انحيازات الحكومة المصرية (مصطفى اللباد)

 

مصطفى اللباد

أخرج رئيس الوزراء المصري الجديد حازم الببلاوي تشكيلته الوزارية إلى العلن، كأول حكومة مصرية بعد الإطاحة بالدكتور محمد مرسي. وتعكس التشكيلة الوزارية الجديدة موازين القوى الجديدة على الأرض في مصر، مثلما تكشف بميول شخصياتها الرئيسة عن انحيازات سياسية واقتصادية واجتماعية للتركيبة الحاكمة الجديدة.
يعكس اختيار الحكومة الجديدة تحسناً في الصورة التمثيلية للنساء، حيث يتمثلن بثلاثة مقاعد وزارية من أصل ما يزيد عن ثلاثين وزارة. وتقود المقارنة مع حكومة الدكتور مرسي، التي لم تعرف سوى وزيرتين: نادية زخاري ونجوى حسين خليل، إلى أن التحسن في الصورة وليس في المضمون بالضرورة، كان عنصراً حاكماً في الاختيار، لأن أياً منهن لم تتول وزارة سيادية أو وزارة مفصلية في مجموعة الوزارات الاقتصادية. والوزيرات في الحكومة الجديدة هن: الدكتورة ليلى راشد اسكندر، وزيرة الدولة لشؤون البيئة، والدكتورة درية شرف الدين وزيرة الإعلام، والدكتورة مها سيد زين العابدين وزيرة الصحة والسكان. وبالتوازي مع تحسن التمثيل النسبي للنساء، فهناك تحسن أوضح في التمثيل النسبي للمصريين الأقباط، مقارنة بحكومة الدكتور مرسي التي لم تعرف سوى وزيرة واحدة فقط من الأقباط هي نادية زخاري. لقد أفسحت حكومة الببلاوي ثلاثة مقاعد وزارية للوزراء الأقباط وهم: منير فخري عبد النور وزير الصناعة والتجارة، الدكتورة ليلى راشد اسكندر وزيرة الدولة لشؤون البيئة، والدكتور رمزي جورج وزير البحث العلمي. هنا يراد أيضاً إظهار فارق ما بين حكومة الدكتور مرسي التابعة لجماعة «الإخوان المسلمين» وحكومة الببلاوي المدنية، في العدد وفي الكيفية لأن وزارة الصناعة والتجارة لها بعد سياسي واضح.
ويلاحظ على تشكيلة الحكومة الجديدة أيضاً هيمنة التكنوقراط عليها، إذ يشكلون اثنين وعشرين وزيراً مقابل ثمانية وزراء بخلفيات سياسية. ويعني ذلك أن حكومة الببلاوي الانتقالية تريد تسيير الأمور وإدارتها حتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الجديدة، فتعطي الحصة الأكبر للخبرات الإدارية وليس للانتماء السياسي. ربما يكون ذلك مفهوماً، خصوصاً أن الحكومة الجديدة غير منبثقة عن انتخابات برلمانية، بحيث تعكس تمثيل الأحزاب الفائزة فيها. وربما أيضاً يريد الرئيس المؤقت ومن خلفه المؤسسة العسكرية، تأجيل الصراعات السياسية على المقاعد الوزارية لفترة قادمة، خصوصاً أن أولويات الاقتصاد والأمن تتصدران عملها. ومع ذلك يبقى للتمثيل السياسي في التشكيلة الوزارية دلالات لا تخطئ عن توازنات القوى الجديدة في مصر، إذ أن تقليب النظر في الأسماء يعطي مؤشرات واضحة في هذا الاتجاه. ينقسم الوزراء السياسيون الثمانية إلى خمسة من «جبهة الإنقاذ» التي قادت المعركة السياسية ضد حكم «الإخوان المسلمين»، وثلاثة من المحسوبين على نظام حسني مبارك. وزراء جبهة الإنقاذ هم: زياد بهاء الدين من الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، وأحمد البرعي من حزب الدستور، ومنير فخري عبد النور القيادي الوفدي وليس آخراً القياديان الناصريان حسام عيسى وكمال أبو عيطة. أما الوزراء المحسوبون على النظام السابق فهم: درية شرف الدين وزيرة الإعلام، والعضو السابق في لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، وعادل لبيب، وزير التنمية المحلية، وهو محافظ سابق إبان عهد مبارك، وأحمد جلال وزير المالية، والقريب من نجل الرئيس المخلوع جمال مبارك.
يعد حازم الببلاوي رئيس الوزراء شخصية اقتصادية مشهود لها بالكفاءة والخبرة، حيث تقلب في مناصب استشارية لعدد من المؤسسات المالية الدولية والعربية. يتبنى الببلاوي الليبرالية الاقتصادية بوضوح كبير، سبق وأن عيّن نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للمال في العام 2011 خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك. أما زياد بهاء الدين، وزير التعاون الدولي ونائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية، فيتبنى الليبرالية الاقتصادية مثل رئيس الوزراء، ولكن مع بعد اجتماعي نسبي تشي به عضويته في الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي. لبهاء الدين دور كبير فى إعداد حزمة القوانين الاقتصادية التى صدرت فى السنوات الأخيرة لتحرير الأسواق، وكان الرئيس التنفيذي لمجلس إدارة الهيئة العامة المصرية للاستثمار والمناطق الحرة خلال الفترة من العام 2004 وحتى العام 2010. ويعتبر منير فخري عبد النور وزير الصناعة والتجارة، وجهاً سياسياً واقتصادياً معروفاً، وله نشاطات تجارية واسعة ويتبنى المنهج الليبرالي في مقاربته للاقتصاد. عيّن عبد النور وزيرًا للسياحة في حكومة أحمد شفيق التي تلت سقوط الرئيس الأسبق مبارك مباشرة, واستمر في وزارات المرحلة الانتقالية عصام شرف وكمال الجنزوري، ولكنه امتنع عن قبول الوزارة في حكومة الدكتور محمد مرسي. العضو الرابع في المجموعة الاقتصادية هو أحمد محمود جلال، وزير المالية.
تتجلى أولويات المجموعة الاقتصادية في وزارة الببلاوي، كما يبدو من تشكيلها ومن الأفكار الحاكمة في عملية الاختيار، في تحسين الجدارة الائتمانية لمصر بعد تدهورها الشديد في عصر محمد مرسي، وذلك عبر اتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بقيمة 4,8 مليارات دولار. صحيح أن هذا القرض لن ينعش الأحوال الاقتصادية في مصر، أو حتى يخرجها من أزمتها الاقتصادية، إلا أنه يبقى مع ذلك هدفاً كبيراً تسعى الحكومة إليه لتحسين الجدارة الائتمانية المصرية وفتح أبواب المصارف والمؤسسات المالية العالمية أمام مصر مرة أخرى. وبخلاف تحسين الجدارة الائتمانية فهناك مهام أخرى تتمثل في علاج العجز بالموازنة العامة للدولة، وزيادة احتياطي النقد الأجنبي الذي تدهور من حوالي 35 مليار دولار يوم تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى 16 ملياراً فقط يوم عزل الرئيس السابق محمد مرسي. وكذلك الحد من التضخم ومكافحة البطالة، وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية، ورفع معدلات السياحة. ومن المتوقع أن تتمكن الحكومة الجديدة بسبب حزمة المساعدات الخليجية المعلن عنها بقيمة اثني عشر مليار دولار من تحسين نسبي في الأوضاع المعيشية للمصريين خلال المرحلة الانتقالية القادمة.
يدشن تشكيل الحكومة الجديدة الدخول في مرحلة تضارب الأولويات، بعد الإطاحة بحكم الدكتور مرسي. فمن ناحية يضغط العامل الاقتصادي على صانع القرار فيريد التصدي بالأدوات الليبرالية كأولوية للحكومة الانتقالية، في حين تعد العدالة الاجتماعية قيمة مؤسسة للموجتين الثوريتين في «25 يناير» و«30 يونيو»، بنص شعاراتهما. كان غياب العدالة الاجتماعية سبباً مركزياً لسقوط حكمي حسني مبارك ومحمد مرسي، ولا يبدو من تشكيلة وزراء المجموعة الاقتصادية أن هذه القيمة المؤسسة وجدت انعكاسها في اختيار الوزراء. ومن ناحية أخرى تُضعف مشاركة الوزراء المحسوبين على نظام مبارك المشروعية الأخلاقية للحكومة الجديدة كبديل ديموقراطي وثوري لحكم «الإخوان المسلمين»، ما يؤشر إلى مرحلة انتقالية ليست مشجعة بالضرورة!


صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى