الوجود العسكري الأميركي: فوضى تصريحات وإرباك فصائل

بعد أفغانستان، حيث غرق الجيش الأميركي في مستنقع الحرب منذ 17 عاماً، باتت الولايات المتحدة تنظر إلى أي احتمال «غرق» آخر بمزيد من الحذر والحساسية. في سوريا، جاء تدخّل الجيش الأميركي بتوجيه مزعوم من الرئيس السابق باراك أوباما، لمحاربة تنظيم «داعش». لكن الرئيس الجديد، دونالد ترامب، ما انفكّ يعلن منذ حملته الانتخابية، وبعد فوزه بالرئاسة، أنه سيسحب القوات الأميركية من سوريا، خشية الغرق في مستنقع جديد. ولكن الكثير من التخبط والتناقض، ظهر في تصريحات الرئيس ترامب، وتصريحات وبيانات إدارته.

 مطلع هذا الأسبوع، أعلنت الإدارة الأميركية في واشنطن، أن القوات الأميركية ستبقى على الأراضي السورية طالما «لم ترحل إيران عنها مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جون بولتون، قال مطلع هذا الأسبوع، لصحافيين إن قوات بلاده «لن ترحل طالما أن القوات الإيرانية باقية خارج حدود إيران، وهذا يشمل حلفاء إيران والمجموعات المسلّحة».

 ولم تكن هذه المرة الأولى التي يلمّح فيها مسؤول أميركي إلى وجود أميركي «طويل الأمد» على الأراضي السورية (ارتفع عديد القوات الأميركية في سوريا من 50 جندياً نهاية عام 2015، إلى 904 في مارس/ آذار 2017، ليبلغ حوالى 2000 جندي منتصف هذا العام).

وفي حزيران/يونيو، حذر وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس حلفاء الولايات المتحدة من أن «مغادرة سوريا فور انتهاء المعارك ضد تنظيم الدولة «سيكون خطأ استراتيجياً». لكن رداً على سؤال بشأن تصريحات بولتون السابقة بخصوص ربط بقاء القوات الأميركية ببقاء القوات الإيرانية، أكّد ماتيس أن السياسة الأميركية في سوريا «لم تتغيّر». وقال: «نحن في سوريا لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، والتأكد من أنه لن يعود ما أن ندير ظهرنا».

كذلك، أكّد وزير الدفاع الأميركي، الذي غالباً ما اتّسمت تصريحاته بحذر أكثر مقارنة مع بولتون، أن «الوضع على الأرض معقّد»، مضيفاً أن «هناك الكثير من الحساسيات والخصوصيات، وأنا أول من يعترف بها».

و أعلن المسؤول الأميركي عن الملفّ السوري جيمس جيفري، أنّ الولايات المتحدة ستُبقي على وجودها في سوريا «طالما أنّ إيران موجودة هناك»، لكنه أشار إلى أنّ «الدور الأميركي لن يتطلّب بالضرورة وجود جنود». وكان جيفري يوضح بذلك التعليقات التي أدلى بها في الآونة الأخيرة مسؤولون كبار، أمثال مستشار الأمن القومي ووزير الدفاع في إدارة ترامب، بدا أنّهم يقترحون فيها بقاء قوّات إلى «أجل غير مسمّى لمواجهة إيران».

 وقال جيفري إنّ الجنود الأميركيين المنتشرين على الأرض «لديهم حالياً مهمة إلحاق هزيمة دائمة بتنظيم داعش». ورداً على سؤال عمّا إذا كان الانسحاب الأميركي متوقّفاً بالنسبة إلى الرئيس دونالد ترامب على انسحاب القوات الإيرانية، قال جيفري للصحافيين إنّ «الرئيس يُريدنا في سوريا حتى يتم تحقيق هذا الشرط والشروط الأخرى».

 غير أنه أضاف أن هذا «لا يعني بالضرورة وجود جنود أميركيين على الأرض». وتابع جيفري قائلاً: «هناك طُرق عدّة للتواجد على الأرض. نحن على الأرض دبلوماسيّاً بالتأكيد، من خلال فرق من وزارة الخارجية في العديد من المناطق في سوريا»، وأضاف: «قُمنا بتدريب قوّات محلية في عدد من مناطق سوريا. وحلفاؤنا لديهم قوات محلية».

لم تعترف الإدارة الأميركية حتى اليوم بوجود تصوّر واضح لمدة وحجم وأهداف وجودها العسكري على الأراضي السورية. وبينما تتناقض وتتداخل تصريحات كبار المسؤولين في الإدارة بخصوص مصير الوجود الأميركي العسكري هناك، تعيش الفصائل المسلحة، المحسوبة على التحالف الدولي بقيادة واشنطن، حالة من الإرباك والغموض.

 منذ مدة، تناقلت تنسيقيات المسلحين في سوريا، أخباراً تتحدث عن نية «جيش مغاوير الثورة»، وهو فصيل مدعوم من القوات الأميركية المتمركزة في منطقة التنف الحدودية، الخروج إلى الشمال السوري، بعدما «أُبلغ قادته باقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية من التنف»، من دون أن تُرصد تحركات فعلية في هذا السياق. وقبلها بفترة أيضاً، شهدت دمشق جولات عدة من المفاوضات مع «قسد» والوحدات الكردية، وذلك بعدما توالت تصريحات من الإدارة الأميركية، وعلى رأسها الرئيس ترامب، أن القوات الأميركية ستغادر سوريا في نهاية هذا العام، من دون أن تظهر دلالات واضحة على هذه النوايا أيضاً، ما زاد في تعقيد المشهد وغموضه، أمام الفصائل، والقوى الأخرى.

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى