انتهاء دور المرجعية الدينية في رأي المالكي (فاضل رشاد)

فاضل رشاد

شعرت مرجعية النجف بالخطر من تحركات المالكي فسارع مكتب السيستاني الى إيصاد أبوابه في وجوه المسؤولين العراقيين وتلته جميع مراجع النجف في ذلك.

بدأ ظهور نجم المرجعية الدينية في النجف على وجه الخصوص، وسطوة رجال الدين وتحكمهم في جميع الامور المفصلية وغيرها في العراق بشكل عام، بعد عام 2003 الاجتياح الاميركي للارض العراقية، واسقاط اعتى وابشع دكتاتورية عرفها التاريخ المتمثلة بنظام حكم الرئيس الراحل صدام حسين وحزبه البعث الجناح العراقي.
كان لصدام ودوره القمعي الاجرامي الذي يمارسه ضد شعبه، فضل كبير اعطاه الى رجال الدين كافة، من حيث الاعدامات التي حصلت للعلماء وبطرق غامضة وفرض الاقامات الجبرية على بعض. اعطتهم الهالة الكبيرة التي يجهلها المجتمع. حتى الكثير من العامة يعتبرون رجل الدين ملماً بكل العلوم الطبية، والفيزيائية، وعلم الرياضيات فضلاً عن الفقه، ويطلقون على احد العلماء بانه عالم فلك والآخر عالم فلسفه بمعنى "الكلام" وهكذا.
ومما يثير استغرابي عند زيارتي لمكاتب المراجع في النجف لاستطلاعات الصحفية رؤيتي اشخاصاً يسألون الفقيه ما ليس له به علم. فاحدهم يطلب منه اعطاءه وصفة طبية لانه مصاب بمرض جلدي، والاخر يريد طفلاً لأنه عقيم.
هذا الغموض الذي يلف حول المرجع ومجال عمله جعل منه هالة مقدسة لدى اغلب الناس فمنهم يتساءل عما يأكل المرجع، وهل هو مثلنا. والاغرب والادهى ان عامة العراقين من المذهب الشيعي نادراً ما يقرأون لما يكتبه مراجعهم التقليديون بل يحملونهم ما ليس لهم، فالاشاعات تدور عليهم من كل ناحية طبعاً تصب لصالح رجال الدين، القلة من قراء كتاب "اقتصادنا، وفلسفتنا" للمرجع الديني اية الله محمد باقر الصدر الذي اعدمه نظام الطاغية صدام عام 1979، لكنه بسبب الضبابية التي احاطت بمقتل الصدر جعلت من كتبه يظن بها الكثيرون انها تدرس في الجامعات الغربية "هذا لا ينقص من قيمة كتب الصدر".
اخطاء صدام وتصرفاته الغير المدروسة جعلت العراق والشعب بسطوة الرجل "المعمم"، فمن لف رأسه بقماشة سوداء "سيد" من نسل الرسول الكريم، او بيضاء "شيخ" كانت له القداسة والحظوة..فهنا بمدينة النجف تاريخ الحوزة الدينية لا يشهد لرجل دين ثري او يعمل في التجارة او مؤسسات الدولة.
فرغم نمط دراستها التقليدية الملائية والمتمثلة في الدراسة الحرة والبسيطة لكن عمل رجل الدين الى اخر عهد يتمثل في الامور الشرعية والتبليغ. لكن ما نشهده في الوقت الحالي هو تدخله في كافة مفاصل الحياة، فاصبح هو "صاحب شركات مقاولات، والتاجر من استيراد وتصدير، ناهيك عن زج نفسه سياسياً والبرلمان عبارة عن عمائم سوداء وبيضاء".
اختصرت هذه المقدمة لابين بعجالة صورة نمطية عن حوزة النجف ولم اتطرق لصراعاتها فيما بينها وبين كبار المراجع، قرأت الكثير سير ومذكرات لكبار العلماء فاحدهم يتهم الآخر، وكانت مذكرات السيد الشهيد محمد باقر الصدر تعطي صورة واضحة وجليه كيف تخل علماء النجف الكبار عنه وابتعدوا حتى تركوه يصارع النظام وحده، وانا كنت من الشاهدين على سيرة السيد الصدر الثاني محمد محمد صادق الصدر وخطبه في مسجد الكوفة التي كان يتمنى ان يحضرها مراجع الدين حتى ورمت حنجرته من دعوتهم وهم آذان صماء حتى وصفهم انهم ساكتون صامتون، كـ"صمت القبور"، ولم تنتهي مرحلة الصراعات الى هذا الحد بل الان امتد صراعهم بين حوزة قم ـ والنجف.
فايران التي تتبع ولاية الفقيه تريد تجعل من حوزة النجف تحت عباءة مرشد الجمهورية الايرانية السيد علي خامنئي، لكن المرجع الديني اية الله السيد علي السيستاني يقف حائلا دون حصول ذلك، فبالرغم الاواصل والمحبة وانشداد المعممين لايران لكنهم يفسحون لايران ان تمارس هيمنتها في جميع الحقول العراقية، لكن في الوقت نفسه يمانع المراجع الاربعة التقليدين وهم (آية الله السيد علي السيستاني، وآية الله السيد محمد سعيد الحكيم، وآية الله الشيخ محمد اسحاق الفياض، وآية الله الشيخ بشير النجفي) وهؤلاء اصحاب الدراسة الفقهية التقليدية والتي تؤمن بالولاية الخاصة.
أثار المالكي حفيظة المرجع السيستاني عندما طلب من المرجع السيد محمود الشاهرودي المقيم في ايران ومؤسس حزب الدعوة الاسلامية المنتمي اليه المالكي ان يفتح مكتباً له في النجف بدعم منه.
الشاهرودي الذي حمل منصب رئيس السلطة القضائية في ايران تعتبره مرجعية النجف غير مجتهداً، لكونه لا يحمل شهادة خطية بالاجتهاد فهو يدعي انه حصل عليها من السيد محمد باقر الصدر شفويا.
وكان مكتب الشاهرودي افتتح في محافظة النجف رسمياً في (13 تشرين الاول 2011 ) بحضور ممثلين عن مراجع الدين إسحاق الفياض وبشير النجفي ومحمد سعيد الحكيم وعدد من طلبة العلوم الدينية في النجف.
وطالب السيستاني طلابه وجميع المقربين منه بعدم حضور افتتاح مكتب الشاهرودي او الدراسة لديه ومنعهم من اخذ رواتب المساعدات التي يقدمها مكتب الشاهرودي لطلبة الحوزة في النجف.
ويعتبر الشاهرودي أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية، وغادر العراق في العام 1979، إثر ملاحقته من قبل النظام السابق، وتوجه إلى إيران، بإيعاز من مؤسس الحزب محمد باقر الصدر، ليكون وكيله العام وممثله الخاص لدى الخميني.
شعرت مرجعية النجف بالخطر المحدق من تحركات المالكي حيث ان جميع اعضاء حزب الدعوة يرجعون بتقليدهم الى اية الله السيد محمد حسين فضل الله في لبنان وبعد وفاته طلب قادة الحزب ارجاع تقليدهم الى الشاهرودي فكانت رسائل خوف تدق لدى قلوب المراجع من انقلاب ابيض يحوكه المالكي اتجاهم من فتح مكتب للشاهرودي في النجف، فسارع مكتب السيستاني الى اعلان رصد ابوابه امام المسؤولين العراقيين وفي مقدمتهم امام رئيس الوزراء نوري المالكي وتلته جميع مراجع النجف باغلاق ابوابها بحجة عدم سماع المسؤلين لنصائح المرجعية واعلان تذمرها من نقص الخدمات للمواطنين وانعدام الامن.
مصادر مؤكدة من مكاتب المراجع اكدت بكلامها لي شخصيا ان المراجع فوجئوا بزيارة المالكي للنجف الاخيرة وحضوره مؤتمر المرشدين والمبلغين الذي اقامته هيئة الحج، فكانوا على امل ان يتصل مكتب المالكي بمكاتبهم لترتيب لقاءات لكنه لم يفعل ورجع الى بغداد دون لقائهم.
المرجعية التي نفسها المرشدة الروحية للعملية السياسية ولها الفضل في صعود ساسة البلد الى السلطة تجد نفسها في موقف صعب من دكتاتورية المالكي الذي انقلب وخرج من عبائتها.
المالكي وفي اعتقادي يرى ان المرجعية انتهى دورها من امور ارشادية للساسة حيث انهت اشرافها على كتابة الدستور وخروج القوات الاميركية من البلاد، فعليها الآن ان تتجه الى عملها النمطي الديني الفقهي وبناء الحوزات والجامعات الدينية لا ان ينشغل وكلاء كبار المراجع الذين ينتقدونه في خطب الجمعة باستيراد الدجاج واللحم من الخارج ويكتبون عليه باشراف مرجع.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى