
كم أرعبني معنى ما كثر ترداده عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وما تسببه من (تعفن الدماغ) . . الله يستر!! هل سيتعفن دماغنا نتيجة هذه التقنية الطاغية والمسيطرة والمنتشرة والمستحكمة بالمجتمع والبشرية؟؟
باحثة بالعلوم العصبية المرتبطة بالرقمنة نشرت في نيويورك تايمز صورة توضيحية لتعفن الدماغ كانت عبارة عن صفحة بيضاء كتب عليها عبارات غير متسقة الحجوم أو الشكل الهندسي، أو التوجهات الأفقية والعامودية، أو الألوان وشدة الضوء. وتضمنت مثلا معادلة رياضية بشكل مائل، وبشكل عمودي عليها نكتة جنسية بخط أكبر. وبشكل مقلوب عبارة سياسية عن ترامب. وبشكل معترض الاتجاه أغنية راقصة. وهناك عبارة دينية أو سخرية طائفية بشكل عمودي. كما أنه هناك عبارة ملونة لراقصة تعري.. و .. إلخ. وأوضحت الباحثة أن توارد خاصة المقاطع القصيرة التافهة وراء بعضها دون اتساق، ونقل المتابع من الرقص إلى الرياضيات، ومن الشعر إلى المشاهد الجنسية، إلى الآراء السياسية، إلى الترويج للعلوم أو الاختراعات، إلى دعايات سياسية أو صراعات طائفية. الصفة الخطيرة في هذه المواد المتتابعة أنها “مواد تافهة الصياغة والمحتوى”. وهي على تنوعها وتوهم متابعها بالتسلية تخلق لديه الإدمان. وهو إدمان يتطور إلى تعفن الدماغ.
وحسب المختصين، فإن تعفن الدماغ هذا يتجلى بضعف عمل الفصين الجبهيين للدماغ الذي يتمظهر بضعف التفكير، وبالقضاء على الانتباه وتشتيت الذاكرة ويجعلها في فوضى تؤدي بها إلى الضعف. كل ذلك يجعل الملكات الذهنية باهتة. وغير نشطة وعاجزة عن التفكير أو التذكر والاستنباط. ويبدو أن من أطلق اسم “تعفن” على هذه الحالة أراد أن يشبهه بما يصيب المواد الحية من عفن. لكن هنا هو عفن يمنع التواصل النشط بين خلايا الدماغ. وإذا كان التفكير والإبداع يزيد من الموصلات الدماغية بين الخلايا وينشط الدماغ فإن متابعة المقاطع التافهة أو الاستغراق في تفاهة مواد التواصل الاجتماعي المتتابعة يقطع الموصلات الموجودة ويمنع توالد الجديدة منها. تعفن يصيب دماغ الفرد المدمن على وسائل التواصل. ومن انتشاره قد يصبح تعفنا يصيب الدماغ الجمعي، ويشل التفكير العام، ويفقده انتباهه وذاكرته.. الله يجيرنا!
انتشار تعفن الدماغ وتعميمه بشكل واسع ربما يؤثر على الضمير الفردي. والخوف أن يسبب تعفن الضمير، خاصة إذا تسبب هذا الإدمان بعدم الاهتمام بحياة الآخرين. أو إذا أصيب المجتمع باللامبالاة تجاه الجرائم والدماء التي تسفك. وهكذا فإن المرض الفردي يصبح مصيبة مجتمعية. لذلك علينا تداركها بدأ من المدرسة والجامعة إلى البيت. وتقليل التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي إلا للأغراض الطبيعية والعادية. والحرص على مناقشة ما يعرض فيها، وتحليل ما يظهر عليها، ونقدها وفحصها وفرز التافه من الثمين فيها. علينا معالجة إدمان وسائل التواصل الاجتماعي حرصا على دماغ أبنائنا وصيانة لضمير مجمعنا.
لا تستصغروا الأمر. فان الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة قاتل ويستطيع التسبب بوباء خطير على المجتمع كله!!!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة