انسحابٌ من مناطق وتثبيتٌ في أخرى: «إعادة انتشار» أميركية في شرق الفرات

 

تغيب أيُّ بوادر اهتمام لدى الإدارة الأميركية الجديدة بالملفّ السوري، الذي لم يتشكّل إلى الآن الفريق المعنيّ به، وهو ما يرجّح ربطه كملحق، مثلما كان متوقّعاً، بالملفَّين التركي والإيراني. وفي ظلّ غياب معالم سياسة واضحة لدى إدارة جو بايدن حيال سوريا، تُسجّل التحرّكات الأميركية الميدانية في هذا البلد تناقضاً كبيراً، ما بين الانسحاب من نقاط محدّدة، أو العمل على إنشاء نقاط وقواعد جديدة غير شرعية في سوريا. فبعد أقلّ من يومين على انسحاب رتل أميركي بمعدّاته الكاملة من نقطة مستحدثة في منطقة تلّ علو في ريف اليعربية شمال شرق محافظة الحسكة، استكملت واشنطن إدخال الأرتال العسكرية في تحضيرات لبناء قاعدة لها في قرية عين ديوار في ريف المالكية. وعلى رغم ما يوحي به ذلك التناقض من حالة تخبّط تعيشها واشنطن، إلا أنه قد يكون تجلّياً لعملية «إعادة انتشار»، تُمهّد لرسم خطوط الاستراتيجية الأميركية لاحقاً.

وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر، لـ»الأخبار»، أن «تحرّكات لافتة تشهدها منطقة عين ديوار على مثلّث الحدود السوري – التركي – العراقي، مع نقل معدّات لوجستية وعسكرية إلى المنطقة». وتقدّر المصادر أن «التحالف يعتزم نقل جزء من قواته الموجودة بالقرب من مناطق انتشار النفط في رميلان والشدادي، باتجاه قاعدة جديدة في عين ديوار»، وذلك تطبيقاً لقرار «البنتاغون» وقف «حماية» المنشآت النفطية في سوريا. وتضيف أن «الأميركيين يريدون استثمار الموقع الجغرافي لعين ديوار المطلّ على مرتفع يشرف على مساحات واسعة من الحدود السورية مع تركيا والعراق، لتحويله إلى قاعدة جديدة لهم في المنطقة».

ويأتي هذا التحرّك الأميركي بعد عدّة محاولات روسية لإنشاء قاعدة عسكرية في منطقتَي عين ديوار ودير غصن في ريف المالكية، بهدف الوصول إلى مناطق انتشار النفط في الحسكة. آنذاك، حرّضت «قسد» أنصارها على التظاهر ضدّ الوجود الروسي في مناطقهم، ونجحت في منع أيّ تمركز روسي هناك، خوفاً من أن يفضي ذلك إلى عودة تدريجية للحكومة السورية. من هنا، قد يُفهَم اختيار الأميركيين لمنطقة عين ديوار على أنه لقطع الطريق أمام موسكو للتمدّد باتجاه مناطق النفط الاستراتيجية، وللحفاظ على الوجود الأميركي لأهداف من المتوقَّع أن تعلنها لاحقاً الإدارة الجديدة.

في هذا الوقت، أفادت مصادر حكومية سورية، في تصريح إلى «الأخبار»، بأن «ميليشيا قسد استولت بالقوة على المطاحن الحكومية في مدينتَي الحسكة والقامشلي، ونهبت محتوياتها من الدقيق والنخالة والمحرّكات الكهربائية». وأضافت المصادر أن «عناصر الميليشيا استولوا أيضاً على مرأب مؤسّسة الحبوب، وسرقوا الآليات والمعدّات، وأجبروا العاملين على العمل معهم تحت تهديد الخطف والاعتقال». يأتي ذلك في وقت أكد فيه مصدر سوري في الحسكة، لـ»الأخبار»، أن «قسد تستمرّ في اختطاف 121 عسكرياً ومدنياً في مدينتَي الحسكة والقامشلي، على رغم الإعلان عن تفاهم برعاية روسية لفكّ الحصار عن المدينتين، من ضمن بنوده الإفراج عن المختطفين».

وتبرز هذه التطوّرات بعد أيام قليلة على سريان معلومات عن توصّل ممثلين عن «قسد» وآخرين عن الحكومة السورية الى تفاهمات أوّلية خلال اجتماعات في العاصمة دمشق، برعاية روسية. ولعلّ «قسد» تريد، من وراء تلك التصرّفات، التأكيد أنها لا تزال قادرة على الإمساك بزمام الأمور في شمال شرق سوريا، باستمرار الدعم الأميركي أو غيابه. كما أن تصعيدها الأخير، عبر الاستيلاء على مؤسّسات حكومية، تريد استثماره لرفع سقف مطالبها في المفاوضات، في ظلّ تسريبات عن طلب موسكو من «قسد» إعداد وفد من قياداتها للتوجُّه إلى دمشق، واستئناف الحوار مع الحكومة.

صخيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى