باب للدعاوى الكيدية وقمع للحريات الفردية

 

أخطر ما في قضية ازدراء الأديان وتفاعلاتها بين المؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية والقضائية هو أن ظاهرة الخوف أصبحت سوطا يلهب الظهور، وفي هذا الصدد، قال الناقد الفني المصري سيد هويدي: السلطة تخاف من المبدعين، والمتأسلمون يخافون من السلطة، والمبدعون يخافون من القضاء، والقضاء يدعي الخوف على الناس، والناس تخاف من كل هؤلاء، وهو ما يفسر عدم الإجابة حتى الآن على سؤال ” كيف نتقدم “.

المشكلة أن كل القوانين التي تصدرها الدول المتقدمة بغرض التقدم بالقيم الإنسانية السامية، تصبح هذه القوانين نفسها في الدول المتخلفة أداة جذب إلى الخلف، وتصبح تعمل عكس الهدف الذي وجدت لأجله، وهذا الأمر ينطبق بالتمام والكمال على ما يعرف بقوانين تجريم ازدراء الأديان.

الحقوقيون العرب في أغلبهم، يجمعون على أن قوانين ما يعرف ب ” تجريم الازدراء” تتعارض في مجملها مع الفهم المعاصر لمبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير التي تحظى بقبول دولي واسع، تلك المبادئ التي يتشارك فيها البشر كافة ويقدسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

هذه القوانين التي تشجع أفرادا ومؤسسات وجماعات دينية متطرفة على تنصيب أنفسهم محامين على العقائد والديانات فيجرمون من ومتى وكيفما وأينما يشاؤون، وهم بذلك يمارسون نوعا من الإرهاب المخفي بل ويشرعون له، ذلك أن هذه القوانين فضفاضة، مطاطة ومبهمة، فقانون العقوبات السوداني، مثلا، مطاط في إمكانية إضفاء صفة “ازدراء الأديان” على أي تعبير عن الرأي، إذ لا يحدد الأفعال المكملة لأركان هذه الجريمة بل يكتفي بقوله “بأية طريقة”، والعقوبة هنا هي الحبس مدة ستة أشهر، أو الغرامة، أو الجلد 40 جلدة. إضافة لتلك المادة فإن القانون السوداني يضم مادة حول الردة، ويحكم بالإعدام على كل من يترك الإسلام أو يعلن ما يفيد تركه الإسلام، وهذا إذا لم يتراجع عن موقفه قبل تنفيذ الحكم، وهو الأمر الذي لا يقف عند الاعتداء على حرية العقيدة، بل يتجاوز ذلك إلى فتح الباب على مصراعيه لأي صاحب مصلحة- من الأفراد أو السلطة- لأن يؤوّل تصريحات أو أقوالاً لخصمه ويجعله عرضة لهذه العقوبة.

يؤكد حقوقيون أن من المهم جدا أن تتم إزالة هذه القوانين من قوانين العقوبات أو على الأقل تعديلها بما أنها لا تهدد الأمن العالمي فحسب، بل أيضا وحدة المجتمعات وتماسكها في الدول التي تطبقها.

وأثبتت دراسة حول قوانين تجريم ازدراء الأديان في باكستان ونيجيريا وإندونيسيا أن الدول التي تجرم الازدراء تجنح إلى توفير بيئة يصبح فيها الإرهاب أكثر شيوعا وشرعية وغدرا.

الكثير من رؤساء الديانات أنفسهم، والذين يُتهمون بأنهم المستفيدين من قوانين ازدراء الأديان، كانوا دعوا إلى إيقاف العمل بهذه القوانين مثل ما فعل بابا الفاتيكان السابق بنديكت السادس عشر، حين دعا الباكستانيين إلى إلغاء قانون المعاقبة على التجديف في بلادهم، وأوضح أن “السبب الأهم لذلك هو أنه من الواضح أن هذا القانون بات يستخدم ذريعة لأعمال ظلم وعنف ضد الأقليات الدينية”.

ويؤكد مراقبون أن في باكستان وإندونيسيا ونيجيريا، ودول أخرى تطبق هذه القوانين، يتشابك الإرهاب وازدراء الأديان على نحو وثيق.

يستخدم المتطرفون قوانين تجريم الازدراء بشكل ممنهج ليس فقط لترويع غير المسلمين واستهدافهم، ولكن أيضا لقمع حرية الرأي والتعبير للمسلمين الذين يتحدون تفاسير المتطرفين الضيقة. وتمثل هذه القوانين أداة مثالية للمتطرفين كي يرهبوا خصومهم من دون عقاب.

يمكن من خلال النصوص القانونية المتعلقة بازدراء الأديان أن يُستهدف أي صاحب رأي ببلاغات ودعاوى كيدية، فهو لا يضع مفاهيم واضحة للمصطلحات العائمة التي يذكرها، مثل “ازدراء وتحقير الدين” أو “الإضرار بالوحدة الوطنية”، الأمر الذي قد يتيح إمكانية تفسيرها بما تقتضيه المصلحة. ففي بيان لـ”المبادرة المصرية للحقوق والحريات”، تحدث عن تصاعد وتيرة المحاكمات بتهمة ازدراء الأديان، وتحدث البيان عن “وجود حالة من التربص بحرية الرأي والتعبير من قبل أفراد ومؤسساتٍ تريد فرض وصايتها على المواطنين”.

يمكن القول إن معظم قوانين تجريم ازدراء الأديان في العالمين العربي والإسلامي تتيح بصياغتها الفضفاضة امكانية استخدامها لقمع الحريات وكم الأفواه والحد من كل أشكال التعبير الفني والإبداعي، وهي بالتالي تكرس التخلف وتخنق التقدم عبر إشاعتها لأجواء خانقة من الخوف والتوجس لدى الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى