انطلاق عمليات التجنيد في الشمال السوري: حيّ على الجهاد في أوكرانيا
بخُطى متسارعة، تتابع فصائل عدّة في الشمال السوري عمليات حشد المقاتلين وتجهيزهم لإرسالهم إلى أوكرانيا، عبر تركيا، بطرق مختلفة، بعضها عن طريق عقودِ عمل على غرار ما جرى سابقاً عند إرسال مقاتلين إلى ليبيا وآذربيجان، وبعضها الآخر، وهو الأبرز، من خلال تحويل أوكرانيا إلى «وُجهة للجهاد العالمي». ويأتي هذا التحشيد لتحقيق مكاسب لأطراف عديدة، سواءً منها حلف «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة التي تحاول إعادة إحياء المشهد الأفغاني، أو تركيا التي تجد الفرصة سانحة للتخلّص من آلاف «الجهاديين» الذين مرّرتهم خلال سنوات الحرب إلى سوريا، أو حتى أبو محمد الجولاني (زعيم هيئة تحرير الشام – جبهة النصرة) الذي يلفي بدوره الفرصة مواتية للتخلّص من بقايا الفصائل التي كانت تزاحمه للسيطرة على مناطق انتشاره في الشمال والشمال الغربي من سوريا.
مصادر معارضة أكدت، إلى «الأخبار»، افتتاح مراكز تجنيد عديدة في ريفَي حلب الشمالي والغربي، بالإضافة إلى مراكز محدّدة في ريف إدلب، حيث جرى تجهيز عقود عمل مماثلة للعقود التي أُبرمت خلال عمليات شحن المقاتلين وإرسالهم إلى ليبيا وآذربيجان، مع الأخذ بعين الاعتبار زيادة المقابل المادي لهؤلاء اليوم. وتفاوتت الأجور المعروضة عليهم، وفق المصادر، ما بين نحو 1500 دولار للمقاتلين العاديين، ونحو 3 آلاف دولار لـ«القادة» والخبراء في عمليات التلغيم والتفخيخ والقناصة والمدرّبين على استخدام مضادّات الطيران ومضادات الدروع. كما تمّ تخصيص عمولات للعاملين في مكاتب التجنيد مقابل كلّ توقيع.
ولفتت المصادر إلى أنّ هذه المبالغ التي تُعتبر كبيرة، مقارنة بالأجور التي يتقاضاها المقاتلون في صفوف الفصائل التابعة لتركيا داخل سوريا، والتي تُعطى بالليرة التركية ولا تتجاوز في كثير من الأحيان الـ100 دولار أميركي، فضلاً عن أنّ تسليمها يتأخّر لشهور عديدة، شكّلت عنصر جذب للمقاتلين، في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمعيشية الكبيرة التي تعيشها تلك المناطق، وسط حالة الاقتتال والمزاحمة الفصائلية على السيطرة على معابر التهريب. واللافت في العقود التي يتمّ توقيعها في ريف حلب، قبول المكاتب، التي تعمل بإشراف تركي مباشر، جميع المتقدّمين مِمّن يتمتّعون بصحة جسدية جيّدة، بغضّ النظر عن وجود خبرات قتالية سابقة وحتى من دون تحديد شرط واضح للعمر، ما يفتح الباب أمام احتمال تجنيد الأطفال والقصّر. وإضافة إلى المبالغ المالية الكبيرة التي عُرضت على المقاتلين، ذكرت المصادر أن عمليات ترويج غير مباشرة تجري أيضاً لاعتبار هذه العقود «بوّابة مضمونة ومدفوعة الأجر للوصول إلى أوروبا»، عوضاً عن طرق التهريب الأخرى المكلفة والخطيرة.
وفي وقت تُقدَّم فيه جميع التسهيلات الممكنة لتجنيد مقاتلين في ريف حلب، يبدو الوضع مختلفاً إلى حدّ ما في إدلب التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام»، حيث منعت «الهيئة» عمليات تسجيل أيّ من مقاتليها في تلك القوائم، في حين دفعت بشكل كبير نحو تسجيل «الجهاديين» غير السوريين من الفصائل الأخرى، والذين أنذرتهم خلال الفترة الماضية لإخلاء منازلهم، كما تركت الباب مفتوحاً من دون قيود للأفراد غير المنضوين في صفوفها من السوريين. وبالتوازي مع الضغوط المستمرّة على هؤلاء «الجهاديين»، كثّفت حسابات «جهادية» على مواقع التواصل الاجتماعي تداول فتاوى تحضّ على القتال في أوكرانيا تحت مسمّى «الجهاد»، أبرزها فتوى سابقة للمنظر «الجهادي» السعودي المعتقَل في السعودية، سليمان العلوان، الذي أباح «القتال مع دولة كافرة ضدّ دولة كافرة»، والذي يَعتبر في فتواه أنه «إذا لم توجد راية شرعية قادرة على النكاية بالعدو، فلا حرج من القتال تحت راية ذلك الحاكم الكافر، ولا سيما إذا دعت إلى ذلك المصالح العامة».
وتأتي ذلك في وقت يستكمل فيه الجولاني عملية إعادة هيكلة قواته في مناطق سيطرته بإشراف تركي، في انتظار الفرصة المناسبة للتمدّد إلى مناطق ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها فصائل عدّة، في ظلّ حالة الفوضى الكبيرة التي تعيشها تلك المناطق. والظاهر أن الحرب في أوكرانيا، وعمليات تجنيد المقاتلين والتخلّص من «الجهاديين» الذين كانوا يؤرّقون الجولاني، ستسرّع من وتيرة هذا التمدّد، ما سيصبّ بمجمله في مصلحة تركيا، التي ستتخلّص من عبء المقاتلين الموالين لها، وتحصّن حدودها الجنوبية مع سوريا بفصيل متماسك منصاع لها ومقبول أميركياً من جهة، كما ستنقل الصراع «الجهادي» الذي تتحكّم بمفاصله إلى مواجهة روسيا في أوروبا بمباركة من حلفائها في «الناتو».