النصر على…الزمن !
الحرب تنتهي في حال عاد الموتى
في القصيدة: قطرة الندى أعمق من البحر.
____________________________
إثنان حزنت لمصيرهما، وأنا لا أعرفهما أبداً.
الأول: مجنون حباً، وهو شاب في العشرين، له لحية ناعمة طويلة ، وشعره طويل، يشبه مسيحاً في شبابه الأول. هادىء النظر، وجهه مضيء كمصباح صغير، ويلبس في كل الفصول معطفاً أسود، ويلف حول عنقه شالاً أحمر.
يجلس في ساحة روما ـ إيطاليا، في نفس المكان من الساعة السابعة صباحاً حتى العاشرة ليلاً. ويحمل لافتة كرتونية مهترءة مثبتة في عصا، وعليها الجملة التالية:
” أرجو من كل من يعرف ماريا، أو يصادفها أن يقول لها إنني أحبها”.
سنوات تتلو سنوات و”ماريو” يحب “ماريا “، ويطلب إبلاغها ذلك بكل اللغات التي تزدحم بها ساحة روما.
هناك عدة احتمالات وراء هذا النوع من النداء، المدعوم بانتظار لا ينتهي، منها أن ماريا غابت ولم يعد أحد يعرف أين هي؟ ومنها أن ماريو أحب ماريا وتركته ينتظرها، ومنها أن ماريا لا وجود لها إلا في ساحة مليئة بأسرار خطى البشر وأحلام البشر، وفي قلب وخيل وعقل ماريو.
لم يجب ماريو على أي سؤال طوال مدة انتظاره. ولم يعرف أحد إن كان أخرس، ولا من أي فئة بين الناس، أو من أي نوع من الثقافات…كأنما هذا الفتى جزء من لوحة رسمها، ليوناردو ما… في هذا العالم وتركه تحت المطر، والشمس، والانتظار.
في السنة، ربما الثلاثين، من الانتظار كان ماريو، قد بدا عليه المرور العبثي للزمن. شاب شعره ولحيته، ومعطفه، وغدا مسيحاً كهلاً على أهبة الصعود إلى الجلجلة.
وفي اليوم التالي كان فريق تصوير من إحدى محطات التلفزيون يهيىء كل أنواع فلترات التصوير،لإضافة شريط أخير…إلى أشرطة أولى صورها الفريق نفسه قبل ربع قرن.
في الصباح الباكر…لم يكن ماريو في الساحة.
وكذلك في المساء المتأخر لم يكن ماريو في الساحة. وبعد يومين انتشر الخبر:
مات ماريو محتضناً تلك اللافتة الخالدة :
“أرجو من كل من يعرف ماريا أو يصادفها…أن يقول لها إنني أحبها”.
***
الرجل الثاني: جندي سوفييتي. يقف بلباسه العسكري في الساحة الحمراء، كل عام، في عيد النصر 8 مايو ويحمل لافتة كرتونية مهترئة مثبتة على عصا، وعليها الجملة التالية :
” أنا الجندي إيفان من الكتيبة 101 – جبهة بريست. أرجو من زملاء كتيبتي الأحياء المجيء لنلتقي”.
كل عام، في ازدحام الاحتفال بعيد النصر، يقف إيفان ولا أحد يأتي…
هناك عدة احتمالات، ولكن الأرجح أن الجميع ماتوا في المعارك ، وبقي إيفان وحيداً.
وبعد مرور ثلاثين سنة كان هذا الجندي قد تحول شكله الى جندي من فئة المحاربين القدماء شائب، وحزين ، ولم ييأس أو يتخلف عن المجيء كل عام أبداً.
في العيد الثلاثين للنصر…لم يكن في الساحة الحمراء الجندي إيفان إيفانونفيتش من الكتيبة 101 – جبهة بريست.
لقد عرف الجميع أنه…مات .
………………
ليس هناك، حتى الآن، هذا النوع من أعياد النصر…
الانتصار على الزمن !