الهروب من (سوق النسوان) إلى (سوق الحرير): هل دخل المسلسل إلى (المدينة) أم اكتفى بطرق الباب ؟!
خاص باب الشرق
اسمه في الشام ( سوق النسوان) لأنه مختص ببيع كل لوازم النساء وحاجاتهم في كل المناسبات. فيه تجد العروس بدلة العرس، ولوازم ومكملات (ملبوس البدن)، و فيه تجد الصبية ما يبرز و يحقق جمال صباها، وفي محلاته تجد الزوجة لوازمها من أغطية الرأس والإشاربات ومطرزات طاولة الطعام وطربيزات الضيافة، ومفارش الأسرة، إلى جانب ألبستها الداخلية وجواربها. كما تجد الأرملة ما يناسب حزنها من أغطية الرأس السوداء أو الرمادية وأوشحة الحزن . كما تجد المرأة الملتزمة كل ما تحتاجه من ألبسة الصلاة سواء التنورة أوغطاء الرأس الأبيض و و إلخ. أنه سوق يخدم ويلبي حاجات النسوان. من هنا جاء أسمه ( سوق النسوان).
عندما أعلن بسام الملا أن مسلسله لهذا العام بعنوان (سوق النسوان) هبت وسائل التواصل في الهجوم على الملا. و أرتكز الهجوم على أن اسم ( سوق النسوان) يمتهن النساء وكأنه سوق تباع فيه النساء. حسب هذا الفهم, المناقض لحقيقة أنه سوق يخدم النساء ويعلي من أهمية توفير كل احتياجاتهن، وكل مستلزمات خدمة أنوثتهن و خصوصيتهن، ولأن طعم الهجوم على سخافة باب الحارة مازال يعكر صفو الملا، سارع إلى تغيير الاسم من (سوق النسوان) إلى (سوق الحرير). من هنا خطورة وسائل التواصل الجاهلة أو المتحاملة, في التأثير على الإنتاج غلإبداعي, و قيادته بعيدا” عن أهدافه في التعبير، وفي إظهار ما يريد إظهاره، و هذا ما وقع فيه الملا مضطراً بالانصياع لهجمة وسائل التواصل، والهروب إلى أسم (سوق الحرير) ولا أعرف لماذا لم يعتمد صناع العمل اسم (سوق الحراير) خاصة وأن الحرائر صفة تشريف وتقدير للنساء، وتحل محل كلمة (النسوان) بتعبيرية عميقة، لأن هذا الاسم يحافظ على جوهر معنى السوق في خدمة النساء، بينما سوق الحرير يتعلق بمادة الحرير الجامدة وكل ذلك ينبه إلى أن أسم عيلة (الحرايري) غير موفق و لا وجود له في الشام.
و لو أن الجهات المعنية بنشر معاني الحياة الشامية، قامت بالتعريف بمعنى ( سوق النسوان) كسوق حضاري، مدني يخدم المرأة ويحترمها، و لو أن هذه الجهات قدمت هذا السوق كجزء من النسيج الحضاري الشامي الذي يقول فيه سيد البيت لزوجته (يا ست رأسي). لو أن هذه الجهات الإعلامية الثقافية التربوية، نشرت و رسخت معنى هذا السوق الذي كان ومازال يشكل لأهل الشام جزءاً أساسياً من المدينة، حيث كانوا، عندما يريدون الذهاب إليه للتسوق، يقولون( نازلين ع المدينة) أي أنه سوق أو شريان من شرايين المدينة التي كانت الشام السابقة إليها في سلم الارتقاء الإنساني للحضارة.
و كما أعمى الجهل وسائل التواصل، كذلك فإن الغفلة ( ربما بسبب عجقة كورونا.. ربما) جعلت أصحاب المسلسل لا ينتبهون إلى موقع (سوق النسوان) المرتبط بسوق الصاغة من جهة، وبسوق المسكية لبيع الكتب والقرطاسية من جهة أخرى، و بسوق الحميدية من جهة ثالثة، وهي كلها محيطة بالجامع الأموي المرتبط بحي القيمرية حيث تسكن الطبقة الوسطى من التجار والحرفيين والمعلمين والصنايعية والأطباء و المحامين, وهكذا فإن السوق ( سوق النسوان) يشكل جزءاً من نسيج المدينة المتفاعل مع سوق الذهب وسوق الكتب وسوق الألبسة، والمتطلع إلى المركز المتمثل بالجامع الأموي. و كل ذلك شكل هوية و بنية تجاره، فمنهم الغارق بشؤون التجارة فقط، ومنهم من يضيف إلى التجارة إهتماماً بالعلوم الدينية، و بعضهم كان بين الظهر والعصر يضع ستارة على باب محله ويذهب ليعطي دروساً في تفسير القرآن أو الفقه في الجامع الأموي. وبعضهم، إضافة لتجارته، شغوف بعمل الخير و غارق في شؤون جمعية خيرية هنا أو مدرسة هناك ومنهم كذلك من يرى أن الإهتمام بالسياسة جزء مكمل للتجارة التي هي أساس الملك . . و هكذا فإن صفة
(المدينة) التي يطلقها أهل الشام على هذا السوق، أو هذه الأسواق، فيها التقاط عبقري لجوهر هذه البيئة. . . كل ذلك غاب عن وسائل التواصل بسبب تقصير الجهات المعنية بالتثقيف والتعريف، كما غفل عنه صناع العمل وجعلهم ينحنون لجهل ما أشيع على الشبكة العنكبوتية. وهذه نقطة في غاية الخطورة على جوهر الثقافة، خاصة عندما تخضع لترهيب وسائل التواصل الجاهلة.
الابتعاد عن باب الحارة باتجاه سوق النسوان أو سوق الحرير جعلنا نستبشر بأن الدراما ستقترب أكثر من جوهر المجتمع الشامي، خاصة وأن أسواق الشام، ومنها سوق النسوان أو سوق الحرير، يقدم بيئة (المدينة) المفعمة بإمكانيات درامية غنية جداً لخلق صراعات ، وإبداع شخصيات مؤثرة وابتكار مسارات روائية تحمل معاني مدهشة وممتعة ومعبرة. . . فهل استفاد مسلسل سوق الحرير من هذه البيئة؟ و هل وظف إمكانياتها الدرامية؟ الواضح أن ما تحقق هو التوجه فقط. و ما تحقق مازال يطرق باب ( المدينة) ونأمل أن يفي الملا بوعده و يدخل إلى عالم الشام بعمق أكبر وبفنية تحترم رقي وعمق هذه المدينة بمهارة درامية أعلى مستوى و أكثر نضجاً. ويعرف بسام الملا أننا مع تقديرنا لتوجهه الجديد ننتظر أن ينجز المطلوب لا أن يكتفي بالتوجه فقط و يرتاح عند عتبة الباب دون عناء الدخول إلى الفناء الحقيقي للشام ( المدينة) بحق. الدراما والثقافة والشام ونحن ننتظر.
باب الشرق