باسم ياخور : وحش الشاشة في مسلسل العربجي!
خاص
باسم ياخور : وحش الشاشة في مسلسل العربجي!…لم يشاهد صديقي الراحل الصحفي الكبير إبراهيم ياخور الذي التقيته في مشفى الطب الجراحي قبل شهور، لم يشاهد آخر الأعمال التي قام ابنه ببطولتها هذا العام، أي مسلسل العربجي، ويومها سألت ابراهيم عن أخبار باسم، فاخبرني بأنه يصور العربجي، وكنت أتمنى لو طال به العمر لكي أسأله اليوم عن رأيه في هذا المسلسل، فهي المرة الأولى التي أحسست أن باسما يذكرني بوحش الشاشة العربية الفنان الراحل فريد شوقي.
فالمسلسل الذي كتبه عثمان جحا، ومؤيد النابلسي وأخرجه سيف الدين السبيعي يجمع باقة كبيرة من نجوم الدراما السورية من بينهم سلوم حداد الذي ما اجتمع مع باسم ياخور في عمل إلا لفتا النظر إلى الصراع بين الشخصيتين اللتين يؤديانهما، وقد نجح مصمم البوستر الذي دمج وجهيهما في (ديزاين) ناجح كثف طبيعة الصراع في العربجي، لكني عندما شاهدت الحلقة الأخيرة منه، اكتشفت مباشرة أن ثمة طُعما زرع فيها يوحي بأن الجزء الثاني لابد قادم لأن الصراع لم ينته، فهل فعلا نحن أمام جزء ثان أم أن النص ترك هذا الصراع مفتوحا على (الدم) كما هدد العربجي !
ورغم أن نادين خوري وديمة قندلفت وميلاد يوسف والراحل محمد قنوع ووائل زيدان وشادي الصفدي وطارق مرعشلي وحسام الشاه وروعة ياسين وروبين عيسى وعبد الرحمن قويدر، ومجموع طاقم الممثلين لعبوا أدوارهم بنجاح إلا أن شخصية العربجي أعطت بعدا آخر في الأداء تمكن باسم من أدائها ببراعة تستحق الثناء، فهو في هذا الدور يأخذنا إلى تاريخ السينما العربية في ذاكرة أفلام أيام زمان والأدوار الفذة لفريد شوقي ومحمود المليجي ورشدي أباظة.
أقول ذلك لأن شخصية العربجي، وتقديمها في هذا السياق، أخذت تلقائيا دور البطل الشعبي في نص درامي ،واستكملها (الكبير) سلوم حداد فاعطاها ماتحتاجه المعركة بين هذين القطبين، وظلت شخصية درية الجوخدار(نادين خوري) أضعف من هاتين الشخصيتين ، أو أنها وصلت إلى خاتمة لم تبشر بها المقدمات .
ويؤخذ على المسلسل/ النص بعض النقاط الإشكالية من وجهة نظر النقد، ويثنى عليه في الإمتاع والتشويق وأداء الممثلين، فعندما يكون العمل الدرامي قادرا على تحقيق نسبة عالية من المشاهدة (كالعربجي)، فإن من الضروري التدقيق جديا في صناعة أحداثه، فقد أرهقت التفاصيل الصراع الدرامي، رغم النجاح في تقديم مكاسرة مبررة ومشروعة بين الظلم والقسوة والوحشية من طرف وبين الاستكانة والرفض والتمرد من طرف آخر، وهما قطبا الصراع، والصراع كما أقر أحد كاتبي المسلسل (عثمان جحا) كان عبارة عن قصة المهمشين في معاناتها مع القهر.
في هذه القصة، ثمة عقد في الصراع تحتاج إلى تفكيك، لتدفع الأحداث إلى الأمام كي نقتنع بحركة الشخصيات وسلوكها، لكن التعاطي فيها لم يكن موفقا، وراح النص يهبط في كثير من المنعطفات باحثا عن تفاصيل وتبريرات تسد الثغرات التي وقعت بها عملية إطالة الصراع لإتمام حلقاته الثلاثين .
اتجه النص إلى القولبة والفبركة ، وكان يتطلب من كاتبي النص إجراء عملية استبدال مقنعة، ويلاحظ ذلك بتراخي أطراف الصراع في المعركة فيما بينهم التي اشتدت ووهنت في أكثر من منعطف من دون رشاقة في تبرير تأجيل الحسم. ففقد هذا التراخي السبب درامي أكثر من مرة، واستعيض عنه بمشاهد مصطنعة للإطالة، وحصل ذلك حتى اللحظة الأخيرة كما أشرت تحت احتمالية وجود جزء ثان.
لم يكن المعنيون في القهر الذين يمثلهم العربجي، إلى جانبه فلم ينضموا إليه طيلة فترة الصراع الذي تمظهر كصراع شخصي ولم ينجز مهمته في تقديم الصراع بين القهر والظلم. كما اعتمد السيناريو على مفاتيح لحلول درامية (كلاسيكية) وضعيفة في عملية التصعيد والذروة، وكانت في أغلبها تنحدر سريعا بأسباب واهية كقصة تقبيل قدم أبو حمزة، (تنازل إلى أقصى الحدود، ثم عودة إلى أقصى الصراع من دون عقبات سلوكية) وكأن شيئا لم يكن ، يظهر ذلك في قضية صمت الشهود الذين أنقذوا العربجي عند مقتل شومان (الفنان الراحل محمد قنوع)، فهل يقبل أبو حمزة أن تضيع هذه الفرصة، ويعود بخفي حنين وهو يتحين فرص القضاء على خصمه ومع السلطات كلها؟
وكذلك في قصة استعادة الخاتم من قبل القابلة (بدور) ومعرفة قاتل زوجة العربجي، وضعف رد فعل زوجة النشواتي عند طلاقها، وآلاعيب غير مقنعة من القابلة، ووجود شخصية يمكن حذفها هي مرافقة القابلة رغم إسناد الدور إلى ممثلة جيدة (روبين عيسى) ، ثم جاءت منافسة الأب والابن على الفتاة ومقتل الابن لتسرع الأحداث وتتجه بها إلى منحى آخر، ولم يكن الصراع يحتاج إليها.
إن النص الذي يتناول أي صراع (اجتماعي، أو سياسي، أو اقتصادي، أو عسكري، وحتى داخل الشخصية نفسها) لايمكن أن يبنى على مثل هذه التقاصيل، لأن صراع القهر الذي يتبناه النص قادر على تقديم أوجه أخرى لهذه التفاصيل تليق بالرأي المطروح.
لم نر كيف تجاوز العربجي كل سطوة الحصار التي فرضتها تحالف النشواتي مع ابنة الجوخدار ودخل الحارة بعد سرقة القمح،
هذا يعني أن القولبة والفبركة، أساءت إلى سوية الصراع الدرامي المنشود، والذي كان المشاهد ينتظره بصبر .