كتب

‘امرأة على حافة العالم’ متقلبة وثائرة مثل الطبيعة البركانية

‘امرأة على حافة العالم’ متقلبة وثائرة مثل الطبيعة البركانية …. تعد الكاتبة ستينون سيجورذاردوتير واحدة من الروائيين والشعراء الأكثر شهرة في آيسلندا، نشرت أول مجلد لها من الشعر في سن التاسعة عشرة. وقدمت حتى الآن اثنتي عشرة رواية وثمانية مجلدات شعرية وكتاب للأطفال، وعدة مسرحيات للتلفزيون، والإذاعة. وهي أيضًا مترجمة الشعر والرواية. تخرجت في قسم علم النفس والفلسفة من كلية دبلن الجامعية، وبدأت عملها كمراسلة إذاعية وصحفية.

وتعد روايتها “امرأة على حافة العالم” من أبرز أعمالها الروائية والتي حصدت من جائزة، وتتناول قصة بطولية عن امرأة شابة جذابة ابتعدت في سن الثالثة والعشرين عن مهنتها كعارضة أزياء في نيويورك لتتولى مزرعة أغنام الأسرة. تناضل من أجل وجودها وللدفاع عن الأرض.

“هايذا” بطلة الرواية التي ترجمتها هند عادل وصدرت عن دار العربي، تختار أن تعيش وحدها مع 500 رأس من الماشية في مزرعة في منطقة نائية تقع على مرتفعات آيسلندا وتُعرف باسم “حافة العالم”، وتكافح ضد عدد من العقبات التي تضطر لمواجهتها من أجل القيام بالواجب العائلي المتمثل في الحفاظ على المزرعة؛ إرث العائلة. تعيش “هايذا” بالقرب من البركان “كاتلا”، الأكثر خطرًا في تاريخ آيسلندا. فنرى كيف تتحدى الفتاة صراعاتها بين رغبتها وشعورها بالواجب أثناء ما تفرضه عليها الطبيعة الخارجية من صعوبات أخرى، والتحديات الأخرى التي تواجهها مزرعتها، مثل شركة الطاقة التي تريد أن تجرف الأراضي لتبني محطة طاقة.

ما ينسج هذه الرواية هو العمل اليومي في المزرعة، حيث تعمل “هايذا” للحفاظ على ماشيتها آمنة في بيئة يمكن أن تتغير من الشمس إلى العواصف المتجمدة في لحظة.ارتباطها العميق بالآخرين – سواء عائلتها أو جيرانها من المزارعين أو كلبها أو الأرض نفسها – هو الذي يميز عاطفتها في الرواية.

الرواية مقسم إلى أربعة أقسام: الصيف، والخريف، والشتاء، والربيع، مكتوب كنوع من المذكرات، حيث تحتوي بعض الفصول على التاريخ والسنة، والبعض الآخر ذكريات هايذا. لذا فثمة نظرة ثاقبة على مدار العام يشتبك فيها الضوء والظلام مع أحداث الحياة اليومية في المزرعة مع الذكريات.إنها قصة جميلة وملهمة عن قوة الطبيعة والاختيار لنفسك، فـ”هايذا”، امرأة مليئة بالمفاجآت، امرأة فعلت كل شيء، ولا تتردد أبدًا في الانطلاق في أي مغامرة، طالما أنها متأكدة من أنها ستصل بها إلى القمة. وهي أيضًا امرأة تحب الشعر وتنظمه، ومن خلال أشعارها، نتعرف أكثر على حياة الريف الآيسلندي.

في مقدمتها للرواية تعلن ستينونأن “هايذا” شخصية حقيقية التقتها، كما تكشف الكثير من التفاصيل حول الرواية وبطلتها، تقول “زارتني صديقة في ربيع 2015 في أثناء عملي على رواية في كوخي بجنوب شرق أيسلندا. قالت بحماس: “يجب أن تقابلي هايذا!”. أوضحت صديقتي أن “هايذا” بطلة تحارب لتحمي أرض عائلتها من شركة كهرباء خاصة تريد شراءها. وهذه المرأة المتحفظة أُجبرت على دخول الحياة السياسية وتأسيس حزب لحماية البيئة من أجل مواصلة القتال

.تأثرت بكلامها تمامًا وأسرعت لزيارة “هايذا” في مزرعتها التي تبعد عن كوخي أقل من نصف ساعة. حتى عن بعد، بدت تنساب بخفة وهي تنزل من على كرسي الجرار. طولها 181 سم، رشيقة، شعرها أشقر وطويل. بدت مثل مزيجٍ من جنية غابة طويلة “elf” ومحاربة أسطورية جميلة “valkyrie”. حيَّتني بالتحفظ المهذب نفسه الذي عرفته في طفولتي عندما كنت أقضي الصيف مع عمي وعمتي في مزرعتهما بهذه المنطقة. جلسنا حول طاولة مطبخها وتحدثنا طويلًا”.

وتضيف “تحمست كثيرًا لقصتها لدرجة أنني في أقل من عشر دقائق قررت أنها ستكون موضوع كتابي التالي. وعلى الرغم من قراري الفوري، لم أتصل لأبلغ “هايذا” به إلا بعد أسبوع. تفاجأت حين وافقت فورًا، لأنني عندما قابلتها أدركت كم هي متحفظة ولا تحب التحدث عن نفسها. لكنها أوضحت لي أن دافعها للموافقة هو احتياجها لأن يعرف العالم قصة صراعها الذي تعانيه بمفردها.كان هذا دافعي أيضًا. في الأسبوع الفاصل بين حديثي معها في المطبخ واتصالي بها، فكرت كثيرًا في أفضل طريقة لتقسيم هذا الكتاب؛ فليس سهلًا على أي روائية أن تتحول من كتابة أدب خيالي إلى أدب واقعي بين يوم وليلة.

وتوضح ستينون “ربما لم أكن لأتشجع على هذه الخطوة لولا أسلوب “سفيتلانا أليكسيفيتش” الشائق في كتابة التاريخ الشفهي الذي تجمعه من أقوال أفراد مختلفين. يجب أن يسمع الناس صوت هذه المرأة. أحد أصعب التحديات في كتابة قصة “هايذا” هو أسلوبها الفريد في الكلام. فهي توازن بين الطابع القديم والحديث في كلامها، ويجب أن يظهر هذا في الكتابة. لحسن الحظ أنني بدأت مهنتي في الكتابة كصحفية في جريدة يومية في “ريكيافيك”. وخبرتي في إجراء العديد من اللقاءات الصحفية والإذاعية والتليفزيونية منذ السابعة عشرة من عمري قد أسعفتني. كان موضوع البحث والكتابة على هيئة حوار بيننا، لكن في النهاية قررت إخفاء صوت المؤلف – أنا – لكي أجعل القارئ يشعر بأنه يستمع إلى “هايذا” مباشرة. عانيت في البداية لأجد التقسيم المناسب للكتاب، وفجأة قررت استخدام مواسم السنة كفصول

.لم أضطر فقط إلى تنحية دوري كراوٍ في كتابي الجديد، بل اضطررت أيضًا إلى التضحية بروتيني اليومي. فأنا أستيقظ باكرًا كالعصافير، ولا أسهر ليلًا كالبوم. لكنها عادة لا تتفرغ للحديث إلا في نهاية المساء. فإما أن أتأقلم قسرًا مع روتين عملها المرهق وإما أن أتخلى عن الكتاب تمامًا. وهذا الكتاب يستحق حقًّا السهر ليالي طويلة.

وتشير “كنت أنا و”هايذا” قلقتين من استجابة الناس للكتاب. فهي مسؤولية كبيرة أن تُظهر حياة شخصٍ ما للعلن. خاصة مع العداء القائم بينها وبين شركة كهرباء “بولاند”. فلو فشل الكتاب سيكون مذلة لها وفرحًا لأعدائها.لكنه نجح.

أصبحت “هايذا” مشهورة في يوم وليلة. وبالنسبة إليَّ، انبهر قرائي ونقادي من تحولي المفاجئ من روائية خيالية إلى روائية واقعية. احتل كتابنا المرتبة الثالثة في قائمة الأعلى مبيعًا في أيسلندا عام 2016، وحاز جائزتين. الكثير من النساء الشابات – من طالبات الجامعات وحتى الفلاحات – اعتبرن “هايذا” مصدر إلهامٍ لهن وقررن اتباع خطاها. والرجال رأوا فيها الابنة المجتهدة التي يفخرون بها. أما المزارعون فأحبوا رؤية حياتهم مجسدة. وسكان المدينة أحبوا أن يتعرفوا أكثر عن مجريات الأحداث في مزرعة متطرفة. وأنا أتمنى أن تُظهِر للناس حول العالم طباع الأيسلنديين وأسلوب حياتهم. ستتغير حياة “هايذا” للأبد. أصبحت شخصية نشطة في أيسلندا، وليس فقط في المجال السياسي. ألقت خطابها الأول في البرلمان بصفتها ممثلة عن الحزب الأخضر في دائرتها في جنوب شرق البلاد. ومع ذلك أصرت على أن الفائدة الرئيسية لكتابها هي تشجيع من يعاني ظروفها نفسها على المواجهة والاعتراض”.

وتؤكد ستينون أن طبيعة “هايذا” متقلبة وثائرة مثل طبيعة أرضنا البركانية، لكننا أصبحنا صديقتين بسرعة في أثناء إعداد الكتاب، وظللنا كذلك حتى هذا اليوم. اهتمامي بـ”هايذا” وعملها وحياتها وظروفها لم يقل ذرة عن اليوم الذي اتخذت فيه قراري في المطبخ في مزرعتها في “ليوتارستاذير”.

مقطع من الرواية

كنت مزارعة بالفطرة، ولطالما أردت إدارة مزرعتي الخاصة. توليت أعمال مزرعة “ليوتارستاذير” في 2001 بعدما أنهيت دراستي في كلية الزراعة. كنت في الثالثة والعشرين من عمري.

في البداية، كانت الأمور بسيطة. كان أبي وأمي يبقيان ممتلكاتهما منفصلة، بدءًا من براويز الصور وحتى الآلات الزراعية ومباني المزرعة. اشتريت فقط أغنام أبي وحصلت على حق الدعم الزراعي. كنت أمتلك بالفعل بعض الأغنام، وأضفت إليهم أغنام أبي التي تعادل نصف أغنام المزرعة تقريبًا.

كما اشتريت ماكينات بسيطة وأدوات من أبي. وتعاقدنا على المشاركة في استخدام الجرار، الذي كان الماكينة الرئيسية آنذاك، كان من نوع “كاسي”. ويمكن القول إنني دخلت في شراكة مع أمي، لأنها ما زالت تملك المباني والأرض. لكنني كنت أملك الحق في عمل أي تغييرات أريدها بخصوص القرارات والمسؤوليات المتعلقة بالمزرعة والأرض.

في ذلك الوقت كنت أعمل كثيرًا، ووالداي يتوليان الأعمال اليومية، مثل إطعام الأغنام. عملت ليلًا ونهارًا في السنوات الأولى. كنت أُدرس في “كيركيوباياركلوستر”، وأجدد حظيرة الأغنام في المزرعة. أي كنت أعمل من الصباح وحتى الليل. في مواسم الخريف الأولى، كانت هناك رابطة جزاري المذبح الجنوبي في “كيركيوباياركلوستر”. كنت أعمل هناك أيضًا، بالإضافة إلى التدريس وباقي أعمال المزرعة. في المذبح، كنت أحيانًا أفرغ أحشاء الذبيحة، وهو عمل شاق جدًّا. لكن عملي الأساسي كان في قسم التجميد، حيث أبدأ في الخامسة فجرًا، وفي درجة حرارة من ثلاث إلى خمس مئوية. لم تكن النساء يعملن في الثلاجة عادة، لذلك كان عليَّ أن أطلب نقلي بنفسي. وكالعادة، لم تكن هذه مشكلة.

عندما بدأت أعمل في المزرعة، كانت بحاجة إلى إصلاح مكثف. كل شيء كان قديمًا ويحتاج إلى التحديث. حتى الماكينات الزراعية كانت قديمة الطراز. لم تكن المزرعة بالشكل الذي أردته. أزعجني ذلك، وزادت رغبتي في عمل تحسينات. وهكذا عملت على مشروعي الكبير منذ خمسة عشر عامًا. كنت أنزعج كثيرًا حين ينتقد الناس مزرعة “ليوتارستاذير“.

قمت بالتجديدات بنفسي، مع بعض المساعدة. صديقي “سيجير” عامل البناء ساعدني كثيرًا وعلمني الكثير. فمثلًا، أنا لم أستخدم منشارًا دائريًّا من قبل. جددت بيت الأغنام في صيف 2002، وحولت الحظيرة إلى بيت أغنام ثانٍ. كان هذا تجديدًا ضخمًا في المباني الخاصة بتربية الماشية. جعلناها أكثر عملية لتسهيل العمل. كان أبي معارضًا تمامًا لكل التغييرات في البداية. لكن في النهاية ألقى كلمة مدح أو اثنتين على مضض. لم يمدحني، ولكنه قال للآخرين، وهم أخبروني. اعتدت أن أختلف مع أبي في شؤون المزرعة. تسبب هذا في خلافات كثيرة بمجرد أن أصبحت كبيرة بما يكفي لأجادله. أنا مسالمة بطبعي، ولا أحب الشجار. لذلك تلك الصراعات ترهقني كثيرًا. كان أبي معروفًا بفظاظته. الكلمات التي كنا نتبادلها لم تكن لطيفة إطلاقًا، هذا إذا استطعت أن أنطق بكلمة أصلًا. فعندما أغضب أتجمد تمامًا. لذلك عندما أستطيع الكلام، أحاول بكل قوتي أن يكون صوتي أعلى منه. كان الأمر صعبًا جدًّا، فهذا الرجل كان يملك صوتًا قويًّا.

ذات مرة تأزمت الأمور تمامًا قبل أن أتسلم إدارة المزرعة بالكامل. تشاجرنا بشدة وحزمت أمتعتي وغادرت. منذ بضعة أيام أخبرني “يوناس” و”دروبلاوج” كم كنت عنيفة وأنا أخبرهما عما حدث وقتها. ويبدو أنني ختمت كلامي بجملة: “هذه المرة، اكتفيت من هذا الوغد”. رحلت لستة أشهر. ثم أدركت فجأة أن هكذا أبي نجا بفعلته! كنت أرغب بإدارة المزرعة في “ليوتارستاذير”، إذًا لماذا أنسحب أنا؟ عدت إلى البيت ولم يرحب بي في البداية، لكن تحسنت الأمور تدريجيًّا.

أنا أشبه أبي كثيرًا. تخيَّل شخصين يشبهان بعضهما تمامًا، يقفان وجهًا لوجه ويتجادلان بشراسة. كلاهما طويل ونحيل. نفس الأنف والعينين والسلوك والحركات، وحتى أسلوب الحديث والجدال. كتبت شعرًا عن هذا الموقف لأقوله في جلسة شعرية. في ذلك الوقت، دارت شائعات تقول إن ملك الدنمارك أنجب بعض الأطفال غير الشرعيين في أيسلندا. من الطبيعي أن كل فتاة تريد أن تكون أميرة. وعليَّ الاعتراف أن الشائعات أعطتني بعض الأمل في أن أكون إحداهن. أمي كانت جميلة جدًّا، ربما لفتت انتباهه. لكن بمجرد أن نظرت إلى المرآة، فقدت الأمل.

أميرات كثر تُرِكن في الأراضي

من قِبل ملك كان يجوب البلادِ

لكن شبهي الشديد بأبي

يثبت أن جلالته لم يصل إلى أمي

لم يردني أبي أن أتولى إدارة المزرعة في “ليوتارستاذير”. لدرجة أنه حاول أن يجعل أختي “فاني” تغيِّر رأيي. كانت نواياه طيبة بالطبع، فهو أراد لي حياة أفضل. لم يردني أن أعيش في عزلة وأجمع الروث طوال حياتي. لم يردني أن أشعر بالوحدة والاختناق مثله. لم يرد أن يؤثر هذا فيَّ. لكنه لم يدرك أن الزمن تغيَّر والعالم صار مختلفًا. لاحقًا بوقت طويل، أدركت أن سلوك أبي لم يكن عائقي الوحيد. هناك قريب آخر لم يردني أن أدير المزرعة. أفراد عائلتي كانوا متكتمين جدًّا على الموضوع، لدرجة أنني لم أعرف إلا بعدها بمدة طويلة. غضبت كثيرًا عندما عرفت بالأمر. لكن لم يكن بيدي ما أفعله غير محاولة الهدوء. فهذا من الماضي ولا فائدة من الغضب الآن.

ميدل إيست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى