الهدنة…رجل نفذت ذخيرته

“المدير يقول لك: اذهب.
أما القائد فيقول: هيا بنا
__________________________________________

أمس في 27 شباط توقف إطلاق النار في سورية .وقبل سنتين، في مثل هذا اليوم، نشرت على صفحتي في الفيس بووك ما يلي:

“رأيت بلاداً…لم أر فيها مسدساً على خصر. ولا بندقية على كتف. ولا خنجراً بين الأسنان.
رأيت يداً …تطوق خصراً، ورأساً ينام على كتف، وقبلة بين الأسنان.
بلادنا…يمكنها أن تكون هكذا لولا أن القبلة عورة، والسلاح زينة، وإسرائيل حجة.”

كل السوريين فرحوابالهدنة، ولكنهم تشككوا. وفي الحقيقة بعد خمس سنوات أصبح مقياس الجدارة السورية هو غزارة إطلاق النار، وليس وقف إطلاق النار. والمقياس الميداني هو إطلاق النار في الهواء بمناسبات لا علاقة لها بالقيم المعنوية لصوت الرصاص دون هدف.

إن التشكك يأتي من معلومات مدهشة من هذا النوع: الروس والأمريكان افتتحوا مراكز، وخطوط اتصال خاصة، وإنترنت، لتلقي طلبات الموافقة على الهدنة من قبل المجموعات المسلحة. والمعلومة المدهشة الثانية أن هناك 97 مجموعة مسلحة تقدمت بتسجيلها في سجل الهدنة. وهناك من يقول أن العدد يتجاوز المائة وخمسين فصيلاً. وبالمناسبة الفصيل يعني 30 شخصاً فقط.

والمعلومة الثالثة المدهشة أن هذه الفصائل لا تفصح عن هويتها، لكي لا تتعرض لانتقام الجيران من النصرة وداعش. وتكتفي لجان التحقق الروسية والأمريكية بتحديد جغرافيا خضراء لتواجدها. الأمر الذي قد يعني أن جبهة النصرة تستطيع تجنب القصف في أماكن تواجدها باسم مجموعات مسلحة تقدمت بطلب الهدنة.

المعلومة الرابعة المدهشة، أن طائرات السعودية اختارت يوم الهدنة لتأتي إلى قاعدة أنجلريك التركية، استعداداً لتحرير الرقة السورية من داعش. بعد أن اختفى المائة وخمسون ألف جندي سعودي المزمع إشراكهم في حرب برية على الأراضي السورية…اختفوا من التصريحات ،كما لم يوجدوا في الواقع.

وقائع ومعلومات مدهشة من هذا النوع… تجعل من مسألة الهدنة قضية للتكهنات أكثر مما هي حيثية للممكنات.

إن ثقل روسيا وأمريكا وإجماع مجلس الأمن، كاف، ليس لإيقاف الحرب، وإنما للبدء بالإعمار فوراً. ويكفي أن يقول الممولون لل97 فصيلاً: انتهت اللعبة. ويكفي أن يقال للسعودي والتركي ما قيل للقطري: انتهى الاستثمار. يكفي ذلك لصنع مشهد ختامي للحرب: استعادة تدمر، والرقة من داعش، وإدلب من النصرة، ثم مباشرة طاولة مفاوضات: حيث هناك الموعد الحقيقي فعلا ، للتفاوض وليس 7 آذار القادم.

الهدنة الحالية … من الصعب أن تدوم. لأنها ببساطة موافقة امريكية على وقت نموذجي ليستفرد الطيران الروسي بداعش والنصرة، ومعهما بضعة ألوية مهمة ترتدي أسماء تبعدها عن الشبهة. وثمة اسباب اخرى : الهدنة تشكل قطعاً لمصدر الأرزاق،وتركيا لم تأخذ ،بعد، حصتها من السعودية، كماأن تركيا تريد تجميل هزيمتها.

قذائف ساحة العباسيين مؤشر إلى وجود مئات الهاونات غير المنضبطة، وإلى وجود من يريد استمرار الحرب ،ذات الصفات النازفة، الطويلة، المربحة، الاستثمارية والرخيصة… أخلاقيا .

كيف نعرف أن الحرب ستنتهي؟ هذا سؤال السوريين المنكوبين حيثما كانوا وكيفما كانوا.

عندما لا يختلف الروس والأمريكان على الاختراقات وتوزيع المسؤوليات، والتهم. وعندما يتعاون سلاحهما في المعركة ضد داعش والنصرة. وعندما يتراجع السعوديون والأتراك عن الانخراط في لعبة يعتقدون أنها لم تنته بعد.

وعندما نعرف تفاصيل الاتفاق السري الروسي الأمريكي حول مصير النظام السوري، وتحديد الزمن الافتراضي، ضمن العملية السياسية، لرحيل الرئيس الأسد.
إن زمن الحرب، بهدنة وبدونها، بات أقصر من زمن السلم. وإذا كان المحاربون قد فشلوا في تحقيق أهدافهم حتى وهم يدفعون هذا الثمن الغريب،تدمير البلد… فإن واجب المسالمين أن ينجحوا بتهيئة كل الظروف العبقرية لإعادة تعمير البلد.

المحاربون…فظّعوا، ونكّلوا، والشهادات على الحيطان والمقابر.

أما المسالمون المفاوضون…؟

ما نراه…لا يدلنا على “عبقرية المكان” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى