انعكاس الصراع في سوريا على الأوضاع اللبنانية (عصام خليفة)

 


عصام خليفة

اذا كانت سوريا مفتاح آسيا كما قال نابوليون، واذا كانت ـ كما قال Birot et Dresch ـ ملتقى القارات والبحار، واذا كان تعـلق السـوريين بالوحـدة اكثر من أي قطر عربي آخر لأنهم القطر العربي الأكثر تجزئة كما قال ارنولد توينبي، واذا كانت سوريا ــ بحسب الكثير من الديبلوماسيين ــ قلب المسألة الشرقية، فان ما يجري فيها، في هذه الايام، سيكون له تأثيره الأكبر في المشرق العربي بأجمعه، لا بل على مجمل العالمين العربي والاسلامي. ذلك ان الموقع الاستراتيجي الهام لهذه البلاد، على ابواب الدول المشرقية النفطية (ايران، العراق، دول الخـليج)، وعلى المجال البري الواصل بين منابع النـفط ومـوانئ البحر المتوسط، يجعلها مؤهلة لان تكون «قاعدة وثوبا» لتهديد الدول النفطية او «خـطاً امامياً» للدفاع عنها، مما يجبر مالكي الـنفط وحلفاءَهـم وخـصومهم على التنافس في مضمار التأثير في الأقطار السورية، بغية دفعها نحو تبني سياسات داخلية وخارجية تخدم الاستراتيجيات العالمية، الخاصة بالدفاع عن منابع النفط وخطوط امداداته او التعرض لها ــ كما يؤكد احد الباحثين ـ وقد اختصر احد التقارير الديبلوماسية الفرنسية، في مطلع القرن العشرين، اهمية سورية بالقول: «مهما كانت مرامي الدول العظمى حيال «تركيا»، تبقى هذه الدول متفقة على الاعتراف بان «سورية»، من خلال موقعها الاستراتيجي والجغرافي، هي النقطة الأكثر اهمية في الامبراطورية العثمانية. ان طريق «الهند» الطويل وطريق «آسية» الكبير، سوف يقرران مصير العالم».
اذا كان الامر كذلك، فان الزلزال الحاصل في الداخل السوري لا يؤثر فقط في الجار التوأم لبنان، وانما ستكون له على الاقل التداعيات الخطيرة المباشرة على المستطيل الجغراسي الكبير من قلب الاناضول الى المحيط الهندي.
في ندوتنا، اليوم، سنتوقف عند انعكاس الصراع في سوريا على الاوضاع اللبنانية؟! وسنركز في ندوتنا باختصار على محاور عدة:
المحور الجيوبوليتيكي والمحور الامني والعسكري والمحور الاقتصادي والاجتماعي والديموغرافي والمحور السياسي.
والاسئلة التي نطرحها حول هذه المحاور تنطلق من فرضية اولية هي احتمال استمرار الصراع الدموي في المرحلة القادمة.
وقبل طرح اسئلتنا نرى من الواجب ايراد بعض الملاحظات الاولية:
1- اننا منحازون دون تردد الى حق الشعب السوري بالحرية والديموقراطية، ضد كل اشكال الاستبداد والقمع.
2- اننا نعتقد ان «الربيع العربي» هو ظاهرة تحمل توق الانسان العربي الى التحرر، وان ثمة صراعاً، داخل هذه الظاهرة، بين قوى مختلفة. وبين هذه القوى نحن منحازون الى التيارات الداعية الى علمنة الدولة والمجتمع والتربية والثقافة. التيارات التي تحترم التعدد في المجتمع والحريات العامة وحقوق الانسان الساعية الى قيام دولة القانون والمؤسسات. ومن الخطأ اختزال «الربيع العربي» الحالي بانه يؤدي حتماً الى صعود القوى الدينية الاصولية. ان النظرة التاريخية الثاقبة تحملنا على ملاحظة الصراع المحتدم داخل مجمل المجتمعات العربية.
3- ان اسرائيل لها مخططات لتفتيت الدول العربية وفي طليعتها سوريا ولبنان وسائر دول المشرق العربي ومصر، ولكن ليس من المحتم ان تنجح مثل هذه السياسات، اذا توفرت القيادات الوطنية المستشرفة لخطورة مثل هذه المخططات.
4- ان الدولة الايرانية يتعاظم دورها وتأثيرها بشكل بارز وبالمقابل ثمة تدخل تركي وخليجي واضح، اضافة الى اهمية الموقف الروسي وتشدده بمقابل تردد في السياسات الاميركية، ومواقف غير حاسمة من قبل الدول الاوروبية.

 اسئلة لا بد من طرحها:

ازاء تصاعد العنف المجنون في مختلف المناطق السورية وازاء التصاعد المستمر في عدد القتلى (100 الف) والمخطوفين (150 الفاً)، والمهجّرين (فوق المليون الى الخارج، وفوق الثلاثة ملايين في الداخل). وازاء تصاعد التدمير المنهجي للمدن (دمشق، حمص، حلب، حماه، درعا، دير الزور وغيرها…) وازاء الشلل الحاصل في الاقتصاد (تدمير المصانع وبخاصة مصانع حلب بما يوازي خسارة 50 مليار دولار)، وتعطيل الزراعة والتجارة والنقل وتخريب مؤسسات الدولة ومرافقها ونهب اربعة متاحف والعديد من المواقع الاثرية وحرق ونهب مساجد تاريخية ومكتبات واسواق وحمامات وما اليها، جدير بنا ان نطرح اسئلة كثيرة بالنسبة لانعكاس كل ذلك على لبنان، ومن ابرز هذه الاسئلة:
1- ما هي نتائج تغيير النظام في سوريا ـ اذا حصل ـ على تسليح «حزب الله» وعلى العلاقات مع سائر مكونات المجتمع اللبناني؟ وهل سيعترف النظام الجديد بترسيم الحدود، وتوقيع محضر مع لبنان على لبنانية مزارع شبعا؟ هل تبقى الحدود هي عينها في مرحلة التحول القادمة؟ هل سيستمر التدخل السوري التفصيلي في شؤون لبنان وشجونه؟ وبالمقابل هل سينعكس هذا التغيير على «حزب الله» ليصبح اكثر مرونة فيخفف من تشبثه بمنظومته العسكرية المستقلة وينضوي في المنظومة الدفاعية للدولة والمجتمع اللبنانيين؟ وبالمقابل ماذا سيكون وضع سلاح الجماعات الاسلامية الاصولية الأخرى؟ ثم الا تتوسع عدوى السلاح الى جماعات مسيحية تشعر بالخوف وبضرورة الامن الذاتي؟ وهل ان الرد على ذلك يكون بتخفيض عديد الجيش من 80 ألفاً الى 60 ألفاً ام بزيادته الى 150 الفاً كحد أدنى، مع تأمين كل العتاد الذي يكفل سيادة الدولة اللبنانية ووحدتها واستقلالها؟
2- في حال حصول تفتت للوضع السوري ـ بما يشبه الصوملة ـ اليس من المحتم ان ينعكس هذا التفتت وهذه الصوملة على الوضع اللبناني؟ ما هي الجغرافية التي سيحاول فرقاء الصراع الحاقها باماراتهم الهجينة؟ وماذا سيكون موقف الدول الكبرى؟ وهل ستسمح هذه القوى باندلاع الفوضى الكبرى على ابواب النفط وعلى حدود اسرائيل؟
3- هل ستطرح القوى الثائرة في سوريا نظاماً ديموقراطياً يحترم التعدد والحريات العامة والخاصة ويرتكز على العدالة ـ مع العلم ان البرنامج المقر نظرياً من قبل الائتلاف لا يحملنا على القلق – ؟ ام ستستطيع قوى دينية في هذه الثورة فرض العودة لاحقاً الى الشريعة الاسلامية بمفهومـها المتـشدد؟ وما هو رد فعل المسيحيين في سوريا وماذا سيكون موقف العلويين والدروز والاسماعيلـيين وسائر الاقليات التاريخية الموجودة في هذه المنطقة منذ مئات السنين؟
4- اذا اتجه الوضع السوري الى التفكك، هل سيتمدد هذا الوضع باتجاه لبنان، لا سيما ان ثمة ارتباطاً سياسياً ومذهبياً بين مكونات المجتمع اللبناني ومكونات المجتمع السوري؟
5- هل نحن على عتبة خرائط جديدة للمنطقة وهل سيسمح النظام الدولي باعادة النظر بحدود الدول القائمة؟ هل ان صياغة هذه الخرائط ستتم من دون حروب اقليمية ودولية مركّبة؟ ماذا سيكون دور اسرائيل وايران في هذه الحروب؟
6- ما هي انعكاسات تدفق اللاجئين السوريين والفلسطينيين في سوريا على لبنان في مختلف الصعد الاقتصادية والامنية والاجتماعية والتربوية والديموغرافية والسياسية؟ وهل يستطيع الاقتصاد اللبناني المأزوم ان يلبي حاجات هؤلاء المهجّرين؟
7ـ هل سيتدخل «حزب الله» بشكل متصاعد عسكرياً خاصة في منطقة سهل الغاب، حيث تتواجد بعض القرى الشيعية داخل الحدود السورية وسكانها من اللبنانيين؟ والى أي حد سيشكل هذا التدخل حالة استنزاف بين الجيش السوري الحر وبين الحزب؟ وماذا سيكون موقف الاحزاب السنية الاصولية اللبنانية وهل ستمتنع عن التدخل عسكرياً في سوريا؟ وما هو تأثير ذلك في الوضع الامني وفي الجيش اللبناني خاصة على الحدود الشمالية (في عكار وفي البقاع)؟
8- اذا كان البيان الذي تلاه رئـيس الجمـهورية في بعبدا هو الموقف المـيثاقي الصـحيح ـ بحـسب رأينا ـ لماذا لا يتم تحريك الرأي العام اللبناني للضغط على الاطراف كافة للامتناع عن التدخل اللبناني عسكرياً في الأزمة السورية، ام ان كل طرف اتخذ قراره ويزمع ان يصل بالامور الى الصدام المحتم؟
ان الايام والاسابيع القادمة توحي بتزايد العنف والقتل والتدمير في مختلف المناطق السورية. فهل يمكن ان نبقى، نحن المثقفين، متفرجين على هذه الكارثة الكبرى التي تحل بالمشرق العربي؟ وما هي الوسائل التي يمكننا اعتمادها للحد من هذه الكارثة على سوريا وعلى لبنان أيضاً؟
فهل ثمة مجال لصوت العقل في كل ما يجري؟

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى