انسحاب حداد عادل يطلق شرارة الحسم: احتدام السباق الرئاسي الإيراني (مصطفى اللباد)

 

مصطفى اللباد

كما توقعت «السفير» بالأمس، بدأت انسحابات المرشحين من السباق الرئاسي في إيران، بغرض ترسيخ تحالفات وقطعا للطريق على منافسين، إذ أعلن المرشح المحافظ الأصولي غلام علي حداد عادل انسحابه من السباق، ترسيخاً لوحدة الصف الأصولي المحافظ.
وخاطب حداد عادل الناخبين قائلاً: «يجب على المصوتين وضع معايير المرشد عند التصويت لمصلحة مرشح ما»، في إشارة واضحة إلى مرشحي «التحالف الثلاثي» محمد باقر قاليباف وعلي أكبر ولايتي. وكان حداد عادل وولايتي وقاليباف قد عقدوا تحالفاً انتخابيا قبل بدء الانتخابات، سمي في وسائل الإعلام باسم «التحالف الثلاثي»، بمقتضاه ينسحب مرشحان من هذا التحالف لمصلحة الأوفر حظاً منعا لتفتيت الأصوات المحافظة.
وبهذا الانسحاب يكون حداد عادل قد أوفى بوعده، إذ لم يعطه أي استطلاع للرأي في الفترة الأخيرة أفضلية أو حتى تقدما في السباق؛ بحيث يحل في النصف الأول منه. ويشكل انسحاب حداد عادل ضغطاً قوياً على شريكيه قاليباف وولايتي لكي يقوم أحدهما بالخطوة نفسها، وهي خطوة سيكون لها تداعيات مهمة على السباق والمتسابقين، لأنها ستعزز كثيرا من فرص مرشح «التحالف الثلاثي» في مواجهة كل من الوسطي حسن روحاني والراديكالي سعيد جليلي.
وبالرغم من هذه البديهة، يبدو أن انسحاب أي من قاليباف وولايتي لمصلحة الآخر سيكون على قدر كبير من الصعوبة، بسبب توالي المؤشرات التي تصب في خانة كليهما. ففي حين أظهر استطلاع رأي أجرته شركة خاصة على عينة من ألف مواطن إيراني عبر الهاتف أن قاليباف يحظى بتأييد 39% من أفراد العينة المستطلعة، في مقابل 57% لم يحسموا أمرهم بعد، يتوالى تأييد الجمعيات والمؤسسات المحافظة لمصلحة ولايتي.
وفي هذا السياق نشر 160 من اعضاء البرلمان الإيراني عريضة تحمل توقيعاتهم تأييداً لعلي أكبر ولايتي. كما أعلنت «جمعية مدرسي الحوزة العلمية في قم»، وهي مؤسسة محافظة لها تأثير انتخابي كبير، عن دعمها للمرشح علي أكبر ولايتي. ويضاف هذا التأييد إلى دعم معلن سابق لجمعية «مؤتلفة» الدينية، صاحبة النفوذ الواسع في البازار عن ذات الاتجاه، في حين لم تبد «جمعية روحانيت مبارز» المحافظة حتى الان دعمها الواضح لأي من ولايتي أو قاليباف.
ويعني ذلك أن تأخر كل من قاليباف وولايتي في الإعلان عن الانسحاب لمصلحة الشريك الآخر في «التحالف الثلاثي» له مبرراته الشعبية في حالة قاليباف، والمؤسساتية في حالة ولايتي. بمعنى آخر يمتلك قاليباف شعبية غير منكورة وحضورا شخصيا ومظهرا شبابيا يخاطب الرجال والنساء الإيرانيين، ولكنه لا يملك بالضرورة حكمة ولايتي في إدارة الملفات الخارجية المعقدة والمتشعبة، وهي الاستحقاق الأهم لأي رئيس قادم في إيران، ولا يملك أيضاً ذات القرب من المرشد. وبالمقابل يحظى ولايتي بدعم مؤسساتي واضح، وربما تنقصه إطلالة قاليباف وتأثيرها على الناخبين وخصوصا الشباب منهم.
وتشير الشواهد إلى أن القرار مع صعوبته سيتخذ في الأيام القليلة المقبلة، لأن استمرار «التحالف الثلاثي» بمرشحين اثنين سيضعف كليهما في المنافسة الضارية المتوقعة مع المرشح الراديكالي سعيد جليلي على اليمين، والمرشح الوسطي حسن روحاني على اليسار.
وكان ولايتي قد شن هجوماً لاذعاً على المرشح الراديكالي سعيد جليلي، اتهمه بعدم التدبير في الملف النووي باعتباره كبير المفاوضين الإيرانيين، وبتسببه في تحميل إيران عقوبات اقتصادية غير مبررة تفاوضياً بالضرورة. هنا لا يمكن النظر إلى الأمر بوصفه سجالا انتخابيا فحسب، وإنما لأن خبرات ولايتي التفاوضية (ستة عشر عاماً في منصب وزير الخارجية) وقربه من المرشد، يعني أن تقدير ولايتي لأداء جليلي التفاوضي له تبعاته المحتملة.
على الجهة المقابلة، نفى مجلس «صيانة الدستور»، الذي يقرر صلاحية المرشحين، بالأمس أنباء تناقلتها وسائل إعلام إيرانية مثل «وكالة أنباء فارس» القريبة من مؤسسة الحرس الثوري، و«وكالة مهر للأنباء» أن المجلس بصدد رد صلاحية المرشح الوسطي حسن روحاني، على خلفية المناظرة التلفزيونية الثالثة الخاصة بالملف النووي والسياسة الخارجية، والتي انتقد خلالها أداء المفاوض الإيراني سعيد جليلي وعدم قدرته على منع العقوبات عن إيران، واعتبرها البعض انها بمثابة افشاء لـ«أسرار دولة».
وبالتوازي مع النفي، يبدو أن شائعة رد الصلاحية عن روحاني قد بثت زخما في حملة روحاني الانتخابية، وهو ما ظهر واضحاً في جولاته بالأمس وفي الأعداد الكبيرة من الإيرانيين التي قصدت مؤتمراته الانتخابية في طهران. وكان لافتا أن غلام حسين كرباسجي زعيم حزب «كوادر البناء» الإصلاحي، قد أعلن تأييده لروحاني الوسطي.
وأدى هذا الزخم الجديد، بالتوازي مع انسحاب حداد عادل من السباق إلى زيادة الضغط على الرئيسين السابقين محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني لإعلان دعمهما بوضوح لأي من المرشحين غير المحافظين (روحاني وعارف). وفي هذا السياق أعلن حجة الإسلام جعفر فخر أذر، مدير الحملة الانتخابية لروحاني، أن المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف قد انسحب من السباق لمصلحة روحاني. وسرعان ما جاء رد المعسكر الإصلاحي، حيث أعلن عارف بنفسه أنه «باق في السباق حتى النهاية»، وهو ما قد يعقد التحالف الوسطي-الإصلاحي المرتقب. وعلى الرغم من أن المفاضلة بين محمد رضا عارف المرشح الإصلاحي أو حسن روحاني المرشح الوسطي، ليست سهلة إلا أنها ليست على ذات القدر من الصعوبة في حالة قاليباف وولايتي.
وبالمحصلة يبدو حسن روحاني متقدماً بوضوح على محمد رضا عارف في استطلاعات الرأي، مثلما ظهر في الأداء التليفزيوني بالمناظرات الثلاث التي جرت بين المرشحين الثمانية.
ربما يمكن تفسير الإحجام الذي أظهره خاتمي ورفسنجاني عن تأييد مرشح بعينه، بجملة من الأسباب. أولها عدم الكشف عن أوراقهما مبكراً، خصوصاً أن إظهار التأييد سيكون له أثمان سياسية في حال فاز المحافظون بالانتخابات. ثاني الأسباب يتلخص في عدم رغبة الرئيسين السابقين في استنفار «التحالف الثلاثي» ليستقر على مرشح واحد، في مواجهة مرشح واحد للكتلة الوسطية ــ الإصلاحية. أما ثالث الأسباب فيتعلق بكون الكتلة الأخيرة غير متجانسة كثيرا أو موحدة فكريا، ولذلك فمن الطبيعي أن يدعم خاتمي المرشح الإصلاحي عارف، وأن يدعم رفسنجاني المرشح الوسطي روحاني.
ولكن التجربة الماضية في الأسابيع الأخيرة أظهرت إمكانية حدوث توافق على مرشح واحد، حيث أعلن خاتمي في وقت سابق تأييده لرفسنجاني على الرغم من ترشح عارف، وذلك قبل أن يحجب مجلس «صيانة الدستور» هاشمي رفسنجاني عن السباق. وتسري تكهنات بأن الأمر سيحسم خلال اليوم الثلاثاء، لجهة إعلان مرشحهما، روحاني أم عارف. وفي حال تم التوصل إلى اتفاق بين الرجلين بهذا الخصوص، تتوقع «السفير» أن يستمر روحاني في السباق الانتخابي، وأن يكون عارف هو الطرف المنسحب لتعزيز فرص تيار الوسط وقطع الطريق على المحافظين لتولي الرئاسة بسهولة نسبية.
وخارج المعسكرين يبدو نشاط ملحوظ في حملة المرشح المستقل محسن رضائي في المدن الإيرانية المختلفة، والذي رشحه استطلاع الرأي السابق ذكره ليحصد كتلة معتبرة من أصوات الإيرانيين في الريف. أما المرشح الراديكالي سعيد جليلي فقد حل وفقاً لذات الاستطلاع ثالثاً بفارق كبير عن قاليباف الذي حل أولاً. بقطع النظر عن دقة الاستطلاع ــ خصوصا أنه أجري بالهاتف على عينة قليلة نسبياً ولم تنشر تركيبتها العمرية والجندرية والمناطقية بشكل مفصل ، يبدو أن تقديرات «السفير» بخصوص النصف الأول من السباق مازالت على حالها (قاليباف، ولايتي، روحاني وجليلي)، وأن النصف الثاني أصبح مشتملاً على ثلاثة مرشحين فقط بعد انسحاب حداد عادل (محمد رضا عارف ومحسن رضائي ومحمد غرضي). في حال تأكدت نتائج استطلاع الرأي السابق باستطلاع آخر غدا، ربما يمكن تعديل وضعية المرشح المستقل محسن رضائي، ولكن حتى ذلك الحين يبدو تقدير الأوزان السابق سارياً.

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى