النقد الذاتي بعد الانهيارات العربية!

بوابة الشرق أوسط الجديدة ــ خاص :

بدت الفكرة ساخنة بالنسبة لمعارض سوري معروف هو الكاتب وائل السواح الذي يشغل موقع أمين سر منظمة “سورية في اليوم التالي”، والذي يعود في أصوله السياسية إلى المعارضة السلمية في سورية.

فما أن حدث التداعي السريع للمجموعات المسلحة في حلب واستردت القوات الحكومية المساحة شبه الكاملة من المنطقة الشرقية من حلب التي كان يستولي عليها المسلحون، حتى استعار هذا المعارض عنوانا لكتاب استراتيجي اهتم به المثقفون العرب طويلا.

دعا الكاتب وائل السواح إلى ” النقد الذاتي بعد الهزيمة” ، وهو عنوان الكتاب الشهير للدكتور صادق جلال العظم ، الذي أصدره بعد هزيمة حزيران عام 1967، فهل بالفعل تحتاج المعارضة المسلحة في سورية ومن معها في الاصطفاف السياسي إلى مثل هذا النقد، أم أن النظام الرسمي العربي بمجموعه يحتاج إلى هذا النقد لأن الهزيمة حلّت بالجميع دون استثناء؟!

“هما خياران، أحلاهما مرّ..”

هذا مايصل إليه الكاتب لأنه يرى”خسارة المدينة ــ أي حلب ــ ستعني سيطرة شبه مطلقة للنظام، وخسارة كبيرة للمعارضة..” أما إذا “خسر النظام رهانه، فإن الرابح في هذه الحالة لن يكون المعارضة السياسية ولا الهيئة العليا للمفاوضات، بل ستكون التنظيمات المتطرفة التي ستحكم قبضتها على المدينة، وتلهم القوى الشبيهة له بإحكام قبضتها على مناطق نفوذها؟ ”

في واقع الحال ، يشهد الواقع العربي بمجموعه على أن الهزيمة حلت بالجميع، وعندها ، لابد من طرح السؤال : لماذا حلت الهزيمة بالجميع؟!

في عمق المعطيات الاستراتيجية للواقع العربي حدثت كارثة كبيرة لابد من التوقف عند تفاصيلها، وتتناول هذه الكارثة ثلاثة عناوين بارزة تنذر بخطر انهيار منظومة الانتماء العربي بمجموعها، وهو خطر أقل مايقال فيه إنه يحتاج لعدة عقود لاسترجاع الحال الرديئة التي كان عليها قبل اندلاع حريق ” الربيع العربي” الذي أحرق الأخضر واليابس، فكيف إذا أردنا الوصول إلى الحالة النموذجية!

ومن هذه العناوين :

 انهيار الاقتصاد العربي.
 انهيار الجيوش العربية، وتفتيت قواها، وتدمير منظوماتها العملياتية واللوجستية كلها في أهم الجبهات.
 انهيار الائتلاف الاجتماعي الذي كان سائدا بين البنى السكانية العربية ــ الاثني، والديني، والمذهبي أو الطائفي ــ في كل التشكيلات الموجودة، والشروع في انهيارها في الدول التي لم تصدمها الأحداث بعد..

وعلى هذا الأساس، هل فعلا حدث انهيار من نوع ما في الاقتصاد العربي؟ وإذا كان حصل ذلك، ماهي العوامل والأسس التي ينبغي البحث بها أثناء الحديث عن الأسباب والوسائل التي أدت لذلك، وبالتالي ماهي الوسائل والطرق الكفيلة بترميم هذا الانهيار والشروع في إعادة بنائه ؟!

نعم حدث انهيار كامل في الاقتصاد العربي، بدءا بالدول التي اشتعلت فيها الأحداث وصولا إلى الدول التي ساهمت عن بعد أو عن قرب، وعودة الاقتصاد العربي لاتبحث عن واحد من أمرين أحلاهما مر ..

وإذا كان من ضرورة لاثبات انهيار الجيوش العربية، فيكفي مراقبة أطراف الصراع التي تتعامل معها ميدانيا، للتعرف على معنى الانهيار، فكيف إذا عرفنا بالأرقام الحجم الهائل للخسائر التي أصيبت بها أو تكبدتها في الصراعات التي جرت أو التماس مع الصراعات الجارية؟

لم تعد الجيوش العربية قادرة على تحقيق الأهداف التي قامت حلم المواطن العربي بأن تقوم به ، بل على العكس تحولت الجيوش العربية إلى معارك جانبية جعلتها تخسر عمودها الفقري ، وتشتبك مع تشكيلات محلية لتكون المحصلة في علم الرياضية شعاعا بعيدا عن الهدف الأصلي.

وبالنسبة للائتلاف السكاني، فتلك أخطر سمات الانهيار وأعقد الأمراض التي تحتاج إلى علاج في الحقبة القادمة، وخاصة أن التناقضات لم تكن ضمن الوحدة أبدا بل على أساس التفتيت، وهي عودة إلى ماقبل المرحلة الاستعمارية، بل وأحيانا إلى ماقبل المرحلة المدنية المجتمعية!!

ليس هناك حاجة لأرقام وإحصائيات، فذلك واضح وموجود، وليس هناك استثناءات، فما لم تقع عليه الكارثة، فهو في صددها، ومالم تصطدمه التطورات ستصدمه المفاجآت؟

إذن الجميع معنيون بالنقد الذاتي: منهم على الدور الذي يقوم به الآن، ومنهم على الأخطاء والكوارث التي وقع بها ، ومنهم على المراوحة تحت الظن بأنه بمنجاة مما سيحصل؟

البعض يفهم هذا النقد على أنه إستسلام طرف لطرف، والبعض يفهمه على أنه جلوس طرف مع طرف، والبعض يفهمه على أنه اتفاق طرف مع طرف !

أبدا لايقوم النقد الذاتي على هذا الأساس، النقد الذاتي يقوم على أساس أن من الضروري الخروج من الخاص والذاتي ، إلى العام والموضوعي، وهذه ليست فلسفة، وإنما هي ضرورة تقتضيها معطيات الأحداث!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى