اليوم الوطني للشواء

 

وأخيرا سكتت خرفان العيد في حينا الشعبي عن الصياح المباح، مرة واحدة، وإلى الأبد. تركت هذه الكائنات الوديعة رؤوسها للتنظيف لدى “فتيان الشاليموهات” المنتشرين في مختلف التجمعات السكنية، وأودعت جلودها لمصانع الدباغة ثم استقرت شواء في البطون أو تنتظر دورها في البرادات.

في أقل من ساعة، وبعد أن كان جميع التونسيين ” بياطرة، خبراء أعلاف، ومربي مواشي”، تحولوا فجأة، جميعهم، إلى قصابين وشوائين محترفين بفضل سكاكينهم التي تباع أو تسنّ على منصات خاصة، وتحولت جميع البلاد إلى مسلخ في الهواء الطلق، يحسدنا عليه الأهالي والأصدقاء المغتربون في مدن أوروبا الحريصة على نظافة بيئتها ” أكثر مما يجب”.

نشطت مهن وحرف وأسواق موسمية موازية، طيلة أسبوع التحضير للعيد، كما انتعشت هواية نطاح الكباش والمراهنة عليها فيما يشبه الهستيريا الجماعية التي تتجاوز مجرّد الشعيرة الدينية في بلد مالكي المذهب، يولي اهتماما خاصا لأضحية العيد مقارنة بغيره من المذاهب المنتشرة في المشرق العربي.

لم أتقاعس بدوري عن أداء هذا ” الواجب الوطني” ذي البعد الفولكلوري، فبادرت إلى شحذ وسن سكاكين المطبخ لدى اختصاصي التجليخ في حارتنا، اقتنيت شواية وأسياخ جديدة تفي بالغرض، ولم أنس الفحم وبقية اللوازم وأدقها، بما في ذلك ” الهوّاية” (المروحة اليدوية) وحتى الطاسة الاسطوانية المجوّفة التي توضع على الموقد وتسمح للتيار الهوائي بتذكية الجمر وتسريع التهابه (نسميها في تونس ” صليحة” نسبة للمغنية الأشهر في الخمسينات).

طبعا، لا يمكن التغافل عن اقتناء الخضراوات الخاصة بالسلطة المشوية على الطريقة التونسية الشهيرة، دون نسيان عصير الليمون الذي يساعد على يسر الهضم.. ولا بأس، كذلك، من بعض المشروبات المرافقة التي تليق بهذه الوليمة التي لا تتكرر كل يوم.

وباختصار شديد، لم أغفل عن أي تفصيل يمكن لغيابه أن يعكّر صفو هذه المناسبة، بما في ذلك نكاشات الأسنان، وحبوب مقاومة التخمة وطرد النفخة والصداع.. من يدري؟ خصوصا وأن غالبية الصيدليات والأكشاك تكون مقفلة في هذا ” اليوم الوطني للشواء”.

حل يوم الأضحى الذي استقبلناه على أنغام الأهازيج والأغاني الروحية الخاصة بهذه المناسبة.. كل شيء على ما يرام، ولم أترك سبيلا للمصادفة أو الارتجال، غير أني يبدو قد غفلت عن أمر واحد رغم أني قد تركت مكانه شاغرا على المشجب وفي برّاد المطبخ.. أجل إنه الخروف.

اكتفيت بصحن من الفول على وقع أنغام الشيخ إمام ” ثم أضاف الدكتور محسن إن اللحمة دي سم أكيد، بتزوّد أوجاع المعدة وتعوّد على طولة الإيد، وتنيّم بني آدم وتفرقع منه المواعيد.. واللي بياكلوا اللحمة عموما، حيخشوا جهنم تأبيد”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى