الهِند تُوَجِّه صَفْعَةً لصِناعَة الأسلحةِ الأمريكيّة بشِرائِها صواريخ “إس 400” الروسيّة..
دَقّت الحُكومة الهنديّة المِسمار الأكبَر في نَعشِ صِناعة السِّلاح الأمريكيّة عِندما أعلَنت عَن تَوقيعِها صَفقةَ شِراء مَنظومَة صواريخ “إس 400” الروسيّة المُضادّة للطَّيَران بقِيمَة 5.2 مليار دولار، مُتحدِّيَةً بذلِك التَّهديدات الأمريكيّة بفَرضِ عُقوباتٍ اقتصاديّةٍ عليها بفَضلِ هَذهِ الخُطوَة، مُؤكِّدةً استقلاليّة قرارِها في هذا المِضمار.
اللَّافِت أنّ الإعلان عَن توقيع هَذهِ الصَّفقة الأضخم مِن نَوعِها في آسيا يتزامَن مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعاصِمة الهِنديّة في تَعزيزٍ مِحوَريٍّ للعَلاقات السياسيّة والتجاريّة بين البَلدين، وتَصليبِ مَنظومَة “البريكس” التي تَجْمَع بَينَهُما.
الهِند بدأت عمليّة تحديث لقُوّاتها المُسلَّحة وقامَت في هذا الإطار بشِراء 36 طائِرةً مِن طِراز رافال الفرنسيّة، وكانَت بصَدد شِراء دبّابات “ميركافا” الإسرائيليّة، لكنّها تراجَعت بسَبب العُيوب الكَبيرة التي ظَهَرت فيها أثناء حَربِ غزّة الأخيرة، وكذلك أثناء العُدوان الإسرائيلي على جَنوب لُبنان عام 2006.
هذا الإقبال على شِراء صواريخ “إس 400” الروسيّة مِن دُوَل مِثل الهند وتركيا، وربّما إيران في المُستَقبل القَريب، يُشَكِّل قَلقًا للوِلايات المتحدة، ليسَ لأنّه يُشَكِّل دَعْمًا للصِّناعةِ العسكريّةِ الروسيّة، ويُظْهِر مَدى حداثَتها وتَطوّرها، وإنّما أيضًا لأنّ هذا الإقبال يأتِي على حِسابِ صواريخ “باتريوت” الأمريكيّة المُنافِسة، التي كانَت تَحْتَل المَرتبة الأُولى بسَبب الانطباع الذي كانَ سائِدًا حول قُدراتِها في التَّصدِّي للطَّائِرات والصَّواريخ بفاعِليّةٍ كبيرةٍ، ولكن حَرب اليمن، والصَّواريخ الباليستيّة التي أطلَقها الحوثيون على الرِّياض وأبها والطائف وخميس مشيط وجازان، أظهَرت عُيوبًا كبيرةً في كَفاءَتِها ودَفَعت العَديد مِن الدُّوَل للّجُوء إلى الصَّواريخ الروسيّة البَديلة.
والأهم مِن ذَلِك أنّ هَذهِ الصَّفقة، وزِيارَة الرئيس بوتين للهِند، تَعكِسان تَقارُبًا في العَلاقات الهِنديّة الروسيّة، وعَودَة التَّحالُف بين نيودلهي وموسكو إلى الصُّورة التي كانَ عليها قبل انهيار الاتِّحاد السوفييتي، وهذا تَطوُّرٌ استراتيجيٌّ مُهِمٌّ في ظِل حالة الاستقطاب الدوليّة الرَّاهِنة.
ويَعتَقِد الكَثير مِن المُراقبين، ونَحنُ مِن بَينِهم، أنّ التَّقارُب الروسيّ الهنديّ المُتصاعِد، ربّما يُعَزِّز التَّوجُّهات الهِنديّة بَرفضِ الالتزام بالعُقوبات الاقتصاديّة التي تَفْرِضها إدارة ترامب على إيران، وخاصَّةً الحَظر النِّفطيّ المُقَرَّر فَرضِه في مَطلَع الشَّهر المُقبِل، حَيثُ تَستورِد الهِند حَواليّ 500 ألف بِرميل مِن النِّفطِ الإيرانيّ يَوميًّا.
الغَطرَسة الأمريكيّة باتَت تُعطِي نتائج سلبيّة في مُختَلف أنحاء العالم، خاصَّةً الدُّوَل التي تتمسّك بكَرامَتِها، وتقديم مَصالِحها على المَصالِح الأمريكيّة، ومِن المُؤسِف أنّ هَذهِ القاعِدة لا تَنْطَبِق على الكَثير مِن حُلَفاء أمريكا العَرب، وخاصَّةً في بَعضِ دُوَل الخليج الذين باتُوا هَدَفًا لإهانات الرئيس ترامب وابتزازِه لأموالِهِم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية