لم يرضخ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لضغط الجمهور الذي ملأ الساحات السبت الماضي، في تظاهرات عُدّت الأضخم في العامَين الماضيَين، إلا أنها لا تزال قاصرة عن دفع نتنياهو إلى التنازل وإبرام صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وإذا كان حجم المشاركين فيها ملفتاً، فإنها تظلّ مجرد خطوة في مسار، من المشكوك فيه أن يصل، وحده، إلى الحدّ الذي يدفع اليمين الإسرائيلي إلى التراجع.
أمّا المسارانالميداني والتفاوضي، فيسيران، هما الآخران، وفقاً لمحدّدات نتنياهو وائتلافه؛ إذ لا مفاوضات إلّا من أجل المفاوضات فحسب، فيما تبقى جبهات المساندة تحت سقوف وإن كانت محدودة نسبياً غير أنها تنبئ بالأسوأ، في مقابل عجز إسرائيل عن تحقيق أهداف الحرب، والتي طالت كثيراً وبدأ الوقت يأكل ما تحقّق تكتيكياً منها إلى الآن.
كذلك، تلاحَظ عودة الجيش الإسرائيلي إلى التوغل في وسط القطاع وشماله، في محاولة جديدة لمنع حركة «حماس» وبقية فصائل المقاومة من إعادة تنظيم نفسها وترميم قدراتها، وهو ما تخشاه الاستخبارات الإسرائيلية، وتجد الكثير من مؤشراته في الميدان.
على أن اللافت في الأسبوع الأخير، هو النعي الضمني للعملية التفاوضية، والتي تدخّلت فيها حركة «حماس»، هذه المرة، لتضع شروطاً جديدة، تتعلّق بهويات الأسرى الفلسطينيين الذين تريد إطلاق سراحهم، ومن بينهم «أسرى قياديون» تطلب الإفراج عنهم «مقابل أسرى إسرائيليين مرضى ومسنين».
وإذ يفوق المطلب المذكور ما أعلنت إسرائيل سابقاً أنها مستعدة للتجاوب معه، وعُدّ محاولة تعقيد إضافية للمفاوضات، فهو يُعتبر ردّ فعل طبيعياً جداً قياساً إلى العراقيل الإسرائيلية التي تستهدف خدمة مصلحة نتنياهو وائتلافه اليميني الفاشي في إدامة الحرب، لأغراض على رأسها الاستيلاء الدائم على غزة خالية من فلسطينييها.
وفي خضم ذلك، تأتي زيارة قائد القيادة الوسطى الأميركية، مايكل كوريلا، إلى إسرائيل، والتي قيل إنها تستهدف تحريك المسار التفاوضي المتعثر، ولكن هذا الهدف الأخير ربما يكون في أدنى سلّم جدول أعمال الزيارة التي تعدّ الرابعة لكوريلا منذ بدء الحرب.
إذ وفقاً للتقديرات، فإن مباحثات المسؤول الأميركي ستركّز على «الوضع العملياتي والإستراتيجي في المنطقة»، في إشارة إلى أنها مخصصة للبحث في مرحلة ما بعد فشل المفاوضات وتداعياتها، ومن ضمنها احتمالات التصعيد الأمني والعسكري في الإقليم، والحاجة إلى تعزيز الدفاعات الأميركية المنتشرة في المنطقة، والتي لا تقوى إسرائيل من دونها على الصمود أمام الهجمات المتعدّدة.
صحيفة الأخبار اللبنانية
وإلى جانب ما تقدّم، بدا لافتاً، في الأيام القليلة الماضية، تماشي الجيش الإسرائيلي، ميدانياً، مع أهداف رأس المؤسسة السياسية، وذلك عبر عملية التوغل التي أعلن عنها وباشرها في وسط القطاع، في إطار السعي إلى تحقيق ثلاثة أهداف مركبة ومتشابكة: الأول، هو توسيع الرقعة الجغرافية المحاذية لمعبر «نتساريم» من الشمال والجنوب، بعدما شهد هذا الأخير عمليات نوعية شنّها المقاومون ضد القوات المتمركزة فيه، وتسببت في إرباك وقلق مستقبلي على انتشار الجيش هناك. أما الهدف الثاني، فمردّه معلومات استخبارية توافرت لدى «شعبة الاستخبارات العسكرية» (أمان) ولدى «جهاز الأمن العام» (الشاباك)، مفادها أن حركة «حماس» أعادت تأهيل جزء معتدّ به من كتائبها في شمال قطاع غزة ووسطه، الأمر الذي يدفع، مرة جديدة، جيش الاحتلال إلى محاولة تدمير تلك القدرات. وبالانتقال إلى الهدف الثالث، والذي قد يكون أكثر أهمية من سابقَيه في سياق العملية التفاوضية، فهو إيصال رسالة إلى حركة «حماس» بأن الاختلاف في الرأي بين نتنياهو والجيش، لا يعني صحة المراهنة على إمكانية تمرّد المؤسسة العسكرية على تلك السياسية، وهو ما يفسّر المضي في عمليات عسكرية جديدة تبدو، على الأقلّ، محلّ تشكيك في نجاعتها بالنسبة إلى الجيش. وعلى أي حال، فإن الهدفين الأخيرين يعدّان كاشفَين للفشل الإسرائيلي في غزة؛ إذ بعد ما يقرب من عام كامل على الحرب، ورغم التفاوت الهائل في القدرات بين الجانبين، لا يزال جيش الاحتلال يعمل على تدمير قدرة حركة «حماس» والمقاومين الفلسطينيين في غزة.
أما عملية جسر اللنبي على الحدود الأردنية مع الضفة الغربية المحتلة، فهي من العمليات الطبيعية التي كانت مرتقبة في أي لحظة، كونها تأتي تعبيراً عن موقف الشارع الأردني مما يجري في غزة والضفة، بعيداً عن موقف نظام الحكم في عمان. والعملية مفيدة جداً في سياقها وتوقيتها؛ إذ أدت إلى إرباك في تل أبيب، ودفعت بسيناريوات متطرفة إلى الواجهة، ستفرض نفسها على طاولة القرار الإسرائيلية. على أن هذا الهجوم، إن بقي يتيماً، ولم تتبعه عمليات مماثلة لاحقاً، فلن تتجاوز نتائجه حدود إثارة قلق تل أبيب، فيما الحديث عمّا سمّاها البعض «ساحة الإسناد الثامنة»، يبدو مبالغاً فيه، وغير قابل للتحقق، إلا في حال ترجم الجمهور الأردني تأييده لفلسطين بما يتجاوز الاحتجاجات في الشارع، وهو ما يصعب توقّعه حالياً، في ظلّ رد الفعل الإسرائيلي – الأردني، استباقياً ووقائياً، في أعقاب هجوم «اللنبي».
صحيفة الأخبار اللبنانية