الوثائق السريّة لكواليس مفاوضات أوسلو…
بعد مرور حوالي ثلاثين عامًا على توقيع اتفاق (أوسلو)، أيلول (سبتمبر) من العام 1993، بين دولة الاحتلال الإسرائيليّ ومنظمة التحرير الفلسطينيّة بقيادة المرحوم ياسر عرفات، سمحت الرقابة العسكريّة في الكيان بنشر وثائق سريّةٍ عمّا دار في الاجتماعات التي سبقت التوقيع على الاتفاق، وفي هذا السياق سلطت صحيفة (هآرتس) العبرية الضوء على بعض كواليس المفاوضات السرية التي تؤكِّد أنّ المفاوضين الإسرائيليين لم يكونوا على ثقةٍ بالراحل عرفات، وحاولوا الالتفاف عليه بواسطة قنواتٍ سريّةٍ أخرى لم يكُن عرفات نفسه يعلم عنها.
وكشفت الصحيفة العبريّة، التي اعتمدت على الأرشيف الإسرائيليّ الرسميّ أنّ وزير خارجية الاحتلال وقتذاك شمعون بيرس، وصف زعيم منظمة التحرير الراحل ياسر عرفات بـ “الثعلب”، وعبّر عن خشيته من أنّه “غير جدي”، وتساءل: “هل يمكن الاعتماد عليه؟“.
ومضت الصحيفة قائلةً إنّ مدير عام وزارة خارجية الاحتلال في حينه، اوري سبير، كان لديه الانطباع بأنّ عرفات “غريب، ومضحك وغير واقعي“، على حدّ وصفه.
علاوة على ذلك، كشفت الوثائق النقاب عن أنّه في يوم 28 تموز (يوليو) 1993، قال بيرس خلال نقاش داخلي: “نحن نتعامل مع ثعلب، بدأت أقلق، هل الرجل جدي؟ أنا لا أريد أنْ أكون ضحيته”، كاشفًا النقاب عن أنّ لديه تخوفات من فشل المحادثات، لأنّ ذلك سيؤدي إلى حرج، وأنْ يظهر هو وطاقمه كأغبياء وساذجين، على حدّ وصفه.
وأوضحت الصحيفة في تقريرها أنّه قبل 10 أيام من ذلك، قال بيرس للوسيط النرويجيّ في المحادثات، تاريا لأرسن: “كثيرون يقولون لنا لا تتحدثوا مع عرفات، لا يمكن الوثوق به، فهو يغير رأيه، ويجب أنْ يخلق ثقة”، حتى أن مدير عام وزارة الخارجية سبير، بيّن أنّ “أساس المحادثات غير الرسمية مع نظرائنا تركزت على تحليلهم لعرفات وأسلوبه في الأداء كزعيم للمنظمة”، زاعماً أنّ “أحمد قريع (أبو علاء)، والذي أصبح فيما بعد رئيس الوزراء الفلسطيني، وحسن عصفور، عرضا عرفات كشخصية رمزية مثيرة للشفقة بدرجة معينة وأنانية جدًا”، بحسب الوثائق الإسرائيليّة الرسميّة.
وخلص سبير إلى القول، طبقًا للوثائق، إنّ “عرفات، هو شخص مركزي بصورة مبالغ فيها، وغير واقعي في المواضيع الاقتصادية وعديم التسامح مع أيّ انتقاد، ومتعصب لموقفه وقادر على إظهار الدفء تجاه رجاله وأيضًا غضب غير معقول”، مجملاً معرفته بعرفات بأنّ “شخصيته ترتسم من قبل محدثيه كشخصية غريبة تثير الضحك، أنانية وغير مركزة”، على حدّ مزاعمه.
وخلافا لما سبق، عرضت في الوثائق صفات أخرى لعرفات، أنّه “شخص له تأثير ساحر على قيادة المنظمة وعلى معظم الشعب الفلسطينيّ، له قدرة غير محدودة على منع أوْ تمكين حدوث عمليات داخل شعبه، وهو الوحيد القادر على إدخال النظام إلى صفوف الفلسطينيين”، وفقًا لنفس الوثائق.
وذكر سبير أنّ “الشخصيات الفلسطينية الرفيعة، أوضحت أنّ الدور التاريخيّ لعرفات، تنفيذ مرحلة العودة إلى الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة المُحتليْن، وبعد ذلك، حسب قولهم، ستكون قوى أكثر براغماتية سترثه لتطوير تعاون مع إسرائيل”، وفق ما جاء بوثائق الأرشيف الإسرائيليّ.
بالإضافة إلى ذلك، ففي وثيقة أخرى بتاريخ 27 تموز (يوليو)، تطرق المستشار القانوني في المفاوضات المحامي يوئيل زينغر لشخصية (أبو علاء)، وكتب: “مفاوض ذكي ومتحايل، يكذب على الجميع للوصول إلى الهدف، لدرجة أنّه جعل بيرس يتساءل كيف يمكن الاعتماد على شخص مثله”.
وعلى هذه الخلفية بحسب الصحيفة العبريّة “يجب تفسير الجملة المهمة التي ظهرت في وثيقة أخرى، والتي كتب فيها بأنّ قريع هدأ النظراء الإسرائيليين، بأنّه لا يوجد لنا سبب للخوف من موضوع حقّ العودة، لأنّه مع الاتفاق الدائم سيوافقون على إلغائه”.
وجاء في الوثائق، أنّ “بيرس اقترح في أحد النقاشات، بأنْ يتّم تحويل غزة إلى سنغافورة، وأنّه بإمكان غزّة أنْ تتحوّل أيضًا إلى سويسرا الشرق الأوسط”، على حدّ تعبيره.
وكشفت الوثائق أيضًا أنّ بيريس كان يخشى عن عودة عرفات إلى غزّة والضفّة الغربيّة كرئيسٍ، وهو الأمر الذي كان سيرفضه رئيس الوزراء آنذاك، يتسحاق رابين، ولذا حاول إقناع الفلسطينيين خلال المفاوضات بأنْ يتنازل عرفات عن اللقب لدى عودته إلى المناطق الفلسطينيّة المُحتلّة.