انتخابات الرئاسة الأميركية: لا إشراق على المنطقة

تختلف الانتخابات في الولايات المتحدة عن غيرها من الدول الديموقراطية في مواعيدها الثابتة. لا حل لمجلس النواب او مجلس الشيوخ كما الحال في النظم البرلمانية لمعظم الدول الأوروبية. لا تمديد لأي من المجلسين كما يحدث في لبنان وغيره من الدول المماثلة. تجري الانتخابات في كل أنحاء أميركا في أول ثلثاء من تشرين الثاني من كل عام. مجلس النواب ينتخب كل سنتين، ويخدم كل من أعضاء مجلس الشيوخ ستة أعوام وينتخب ثلثهم كل عامين. مدة رئيس الجمهورية أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. يعتمد النظام الأكثري في دائرة فردية، ويربح من ينال اكثرية أصوات المقترعين.

هذا العام ينتخب الأميركيون رئيساً للجمهورية، و34 شيخاً و435 نائباً فيديرالياً. كذلك تجري الانتخابات في الولايات والأقضية والمدن في كل أنحاء أميركا بطريقة مطابقة للانتخابات الفيدرالية.

بدأت منذ أسبوعين الانتخابات التمهيدية اولا في ولاية اياوا ثم في نيوهامبشير، ويتبعها هذا الشهر تمهيديتان لولايتي سوث كارولينا ونافادا. ويتوضح المشهد بعد تمهيديات 17 ولاية في الاول من آذار، وقد يصبح حينها لكل من الحزبين مرشحان اثنان يتنافسان على تمثيل كل منهما في الانتخابات النهائية.

تمهيديتا اياوا ونيوهامبشير أفرزتا للديموقراطيين مرشحين رئيسيين هما:

هيلاري كلينتون ذات الخبرة الطويلة في اعمال الدولة، اذ هي كانت شريكة فعلية لزوجها حين كان حاكما لولاية اركنساس (12 سنة)، ورئيسا للجمهورية (8 سنوات)، وبعدها انتخبت شيخاً عن ولاية نيويورك لثماني سنوات، وعينت وزيرة الخارجية للرئيس باراك اوباما خلال ادارته الاولى.

الاشتراكي برني ساندرز خدم ٢٤ عاماً في الكونغرس نائبا وشيخاً مستقلا عن ولاية فيرمونت، يتعاون مع زملائه في الحزب الديموقراطي في اعمال الكونغرس وقراراته. يسعى ساندرز الى الرئاسة كمرشح للحزب الديموقراطي وهو ليس فعليا منه، ويلاقي تأييداً قوياً من الرافضين، بل الحاقدين على أهل الحكم في واشنطن، ومنهم الشباب في الحزب الديموقراطي.

التمهيديتان أفرزتا للجمهوريين خمسة مرشحين رئيسيين:

1 ـ رغم فشله في تمهيدية اياوا، عاد دونالد طرامب في نيوهامبشير الى المرتبة الاولى بارتياح. جمع طرامب ثروة هائلة من الإعمار والكازينوهات، وهو طبعا رأسمالي بما للكلمة من معنى.

2 ـ تيد كروز ربح في اياوا بامتياز لكنه حل ضعيفا في المرتبة الثالثة في تمهيدية نيوهامبشير. ولد كروز في كندا من أب كوبي ووالدة أميركية وهو من المحافظين الجدد وسناتور عن ولاية تكساس. كروز معروف من اللبنانيين لانه كان ضيف الشرف لمؤتمر واشنطن «للدفاع عن مسيحيي المشرق» حين دعا المسيحيين من اجل راحة بالهم الى التعاون والتنسيق مع اسرائيل. طبعا اجبره الجمهور على مغادرة القاعة.

فرنكو روبيو، ابن مهاجرين كوبيين وسناتور عن ولاية فلوريدا، فاجأ الاستطلاعات بحلوله القوي في المرتبة الثالثة في اياوا، الا ان نيوهامبشير خذلته وحل ضعيفا في المرتبة الخامسة. روبيو ايضا من المحافظين الجدد وحصل على تأييد الشباب الجمهوريين، بينما ربح كروز بدعم «حزب الشاي» الراديكالي والانجيليين المنتشرين في اياوا.

جون كايسيغ، حاكم ولاية أوهايو وسابقا نائب ووزير للموازنة والإدارة مع جورج بوش الابن، فاز في نيوهامبشير بالمرتبة الثانية ما أعطاه المجال للمنافسة في تمهيديات مقبلة.

وضع المرشح الخامس، جيب بوش، حاكم ولاية فلوريدا سابقا، مشابه لكايسيغ. ان حلوله في نيوهامبشير رابعا أعطاه الفرصة للاستمرار الى تمهيديتي سوث كارولينا ونافادا.

الكلام عن سياسة المرشحين الشرق اوسطية يستلزم، بداية، توصيف سياسة الرئيس باراك اوباما في العام الأخير من رئاسته، مع العلم ان سياسة المرشحين من الحزبين لن تتبلور كليا قبل انتهاء الانتخابات التمهيدية وانعقاد مؤتمر كل من الحزبين في شهر آب واختيارهما مرشحيهما.

بعد إخفاقات في مبادراته المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ومصالحة الغرب مع الاسلام، والانسحاب الموعود من العراق وأفغانستان، وتأييده القوي في البداية لـ «الربيع العربي»، يبدو أن الرئيس اوباما «قرف» بالفعل من هذه المنطقة، وكل ما يريد منها ان يتقي شرها. لذلك اعاد قوات أميركية الى العراق ليضعف «داعش» ويحتويها ويمنعها من عمل ارهابي كبير ضد بلاده، او من توسع ميداني يهدد حلفاءه في المنطقة. يريد اوباما ان ينهي سنواته الثماني من دون مشاكل كبيرة، ومن دون حدث فادح كالذي حل بالرئيس جورج بوش الابن في 11 ايلول 2001. بكلام آخر، يتمنى ان ينهي إقامته في البيت الأبيض من دون تغيير في الوضع الراهن في منطقتنا، وما يقوم به وزير خارجيته يهدف الى تحقيق هذه السياسة.

ستتبع هيلاري كلينتون سياسة اوباما، وربما قامت في بداية عهدها ببعض المبادرات الصورية لتظهر الفرق عنه. الاشتراكي برني ساندرز، اليهودي المولد والذي قضى بعض سنوات شبابه في كيبوت اشتراكي في اسرائيل، سيكون اقل اهتماماً بالسياسة الخارجية فليس لديه خبرة عملية في هذا القطاع.

يعتبر دونالد طرامب حربي أفغانستان والعراق خطأً كبيراً، ولن يقدم على ارسال جيوش أميركية الى المنطقة. لذلك هو اقرب الى سياسة هيلاري كلينتون منه الى منافسيه الأربعة في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين. تيد كروز وفرنكو روبيو يحبذان الإكثار من استعمال القوة الجوية. لكن، بينما يرفض كروز التزام إرسال العسكر لمحاربة «داعش» وغيرها من المنظمات والدول التي قد تهدد أمن أميركا وحلفائها في المنطقة، يبدو روبيو اقرب الى سياسة جورج بوش الابن الوقائية التدخلية. جيب بوش وجون كايسيغ هما من المحافظين التقليديين وسياساتهما الخارجية اقرب الى سياسة جورج بوش الأب والتي تعتمد اكثر على الواقعية والديبلوماسية.

وبرغم ان الحديث عن البترول وإيران و «داعش» وحتى «حزب الله»، كان الغالب في ندوات السياسة الخارجية بين المرشحين، الا ان من ينتظر حلاً لمشاكل المنطقة يأتي من واشنطن او غيرها من العواصم الغربية بعد انتهاء ولاية الرئيس اوباما، كمَن ينتظر ظهور الشمس في منتصف الليل في منطقتنا. الحلول الفعلية، ومنها مشاكل لبنان، لن تأتي سوى من تعاون دول المنطقة بدعم دولي.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى