الولايات المتحدة في الحروب و المجاعات

“أكثر من عشرين مليون شخص يواجهون خطر المجاعة في أربع دول”….. هذا ما حذر منه مسؤولون في الأمم المتحدة مؤخرا ، الأمر الذي اعتبروه أكبر أزمة إنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية..
الدول الأربع ، و هي اليمن و الصومال و جنوب السودان و نيجيريا، تعاني من حروب أهلية لعبت الولايات المتحدة فيها دور عن طريق تمويل و تسليح أحد الأطراف المتنازعة.

قدم منسق المعونات في الأمم المتحدة ،ستيفن أو بريان ، تقريرا إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة بخصوص الأوضاع في الدول الأربع، و نشرت الأمم المتحدة معلومات حول الأزمة في سعي للحصول على مبلغ 4,4 مليار دولار كمساهمة في الإغاثة قبل نهاية شهر آذار. و حتى الآن، و كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة ،تم تأمين تسعين مليون دولار فقط، أي بالكاد 2% من المبلغ اللازم.
و ذكر مسؤولو الأمم المتحدة أن تعداد السكان الذين يواجهون الخطر مباشرة وصل إلى 7,3 مليون في اليمن، و 2,9 مليون في الصومال، 5 مليون في جنوب السودان، و 5,1مليون في نيجيريا، و الرقم الإجمالي هو 20,3 مليون. أما عدد الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد فيقدر ب 462 ألف في اليمن، 185 ألف في الصومال، 270 ألف في جنوب السودان، 450 ألف في نيجيريا ، و المجموع حوالي 1,4مليون.

و بينما يلعب المناخ غير الملائم ، و خاصة الجفاف، دورا في الأزمات الإنسانية، فإن السبب الرئيسي هو الحرب الأهلية، حيث يقوم كل طرف فيها باستخدام الموارد الغذائية كسلاح ، و يتعمد تجويع شعب “العدو”.
القوات المدعومة من قبل الولايات المتحدة هي المسؤولة عن جرائم الحرب هذه في كل الدول الأربعة، إنها الإمبريالية الأميركية ، الداعم الأساسي للتدخل السعودي في اليمن و القوات الحكومية في الصومال و جنوب السودان و نيجيريا، و التي تتحمل بشكل رئيسي المسؤولية عن خطر المجاعة و الكارثة الإنسانية الرهيبة…

الوضع الأسوأ في اليمن، حيث تخوض وحدات مقاتلة ،مسلحة و موجهة من قبل الولايات المتحدة ، و تعود إلى السعودية و الإمارات العربية المتحدة و ممالك خليجية أخرى حربا مع المتمردين الحوثيين الذين أسقطوا قبل عامين الرئيس المعين من قبل الولايات المتحدة. و حوالي تسعة عشر مليون شخص، أي ثلثي السكان، بحاجة ماسة لمعونات إنسانية.

تسيطر القوات السعودية ، التي تقاتل إلى جانب القاعدة في شبه الجزيرة العربية، على المرافئ الرئيسية في البلد ، بما فيها عدن و الحديدا، و تدعمها وحدات الأسطول البحري الأميركي في البحر الأحمر و خليج عدن من أجل فرض حصار على المنطقة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين في غرب و شمال البلد.

و عمليات القوات الأميركية تمتد عبر اليمن على شكل ضربات صواريخ من طائرات بلا ربان أو غارات بين الحين و الآخر، و المثال على ذلك الهجوم الكارثي على قرية في نهاية كانون الثاني و الذي أدى إلى موت ثلاثين مدنيا يمنيا ، معظمهم أطفال، و تم إطلاق النيران على جندي من القوات الأميركية الخاصة و أردته قتيلا.

الحرب الأهلية المطولة في الصومال، بين الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في مقديشو و مقاتلي “الشباب” المسيطرين على معظم المنطقة الجنوبية، قادت البلد إلى القحل و هي التي كانت تعاني أصلا من مجاعة مدمرة في عام 2011 ،و أنهكتها حرب أهلية على مدار ربع القرن الأخير.
نصف السكان على الأقل، أكثر من ستة ملايين إنسان، بحاجة ماسة للمساعدة الإنسانية، و ذلك وفق تقديرات الأمم المتحدة. ظروف الجفاف قتلت الكثير من الثروة الحيوانية في البلد. و في الصومال أيضا تستمر الوحدات العسكرية الأميركية بالعمل عن طريق غارات الوحدات الخاصة و الضربات الصاروخية من الطائرات بلا ربان، و هناك تدفق مفرط للاجئين الصوماليين نحو الجارة كينيا حيث يحتاج أيضا 2,7 مليون آخرين للمساعدة الإنسانية.

الحرب الأهلية في جنوب السودان عبارة عن صراع بين فصائل قبلية متنازعة في النظام المدعوم من قبل الولايات المتحدة و الذي خلق عبر تدخل واشنطن في الحرب الأهلية طويلة الأمد في السودان. و بعد اتفاق برعاية الولايات المتحدة و إستفتاء يدعم الانفصال، تم إنشاء جنوب السودان كدولة مستقلة حديثا في عام 2011.

و فاقم من الصراعات القبلية ضمن الدولة الجديدة القحط و الفقر المفرط و النضال من أجل السيطرة على احتياط النفط، الذي يعتبر واحدا من مصادرها الطبيعية الهامة، و الذي يتم تصديره عبر الجارة السودان إلى الصين، و لا يوجد في الدولة منفذ على البحر، ما يجعل نقل معونات الطعام أكثر صعوبة.
و يقال بأن الأزمة في جنوب السودان هي الأكثر حدة بين الدول الأربع حيث تطلق إنذارات المجاعة ، مع معاناة أربعين بالمائة من السكان من الجوع الشديد. و الشهر الماضي حذر مسؤولو الأمم المتحدة من مجاعة شاملة تطال مائة ألف من سكان جنوب السودان، كما وردت تقارير عن وباء الكوليرا.

المجاعة في نيجيريا أيضا من نتائج الحرب، هذه المرة بين المجموعة الإسلامية المتزمتة “بوكو حارام ” و بين حكومة نيجيريا، التي تلقى الدعم من الولايات المتحدة و بريطانيا. النقطة المحورية في هذا الصراع هي منطقة بحيرة شاد حيث تتشارك كل من نيجيريا و الكاميرون و تشاد و النيجر الحدود، و هذه هي أكثر المناطق سكانا بين المناطق الأربع المهددة بالمجاعة.

و مؤخرا قامت القوات الحكومية النيجيرية بهجوم أدى إلى تراجع بوكو حارام و كشف عن مدى المعاناة بين السكان المحليين في المنطقة، حيث تم قطع إمدادات الطعام كجزء من الحملة العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة.
تعمل القوات العسكرية الأميركية ضم منطقة “الساحل” الواسعة على الأطراف الجنوبية من الصحراء الكبرى التي تضم الكثير من إفريقيا الغربية. كما و تنشط القوات المسلحة للإمبريالية الفرنسية و الألمانية في مستعمرات فرنسية سابقة مثل مالي و بوركينا فاسو ، إضافة إلى أخرى في الجنوب مثل جمهورية افريقيا الوسطى.

و ذكر تقرير للأمم المتحدة أن الكارثة الانسانية في اليمن تفاقمت في الأشهر الأخيرة، و عدد اليمنيين المعرضين لخطر المجاعة قفز من أربعة ملايين إلى سبعة خلال الشهر الماضي ، و كل عشر دقائق يموت طفل في اليمن من الأمراض.
و قبل أسبوعين و مع وجود البعثة الانسانية للأمم المتحدة في اليمن ، أمكن توفير ممر آمن لشاحنة محملة بالمساعدات الانسانية إلى مدينة تعز المحاصرة، و هي ثالث أكبر مدينة و الواقعة تحت الحصار منذ سبعة أشهر.

النقاش حول تقرير أو بريان لمجلس الأمن أظهر تصريحات منافقة واحدا إثر الآخر من قبل قوى امبريالية مثل الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و اليابان و إيطاليا و غيرها ، و كلها تتحسر على المعاناة و لكن أي منها لم يكشف عن السبب الحقيقي وراء تعميق الأزمات….و أكبر مثال هو ملاحظة ممثلة الولايات المتحدة ، ميشيل سيزون، إذ قالت: “يجب أن يشعر كل عضو في مجلس الأمن من المهانة لكون العالم يواجه مجاعة في عام 2017، المجاعة مشكلة من صنع الإنسان ذات حل من صنع الإنسان”.

و دعت الأطراف المتورطة في القتال في الدول الأربع إلى منح الأولوية “للوصول إلى المدنيين” و “عدم اعاقة المعونة”، رغم أن هذا هو بالضبط ما تقوم به القوات المدعومة من الولايات المتحدة ، لاسيما في اليمن، و بمقدار أقل في الدول الثلاث الأخرى.

تقرير الأمم المتحدة لم يتناول أزمات إنسانية أخرى ، و التي صنفها “برنامج الغذاء العالمي” بالمستوى الثالث، و أكثرها خطورة في العراق و سورية و جمهورية افريقية الوسطى و الفيليبين ، و لا هو تحدث عن الصراع الأهلي المدمر في ليبيا و أفغانستان التي أنهكتها قرابة أربعين سنة من الحرب المستمرة.
كما أن التقرير لم يستعرض سكان العالم الذين بحاجة ماسة لمساعدات غذائية و المقدر عددهم بسبعين مليون في خمس و أربعين دولة، و ذلك وفقا لشبكة أنظمة التحذير المبكر من المجاعة، و هذا الرقم ارتفع بمقدار أربعين بالمائة منذ عام 2015، نتيجة للحروب الأهلية المتصاعدة، و الجفاف و حوادث مناخية أخرى و ارتفاع أسعار الطعام.

و عام 2016 واجه برنامج الغذاء العالمي نقصا في المساهمات بمقدار الثلث، و تلقى فقط 5,9 مليار دولا من المانحين من أصل 8,6 مليار دولار، ما أجبر الوكالة على اختصار المعونات للاجئي كينيا و أوغندا.
و بينما تبدو هذه المبالغ ضخمة ، فإنها ليست سوى نقطة في بحر مقارنة بالأموال المبددة من قبل القوى الكبرى على الحرب و العسكرة. فمجمل النقص في مبالغ المعونات الإنسانية يعادل إنفاق ثلاثة أيام على التسليح العالمي. و ال 4,4 مليار دولار اللازمة من أجل حل أزمة المجاعة تعادل نصف ما ينفقه البنتاغون في أسبوع واحد….

موقع World Socialist Web Site

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى