باب الوردة الفرحة

“سرّ تكيفي مع الحياة…أني أغير اليأس كما أغير القمصان”

إ.سيوران
_________________________________________

بعد 5 سنوات حرب في هذا البلد (سورية) يتفقد الشاعر أو الكاتب أو الفنان…ما لديه من الخسائر. فيجد أنه أفضل حالاً من سواه من الزملاء في الوطن…فهو حي، وبيته اكتفى بارتجاج لم يعد مهماً أمام حطام هذا العالم.

حي؟ قم بجولة أخرى. اذهب إلى الغرف السرية، إلى زوايا أخفت المحنة فيها أذاها. فتش هنا وهناك عن الابتسامة التي انتبهت إلى الوجه الاخر منها. إلى التعاطف الخفيف، والتراحم الذاهب مستعجلاً إلى الملابس الأخلاقية الجديدة. انظر إلى عبث أن تقرأ وتكتب، وتفكر وتصبح الحياة، بعد خمسين سنة قراءة وكتابة وتفكير ونوايا حسنة السمعة ومضاءة… تصبح الحياة بكل زهورها سيفا ؟

فتش أكثر…

تجد أن سلام العرب مع إسرائيل أسهل من سلام البدو والفلاحين مع بعضهم في وطن واحد. وأن الحروب نصفها استثمار في المال عبر الدم، ونصفها الآخر نقصان في وعي العصور الحديثة، وآفاتها الجديدة. بدءاً من هلاك الطبيعة ، وصولاً إلى استهلاك المستقبل، بأفواه تصنع ، اليوم، في نهم مدمر …فضلاتها.

………………………………………..

اليوم 6-2-2016 لدي أمسية توقيع كتاب جديد لي، وهو مختارات شعرية بعنوان: “أنا بريء …كسراب” مع قراءات شعرية في باب توما.

“باب توما” أقامه قائد الحملة اليونانية أيام الاسكندر المقدوني تلميذ الفيلسوف أرسطو، ونسبوه إلى كوكب الزهرة وتمثله “أفروديت” ومعناها “الوردة الفرحة”. ثمة معلومة دالة، عبادة الزهرة لم تقتصر على اليونان والرومان فقط، بل كانت معبودة أيضاً عند جميع الشعوب السامية، كالكلدان والآشوريين والآراميين والفينيقيين ” عشتروت”.

عندما احتل الرومان دمشق سنة (64 ق.م) كانوا يعبدون نفس الآلهة باسم آخر هو “فينوس” ولكنهم تركوا النقوش التي دلت على الزهرة ورموزها. بمجيء المسيحية في القرن الرابع الميلادي، صارت أبواب دمشق تسمى بأسماء قديسين. وقد نسب باب توما إلى أحد تلامذة المسيح مع الاحتفاظ بالنقوش. تتابعت الفتوحات والتبدلات، وبقي باب توما، كما هو على حاله، عبر العصور مكاناً لبقايا العصور، كل يضع فيه لمسة وداعه الأخيرة…

لكن باب توما، في زمن الحرب ، كان هدفاً للقنابل. قتل فيه من الأبرياء عدد كبير، ربما نكاية ببقايا ابتسامات البشر في هذا المكان المفرح من مدينة دمشق، حيث مقاهي الأرصفة، وأمكنة السهر والغناء…

……….

هكذا أفتش ، قبيل هذا المساء ، عن جمالية المكان. عن وعوده في الرسوخ، وعن بقائه طاهياً لسعادات صغيرة، بأدوات صغيرة… فاحضّرهذه المقدمة الصغيره:

“…نحن سكان هذه البلدان المؤلمة، الباقين هنا، والذين يحلمون بمعدل خمس قذائف بالسعادة الواحدة…

قد لا نستطيع إعادة إعمار المدن التي مرت فيها الحرب، وأخذت حجارتها ، وسكانها .وقد لا نستطيع تحويل الفرح الإنساني من إشاعة إلى حفلة رقص سعيدة. وقد لا يكون لدينا الأدوات الأكثر حداثة لمواجهة الشقاء الأكثر فجاجة ، والأعند من أدوات الفنون…والذي يحاول ان يكون الأعند من أدوات الفنون.
قد لا يكون لدينا الوقت أيضاً. ولكنني ما زلت مؤمناً بأن بقاء الشعر… أبدي. وهو موجود في كل فنون الحياة، من تركيب غواية طائشة، في جملة متعثرة إلى قصيدة استوفت شرط حزنها النبيل.”

في كتابي “انا بريء…كسراب” ثمة شيء يعجبني في العنوان. أما الباقي فأنا أحبه، كما في هذه القصة:

“سألت طفلة أخاها الأكبر: ما هو الحب؟
قال: أنت تأخذين من حقيبتي قطعة الشوكولا. وأنا أحرص، كل يوم، على وضع قطعة أخرى من الشوكولا في نفس المكان…
هذا هو الحب !”

من القصائد التي اقترحتها…آتية من الزوايا الخفية لآلام مشهدنا في هذه البلاد الافروديتيةالمنكوبة…هذه النصوص:

ـ 1 ـ

عشت في هذه المدينة مائة عام و…يوم.
عملت فيها نصف قرن مربياً لماعز الأمل.
ونصف قرن آخر ( وما زلت على رأس عملي) في مهنة أحبها:
“سقاية السراب”.

ـ 2 ـ

…ونحن في آخر شبر من حدود الوطن…
سألتني رفيقتي، باكية:
أو تظن أننا سنعود؟
قلت لها: دعينا نعبر الآن، لا كما يفعل المهاجرون…
بل كما يؤمن بعودته…السنونو !

ـ 3 ـ

حين طلبت من الهواء احتفالاً بشعر المرأة الأولى…أن يمدّ يده إلى أفضل الخصلات، ويضيفها، بلمسة وحدة، إلى أفضل الخصال في جمال هذا الكون.
لم أكن أعلم أنني، في المرة القادمة سوف أطلب من الهواء أن يغدو رياحاً تدفع، في البحر المتلاطم، أشرعتي، حيث أمضي إلى… “طروادة”…
ونكاية بالحب المخذول، والآلهة المكسورة…
أشعل حرباً…
وأكتب إلياذة !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى