الولايات المتحدة تهيئ بديلاً لمنظمة التجارة العالمية
يعدُّ مشروع “الشراكة عبر الأطلسي”، الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال زيارته إلى هانوفر، مشروعا ضخما وطموحا لتوحيد أضخم الشركاء في مجال التجارة والاقتصاد في العالم.
ويعدُّ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أهم الشركاء بعضهما لبعض في مجال التجارة الخارجية. وبالطبع، فإنهما إذا ما تمكنا من تشكيل نوع من الاتحاد الاقتصادي، فسيُمنحان فرصة للهيمنة على العالم.
إن فكرة الشراكة التجارية-الاستثمارية عبر الأطلسي تعني عمليا على المدى البعيد إنشاء سوق عامة في مجال التجارة والاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ولكن هذا المشروع، قبل أي شيء، هو تهديد جدي للاتحاد الأوروبي؛ لأن هناك اختلافات جوهرية عديدة في الممارسات العملية والتنظيمية في أوروبا والولايات المتحدة؛ إذ إن هذه الممارسات في الولايات المتحدة أكثر ليبرالية.
كما أن الانفتاح على الولايات المتحدة يحتم على البلدان الأوروبية وضع قيود جوهرية، خاصة في مجال الحقوق الاجتماعية، وتخفيف متطلبات وتشريعات حماية البيئة، واستخدام مواد غذائية معدلة وراثيا وهلم جرا.
وهذه الخطوة ليست بهذه البساطة بالنسبة إلى أوروبا. لذلك، فإن غالبية ساستها حاليا غير مستعدين لها. ومع ذلك، فمن المحتمل كثيرا أن يتم التوصل إلى اتفاق إطاري معين لهذه الشراكة في عهد أوباما؛ حيث سيكون هذا الاتفاق عبارة عن نقاط أولية غير مفصلة.
وفي هذا الصدد، يمكن تأكيد أن الرئيس المقبل للولايات المتحدة سينتهج السياسة نفسها في هذا المجال؛ لأن مشروع “الشراكة عبر الأطلسي” يشبه مشروع “الشراكة عبر المحيط الهادئ” الذي تنفذه الولايات المتحدة بنشاط، وهما جزء من استراتيجية بعيدة المدى للإطاحة بمنظمة التجارة العالمية.
وقد كان العمل سابقا سهلا؛ حين أسست البلدان الغربية منظمة التجارة العالمية. غير أن منظمة التجارة العالمية، بعد انتهاء المواجهة بين النظامين العالميين، أصبحت منظمة عامة تضم البلدان كافة، ومن بينها روسيا والصين والهند. أي أصبحت أكثر ديمقراطية، ولم يعد بإمكان الولايات المتحدة توجيه الاقتصاد العالمي بواسطتها، كما كانت تفعل في السابق.
لذلك، فهي بعد تأكدها من أن منظمة التجارة العالمية في الظروف المعاصرة لم تعد أداة فعالة، بدأت محاولاتها لخلق مؤسسات موازية لها. وفي حقيقة الأمر، تعمل الولايات المتحدة حاليا على إيجاد صيغ جديدة تطيح منظمةَ التجارة العالمية، وعلى وضع قواعد جديدة. وهذه الأشكال الجديدة يجب أن تساعد الولايات المتحدة على ممارسة دورها القيادي في العالم وكسب الأموال من ذلك.
أما الدول التي ستبقى في منظمة التجارة العالمية، ولا تريد الحصول على عضوية “الشراكة عبر الأطلسي” أو “الشراكة عبر المحيط الهادئ”، فعليها أن تختار بين أن تصبح معارضة وتشكيل مؤسساتها الخاصة، مما سيفضي إلى اتهامها بأنها تحاول تدمير منظمة التجارة العالمية؛ أو أن ترضخ للأمريكيين، وتحصل على عضوية منظمة لم تساهم في تأسيسها.
وقبل كل شيء، هذا يتعلق بالصين، التي هي الهدف الأساس للمشروع، وخاصة أن القيادة الصينية، بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية وفي السنوات الأخيرة في إطار “مجموعة العشرين”، أصبحت تلح على أخذ مصالحها ومقدرتها الاقتصادية بعين الاعتبار خلال اتخاذ القرارات. وبعد الصين تأتي روسيا ثم الهند. بيد أن هذه الهجمات يمكن تحييدها وعدم إفساح المجال للمنافسين للتغلب علينا. لأجل ذلك على بلداننا الاتفاق مع بعضها بعضا، وتأسيس أشكال تكاملية ومعمقة للتعاون الآسيو-أوروبي وتنمية وتطوير المجال الاقتصادي لـ”منظمة شنغهاي للتعاون”، والعمل على مشروع التكامل الآسيو-أوروبي و “طريق الحرير”. أي أن الخيار بسيط: إما مباشرة العمل، أو الانتظار بعض الوقت، ثم الرضوخ للولايات المتحدة.
صحيفة إيزفيستيا الروسية