ستُحقِّق نتيجةً أفضل من النشاط حتى الآن، وبالتالي ينبغي المناورة في أرض العدوّ، والعثور عليه وإبادته، أوْ أسر رجاله (في ظلّ تحطيم أسطورة المقاومة)، مُستدركًا في الوقت عينه بأنّ جهود “الاستخبارات الناريّة” مهمة، ولكنْ لا يُمكِنها أنْ تُشكِّل أكثر من دعم للجهود الأساسيّة، أيْ بكلماتٍ أخرى: الجهود البريّة، كما أكّد البروفيسور عنبار.

بالإضافة إلى ذلك، أكّد البروفيسور عنبار على أنّ الجيش يجِب أنْ يكون جاهزًا لتنفيذ مناورةٍ واسعةٍ وسريعةٍ. أولاً، ثمة أهمية لاحتلال أرض هي قاعدة انطلاق للمنظمات العسكريّة، لسحب حريّة العمل منها، وتقليص النار المُتواصِلة على مواطني إسرائيل لن يتحقق إلّا من خلال قوات مناورةٍ تُسيطِر على الأرض، وتقوم بتصفية قوات العدوّ وتمنع إطلاق الصواريخ، ومن الجهة الثانيّة، فإنّ قدرة المناورة هي أداة مركزيّة لتحقيق الردع، فالعدوّ كفيل بأنْ يمتّص ضررًا جسيمًا من الجوّ، ولكن وجوده ككيانٍ سلطويٍّ لا يكون عُرضةً للخطر، وبالمقابل، فإنّ احتلال أرضٍ واسعةٍ يفرض تحديًا أكبر بكثير.

وخلُص البروفيسور عنبار إلى القول: تمثيل قُدرة المناورة والحسم ضروريّ لتعزيز الردع ولدحض التقدير بأنّ المجتمع الإسرائيليّ ضعيف ويخاف من الإصابات، مُوضحًا بأنّه صحيح أنّ للاحتكاك العالي أثمانًا، ولكن مدة القتال القصيرة نسبيًا كفيلة بأنْ تؤدي إلى عددٍ قليلٍ من الإصابات في الجبهة الداخلية، وأخيراً، أكّد عنبار على أنّ المُناورة تُعتبر أداةً مركزيّةً لكي يحسِم الجيش التقليديّ، أمّا تطوير قدرة مناورة بريّة للجيش فهي خطوة تحتاج إلى الوقت، وإهمالها رهان خطر، كما أكّد.

صحيفة راي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى