افتتاحية الموقع

النفسيات البشرية المشوهة لدى بعض ممن مارسوا السياسة والأعمال والمعارضة الخارجية في عهد عائلة الأسد

ماهر عصام المملوك

تعد الأنظمة الاستبدادية بيئة خصبة لنشوء شخصيات مشوهة نفسيًا، سواء بين أركان السلطة أو بين رجال الأعمال المتعاملين معها، بل وحتى بين بعض فصائل المعارضة التي نشأت كرد فعل على القمع المستمر في سوريا، خلال حكم عائلة الأسد – من حافظ إلى بشار .

فلقد شهدت البلاد تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية تركت بصمتها على تكوين الشخصيات التي لعبت أدوارًا مختلفة في المشهد السياسي والاقتصادي.

فموضوع السلطة والاستبداد وكيف ولّد النظام شخصيات مضطربة فهذا حديث ذو شجون ويتطلب الكثير الكثير من البحث والدراسات المعمقه وسوف نكتفي هنا في هذه العجالة باستعراض سريع وخفيف فقط للإشارة اليه ؟

فسيكولوجية الطغيان والسلطة المطلقة تُنتج شخصيات مختلة.

فمنذ وصول حافظ الأسد إلى الحكم عام 1970 عبر انقلاب عسكري، رسخ نظامًا أمنيًا يقوم على الولاء المطلق والعنف الممنهج.

في مثل هذه البيئات، يصبح القمع والفساد أدوات للحكم، ما يؤدي إلى تشكيل شخصيات مضطربة نفسيًا بين أفراد النخبة الحاكمة.

فاختيار الأشخاص لتبؤ مراكز مهمة ومعينة وذات أهداف تخدم مصلحة الديكتاتور او اي مستأثر في السلطة ما يهمه فيها هو البارانويا التي وقع عليها الاختيار و يتسم العديد من رموز النظام السوري بشخصيات تعاني من البارانويا المرضية، إذ يتوقعون دائمًا أن هناك مؤامرات تحاك ضدهم. هذه الحالة نمت بسبب الانقلابات السابقة، مما دفع حافظ الأسد إلى تطهير مستمر في الجيش والمخابرات.

اما بخصوص السادية والعنف المفرط فالعديد من الشخصيات البارزة في النظام – خاصة في الأجهزة الأمنية – يعانون من ميل مرضي إلى العنف. أمثال رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، الذي كان وراء مجازر حماة عام 1982، يظهرون سلوكيات سادية تستمتع بإلحاق الأذى بالآخرين دون أي شعور بالذنب.

تمتع هذه الشخصيات بالانتهازية والتملق والذي ينشأ ويكبر في ظل هذه الأنظمة الاستبدادية وهم أفراد مستعدون لفعل أي شيء للبقاء في السلطة، بما في ذلك خيانة أقرب المقربين إليهم وحتى من اهلهم وعشيرتهم والأقارب المقربين منهم إذا اقتضت الحاجة.

أما موضوع التوريث وتكريس الاختلال النفسي في السلطة فبعد وفاة حافظ الأسد، واستلام بشار الأسد  للحكم، رغم أنه لم يكن المرشح الأساسي، لكن بسبب وفاة شقيقه باسل الأسد دخل بشار إلى دائرة السلطة وتحول من طبيب عيون إلى ديكتاتور.

حاول بشار الأسد في البداية أن يبدو كرجل إصلاح، لكنه سرعان ما كشف عن استعداده لاستخدام أقصى درجات العنف للحفاظ على حكمه، خاصة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011. هذه الازدواجية تعكس حالة نفسية غير مستقرة بين الانفصال عن الواقع والتمسك بالسلطة بأي ثمن.

فبدأ بدعم الشبكات الأسرية كأداة حكم واستمر نظامه في الاعتماد على الأقارب، مثل ماهر الأسد الذي يتميز بعنفه المفرط وبعض من ابناء عمومه وأقاربه من عائلتي والده ووالدته ، مثل ابن خاله رامي مخلوف، رجل الأعمال الذي استفاد من المحسوبية ليصبح من أغنى رجال سوريا. هذه الدائرة المغلقة ساهمت في خلق شخصيات تفتقد للكفاءة لكنها تتمتع بولاء أعمى.

اما بخصوص رجال الأعمال الطفيليين فهذا موضوع جد مهم في كيفية نشأة الاقتصاد الذي ساهم في تأسيس منظومة الفساد، فاقتصاد المحسوبية والإفساد الممنهج كان هو العمود الفقري لنظام عائلة  الأسد .

واعتمدت هذه الأنظمة الاستبدادية على خلق طبقة من رجال الأعمال الفاسدين، الذين لا يمكنهم العمل دون رضا السلطة. هؤلاء الأفراد غالبًا ما يعانون من اضطرابات نفسية مثل النرجسية والجشع المرضي .

ويمثل رامي مخلوف مثالًا لرجل الأعمال الذي نشأ تحت عباءة النظام، حيث حصل على احتكارات اقتصادية كبرى دون منافسة حقيقية. وعندما نشبت خلافات بينه وبين النظام في 2020، ظهر في تسجيلات مصورة يتوسل بشار الأسد، كاشفًا عن شخصية انتهازية تفتقر لأي ولاء حقيقي سوى للمصلحة الذاتية.

أما بشأن النهب المنظم الذي حول سوريا إلى مزرعة خاصة، فلقد سببت هذه العقليات في دمار الاقتصاد السوري، حيث تحول الاستثمار إلى وسيلة لغسيل الأموال من خلال الأعمال القذرة التي جعلت من سوريا في خلال الخمسن عاما الماضية  دولة مارقة ومعبراً لتهريب وتسهيل الممنوعات في كافة المجالات وكان أسواها موضوع صناعة وتهريب المخدرات إلى جميع أنحاء العالم وتمويل العمليات القمعية لاستمرار بقاء النطام إلى ابعد مدى ممكن تخيله .

ما أن بعض رجال الأعمال المعارضين كانوا نسخة مشوهة عن هذا النظام. ومع تصاعد الأزمة وبداية الثورة  السورية، ظهر رجال أعمال في صفوف المعارضة كخيار ثاني وثالث ورابع، وعادة مايلجأ لهذه الخيارات اغلب رجال الأعمال ولكن العديد منهم تبنوا نفس عقلية الفساد والاستغلال. وبعضهم لم يكن معارضًا حقيقيًا بل مجرد انتهازي يبحث عن فرصة جديدة للثراء.

نعود إلى الاشارة لبعض من رموز المعارضة الخارجية في الهروب من الاستبداد وممارسة العمل الوطني عن بعد من خلال دول احتضنتهم ولم تعطهم ماكانوا يتوقعونه من اجل إعادة تسويق شخصهم النرجسي في الوصول إلى اي مسمى رسمي وتحت اي سلطة  يمكن ان تجعل منهم رجال سياسة بمسميات وطنية   ؟

فهذه الشخصيات الانتهازية التي تدّعي النضال كانت منذ اندلاع الثورة السورية تظهر بشكل  معارضات متنوعة، لكن العديد من هذه الشخصيات المعارضة عانت من نفس الأمراض النفسية التي ميزت النظام.

اما فيما يخص البحث عن المناصب بدلاً من الحلول فانقسمت المعارضة إلى كيانات متعددة، وبدلًا من التوحد ضد النظام، انشغلت بالصراعات الداخلية على المناصب والتمويل والأعمال التجارية واشياء اخرى ليس لها اي علاقة بمعاناة اخوتهم السوريين في الداخل السوري تحت قمع النظام وشراسته واستباحته لشعبه بكل  ماتعنيه هذه الكلمة .

وتلقت بعض الجهات المعارضة دعمًا ماليًا ضخمًا، لكن بدلاً من استخدامه لمصلحة السوريين، جرى تبديده في صفقات مشبوهة، مما زاد من معاناة الشعب.

ورغم ادعائهم معارضة النظام، فإن بعض المعارضين تبنوا عقلية مشابهة لتلك التي يعارضونها.

فقد مارس البعض الإقصاء والتخوين ضد معارضين آخرين، بينما لجأ آخرون إلى خطاب شعبوي يهدف فقط لجذب الانتباه دون تقديم حلول حقيقية.

ويؤسفني ان أشير إلى أن هناك دائرة مغلقة من الاضطراب النفسي والسياسي لبعض من الشخصيات  والتي يظهر فيها التاريخ السوري الحديث كيف أن القمع والاستبداد لا يقتصران على السلطة فقط، بل تمتد آثارهما إلى مختلف الفاعلين السياسيين والإعلاميين والاقتصاديين.

وقد ساهمت البيئة المشوهة في خلق مثل هذه الشخصيات المختلة نفسيًا، سواء داخل النظام البائد أو بين رجال الأعمال والمعارضة.

وإن كسر هذه الحلقة لا يتطلب فقط تغيير الأشخاص، بل تغييرًا جذريًا في بنية السلطة والثقافة السياسية، بحيث يتم القضاء على العقلية الاستبدادية بكل أشكالها، سواء في الحكم أو في المعارضة.

وسوف تبدي لك  الايام ماكنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى