نوافذ

انشغال

اليمامة كوسى

منذ أن بدأت العمل في المشفى وأنا أحاول أن أكتب عدة أسطر متتالية دون جدوى، حاولت أن أدرّب نفسي على الكتابة في أماكن وأوقات مختلفة عن التي كنت معتادة عليها إلا أنّ صديقي الإلهام قرّر أن يكون عنيداً بما يكفي لكي يمنعني من كتابة أي سطر مهما كان بسيطاً.

ورغم أنني ألاقي في يومي الكثير من الأحداث والأشخاص والتفاصيل التي يمكن أن أكتب عنها إلّا أنني أجد نفسي عند المساء أوقظ مفكّرتي النائمة ببرود لأقول لها: عودي لنومك عزيزتي؛ لا يوجد ما تستيقظين لأجله!

أفكر في أنّ ذلك الأمر عائد لتأرجح نظام حياتي هذه الفترة، فبعد دخولي للمشفى وجدت حياة جديدة كليّاً لا تشبه أيّ من الذي ألفته، هناك عالم آخر أُضيف إلى عوالمي العديدة. نعم أنا أعيش في عدّة عوالم، لديّ عالمي الذي أعيشه في البيت مع أهلي وإخوتي في ظلال أحاديثنا ونقاشاتنا التي لا تنتهي، ولديّ عالمي الذي أعيشهُ أمام شاشة اللابتوب وأنا أتنقّل من بحث لآخر بين جداول وإحصاءات المقالات العلميّة المختلفة، ولديّ عالمٌ آخر خاص بالطبّ أقلّب أخباره ومعلوماته بين صفحات محاضراتي وكتبي، ولديّ عالمٌ آخر أجلسُ فيه بهدوء وأنا أدندن كلمات أغانيّ المفضّلة، كما لديّ عالمي الأدبيّ الذي أغرق فيه بين الاستعارات والتشابيه الفريدة وأعيد قراءتها مرّات ومرّات.

يبدو أنّ العالم الذي في المشفى يحاول أن يثبت نفسه الآن لذلك عليّ أن أعطيه الوقت اللازم لكي يرتّب نفسه ويتآلف مع عوالمي الأخرى، إنّ ذلك بحاجة لمجهود إضافي ولا شكّ إلّا أنني سعيدة بعالمي الجديد وأريدُ لهُ أن يكون بأبهى حُلَلِه. ذلك العالم مليء بالعمليّة التي تختلف تماماً عمّا كُنّا ندرسه في المقرّرات فشتّان ما بين أعراض مرض مصفوفة في سطور مرقّمة على صفحات محاضرة ما وما بين أعراضه ذاته داخل جسدٍ عليل ينبض بالحياة ويتشبّث بها.

للحقيقة لستُ مستاءة من انشغالي بالعالم الجديد الذي أبنيه لكنني بالمقابل لا أستطيع إخفاء اشتياقي لكتابة ما أحبّ بالشكل الذي أحبّ، ولأنني أؤمن بمقدرة الوقت على فعل ما يعجز عن فعله ما سواه فأنا على ثقة بأنّني سأعود لتوازني بعد مدّة وأعود بقوّة إلى عالمي الأدبيّ الفسيح الذي لا أستطيع التخلّي عنه أبداً.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى