خلال أربعين عاماً، أعقبت حركة 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970 التي أتت بالفريق حافظ الأسد إلى قمّة السلطة، مرّت المعارضة السورية بمرحلتين: ما بعد التدخّل العسكري السوري في لبنان (1 حزيران/ يونيو 1976)، والثانية مرحلة العهد الجديد التي أعقبت وفاة الرئيس حافظ الأسد في 10حزيران/ يونيو 2000.
في أعوام 1970 ــ 1976 لم تكن المعارضة الحزبية واضحة المعالم، وإن أظهرت «أحداث يوم المولد النبوي» في نيسان/ أبريل 1973 دخول قوى سياسية على خط الاحتجاجات التي جرت في مدينتي حماة واللاذقية ضد الدستور الذي تم تحويله بعد الاستفتاء عليه إلى حالة نافذة في 13 آذار/ مارس 1973، مثل جماعة «الإخوان المسلمين» و«الاتحاد الاشتراكي العربي» بقيادة الفريق محمد الجرَاح الذي كان في طريق آخر منذ عام 1968، مختلف عن خط «حزب الاتحاد الاشتراكي العربي» بزعامة الدكتور جمال الأتاسي، الذي كان متحالفاً مع السلطة تحت مظلة «الجبهة الوطنية التقدمية» التي أُعلن عن قيامها في 7 آذار/ مارس 1972.
كان هناك تنظيمات سياسية بعثية مناوئة للنظام، مثل «تنظيم 23 شباط» الموالي للقيادة البعثية التي أطاحت بها حركة 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، أو ذلك التنظيم الذي ظل يتبع منذ 23 شباط/ فبراير 1966 القيادة القومية لـ«حزب البعث العربي الاشتراكي»، التي أطاح بها «القطريون» بزعامة اللواء صلاح جديد في ذلك اليوم، ولكن من دون أن تتخطّى – تلكما المعارضتان البعثيتان – حدود الفعل التنظيمي المدني/ العسكري من أجل استعادة السلطة إلى فعلٍ اجتماعيٍ واسع أو إلى التفكير بإطار تحالفي مع القوى الأخرى، في الوقت الذي احتفظ فيه التنظيمان المذكوران بعداء مزمن تجاه بعضهما البعض حتى وهما يعارضان نظام ما بعد 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970.
في 1 حزيران/ يونيو 1976، وُجد هناك إجماع عند كل القوى السياسية السورية المعارضة، المذكورة أعلاه، على معارضة الدخول العسكري السوري إلى لبنان، الذي أدّى إلى صدام بين القوات السورية والقوات المشتركة لمنظمة التحرير الفلسطينية واليسار اللبناني، والتي كانت داخلة في صدامات عسكرية، منذ 13 نيسان/ أبريل 1975، مع قوات اليمين اللبناني («الكتائب» و«الأحرار»).
ولكن، ما أعطى مناسبة الدخول السوري إلى لبنان طابعاً انعطافياً في تاريخ المعارضة السورية لنظام الرئيس حافظ الأسد، لم يكن ذلك فقط، وإنما أيضاً وأساساً دخول قوتين جديدتين، هما «حزب الاتحاد الاشتراكي العربي» و«الحزب الشيوعي – المكتب السياسي»، إلى خط المعارضة الجذرية للنظام منذ ذلك الشهر، بعد أن ظلتا تنوسان بين الاقتراب والابتعاد عن النظام منذ خروج الأوّل من «الجبهة» في أيار/مايو 1973، والثاني – أيضاً منها – في كانون الثاني/ يناير 1976، ليشكل هذان الحزبان، مع «الإخوان المسلمين»، عصب المعارضة السورية لربع قرن لاحق حتى وفاة الرئيس حافظ الأسد، وأحد محوري الاستقطاب السوري المعارض مع تأسيس «التجمع الوطني الديموقراطي» في كانون الأول/ديسمبر 1979، الذي ضم إضافة إليهما: «حزب العمال الثوري العربي» الذي أسسه ياسين الحافظ في عام 1965، و«حركة الاشتراكيين العرب» بزعامة أكرم الحوراني، و«تنظيم 23 شباط».
فيما كان «الإخوان المسلمون» محور الاستقطاب المعارض الآخر، سواء لوحدهم أو من دخل معهم في تكتلاتٍ سياسيةٍ معارضة كان «الإخوان» عصبها السياسي، مثل «التحالف الوطني لتحرير سورية» عام 1982، مع محمد الجرَاح وبعث العراق (تنظيم القيادة القومية) أو «جبهة الإنقاذ» في عام 1989، مع نفس القوى، ولكن مع إضافة شخصيات مستقلة.
هنا، في شهر آب/ أغسطس 1976، تأسَّس تنظيم سياسي جديد معارض، هو «رابطة العمل الشيوعي» قبل أن يتحوَّل في آب 1981 إلى «حزب العمل الشيوعي»، ولكنه ظلّ خارج سرب هذين المحورين للمعارضة رغم محاولاته لمرّتين، في 1980و 1990، الدخول إلى «التجمع». ولم يتم انضواؤه في التكتلات المعارضة إلا مع تأسيس «إعلان دمشق» في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2005، الذي كان عملياً حصيلة اجتماع «التجمع» و«الإخوان»، هذا الدخول الذي حصل بعد ثلاثة أيام من تأسيس «الإعلان»، قبل أن ينضوي «العمل» في صفوف «التجمع» في حزيران/ يونيو 2007.
خلال مدة حكم الرئيس حافظ الأسد، كانت المعارضة السورية تبني سياساتها عبر طرح برامج، مثل برنامج لـ«التغيير الوطني الديموقراطي الجذري» الذي طرحه «التجمع» في بيان 18آذار/ مارس 1980، في ذروة أحداث 1979-1982. وهو ما تبعه «الإخوان المسلمون» بتقديم ورقة في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1980، سمّوها بـ«بيان الثورة الإسلامية في سورية ومنهاجها» يمكن توصيفه في كلمة موجزة بأنه «منهاج ليبرالي يقترب كثيراً من مناهج الأحزاب القومية واليسارية المعارضة» (1). ولكن كان الاختلاف يومها بين محوري المعارضة السورية يأتي من الموقف تجاه أسلوب «العنف المسلح» الذي لجأ إليه «الإخوان»، وأيضاً تجاه الدخول في استقطابات إقليمية جعلت «الإخوان» على خط بغداد ــ عمان آنذاك.
كذلك، كان للمعارضة السورية -بمحوريها- مواقف متقاربة، إن لم تكن مشتركة، في محطات مفصلية افترقت فيها عن مواقف النظام، حيال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) والاجتياح الإسرائيلي للبنان (1982) وأزمة وحرب الكويت (1990-1991) وتسوية مؤتمر مدريد (1991).
يمكن هنا، أن تكون النبرة الجذرية التغييرية قد افترقت عند «التجمع» في التسعينيات عمّا هي عند «الإخوان»، عندما اتجه، بتأثير المرحوم جمال الأتاسي، وقيادة ما بعد ضربتي اعتقالات 1980و1987 لـ«الحزب الشيوعي ــ المكتب السياسي»، نحو «سياسة إصلاحية» للوضع السوري، بدءاً من الرسالة الداخلية المؤرخة في شهر كانون الأول/ ديسمبر 1989، الموجهة من قيادة «التجمع» إلى كوادر وقواعد الأحزاب المنضوية فيه، وإلى سجنائه في السجون المختلفة.
وهذا ما كان يمكن تلمّسه في الأعداد الصادرة لجريدة التجمع: «الموقف الديموقراطي»، طوال عقد التسعينيات، بدءاً من العدد الأول في أوائل شباط/ فبراير 1991. ومن الممكن، في هذا الصدد، أن يكون التقاء «التجمع» و«الإخوان» في «إعلان دمشق» بالغ الدلالة، هذا الموقف الذي انبنى على عودة إلى «سياسةٍ تغييريةٍ» وليس «إصلاحيةٍ» في لحظة سياسية أوحت فيها «أزمة ميليس» لغالبية المعارضين السوريين، في مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14شباط/ فبراير 2005، بإمكانية توافر أجواء دولية ملائمة لإحداث تغيير في دمشق.
في 1 حزيران/ يونيو 1976، وجد هناك إجماع عند كل القوى السياسية السورية المعارضة على معارضة الدخول العسكري السوري إلى لبنان، الذي أدّى إلى صدام بين القوات السورية والقوات المشتركة لمنظمة التحرير الفلسطينية واليسار اللبناني
في مرحلة ما بعد 10 حزيران/ يونيو 2000، يوم وفاة الرئيس حافظ الأسد، انضمت قوى جديدة للمعارضة السورية، مثل «لجان احياء المجتمع المدني»، التي أتت أساساً من مثقفين مستقلين، وأيضاً دخلت الأحزاب الكردية للنادي المعارض في يوم 12 آذار 2004 مع انتفاضة الكرد في القامشلي بعد إرهاصات عندها باتجاه ذلك استغرقت ثلاث سنوات.
في العالم الشفوي للمعارضة السورية، كان الأستاذ رياض الترك، ومنذ أيام «بيان الألف» الصادر في الأسبوع الثاني من كانون الثاني 2001، ينظر إلى حركة المعارضة عند المثقفين باعتبارها ليست أكثر من كونها «سلاحاً للهندسة» لمعرفة نوعية الألغام والعوائق التي سيضعها النظام أمام حركة المعارضة الحزبية، التي كان من يومها يفكر (والحقيقة منذ خروجه في 30 أيار 1998 من السجن) في تجاوز إطار «التجمع الوطني الديموقراطي» نحو تحالف حزبي عريض يضم جماعة «الإخوان المسلمين» أيضاً.
اتجه «التجمع» و«الإخوان» نحو سياسة اعتدالية تجاه العهد الجديد، بعد تولي بشار الأسد لرئاسة الجمهورية، واجتمعا عليها، وربما كانت نبرة المراقب العام لجماعة «الإخوان المسلمين» السيد علي البيانوني أكثر اعتدالاً من كثير من قيادات أحزاب «التجمع» في سنوات 2000-2002، بعد أن اجتمع طرفا ومحورا المعارضة السورية على انتظارية ترقبية لما سينبثق عن «إصلاحية القصر»، التي فسرت عبرها افتتاحية العدد الرابع (تشرين الأول/ أكتوبر 2001)، من نشرة «الرأي»، الناطقة باسم قيادة «الحزب الشيوعي ــ المكتب السياسي»، اعتقالات أيلول/ سبتمبر 2001، والتي طالت الأمين الأول للحزب رياض الترك، بالعبارات الآتية: «سعت القوى الرجعية النافذة عبر الاعتقالات الأخيرة إلى… كسب جولة جديدة في التنازع على السلطة… خشية أن يغادر إصلاحيو هذا العهد الأطر الضيقة للمطبخ الحكومي والأمني… وكان الرهان الخبيث لهذا الهجوم المحافظ هو أن تنقلب إصلاحية القصر على ذاتها فتفقد مرتكزاتها وصدقيتها».
لم تكن هذه السياسات المعارضة مبنية على رؤية برنامجية، تغييرية أو إصلاحية، كما حصل في العهد السابق عندما بنيت السياسات البرنامجية على توازنات كانت تعلو السياسات أو تنخفض بموجبها، وإنما عبر «بناء السياسات بدلالة الآخر»، إذ قامت عملية رسم السياسة على مراهنات على «آخر» كان في أعوام 2000 ــ 2002، هو «إصلاحية القصر»، التي افترض، وتم الاقتناع، بأنها في مواجهة ما سمّي في النصوص السورية المعارضة بـ«التيار المحافظ»، ثم أصبح هذا «الآخر»، عند معظم الجهات التي راهنت على «إصلاحية القصر» في العهد الجديد، في مرحلة ما بعد سقوط بغداد بيد المحتل الأميركي، في 9 نيسان/ أبريل 2003.
وهو ما سمّاه الأستاذ رياض الترك في جلسات داخلية جرت في الغرف المغلقة لـ«الحزب الشيوعي ــ المكتب السياسي» بـ«رياح غربية ستهب على دمشق وعلينا أن نلاقيها ببرنامج سياسي مناسب»، بعد عودته من جولة على القارتين الأوروبية والأميركية في الشهر الأخير من عام 2003، ومنها اجتماع مع مسؤولين في الإدارة الأميركية في واشنطن بعد أن دخل للولايات المتحدة سرّاً من الحدود الكندية. وهي جولة كان قد استبقها بمقابلة في جريدة «النهار» (28 أيلول/ سبتمبر 2003)، أطلق فيها نظرية «الصفر الاستعماري» التي اعتبر فيها أن الأميركان قد نقلوا للأعلى «المجتمع العراقي من الناقص إلى الصفر».
كان الرهان على هذا الآخر، الممثل في «الرياح الغربية»، مبنياً على دخول العلاقات الأميركية ــ السورية في مرحلة الصدام منذ زيارة وزير الخارجية كولن باول إلى دمشق عقب ثلاثة أسابيع من سقوط بغداد في يوم 9 نيسان 2003، وهو تحول مفصلي أنهى مرحلة تعاون بين واشنطن ودمشق كانت محطتها الأولى الدخول العسكري السوري إلى لبنان في عام 1976.
لهذا، كان تشكيل «إعلان دمشق»، المعلن في لحظة ذروة من التوتر الأميركي ــ السوري، الذي كان مسرحه لبنان منذ يوم 2 أيلول 2004 مع صدور القرار 1559، مبنياً، وهو البادئ كنص بعبارة «عملية التغيير قد بدأت»، على رؤية عبّر عنها قبل أيام من إعلان «الإعلان» أحد قيادات جماعة «الإخوان»، وهو الطاهر إبراهيم (2)، بأن «هذا النظام قد انتهت صلاحيته» بالترافق مع عبارة أخرى في مقاله تقول إن «ما تريده أميركا قد يتقاطع في مرحلة ما مع مصلحة الشعب السوري». وهو ما كان قد سبقه الأستاذ الترك بالقول: «هذا النظام انتهت صلاحيته. هذا النظام يحتضر… هناك صراع بدأ يستعر بين الأميركيين وسورية… وهذا يفسر لماذا أقول دائماً إن الأميركيين قادمون. دعهم يطيحون هذا النظام» (3).
قبل يومين من «إعلان دمشق»، نشرت جريدة «السفير» (14 تشرين الأول/ أكتوبر 2005)، تصريحاً لجولييت وور، مديرة الشؤون العامة في السفارة الأميركية ببيروت، قالت فيه الآتي: «الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام في سورية، بل إلى تغيير تصرفاته». من هنا، لم تحصد مراهنات «إعلان دمشق» على تغيير في العاصمة السورية، المبنية فرضياته على تلازم «انتهاء صلاحية النظام» بصدام واشنطن ودمشق، سوى الخيبة عند أصحاب تلك المراهنات من المعارضين السوريين.
وعملياً، فإنّ إصرار هؤلاء على استمرار مراهناتهم تلك، حتى بعد تغيير موازين إقليم الشرق الأوسط لغير مصلحة واشنطن إثر حرب صيف 2006، قد أدّى إلى انفجار «إعلان دمشق» أثناء انعقاد مجلسه في 1 كانون الأول/ ديسمبر 2007، وهو ما أدّى إلى خروج «حزب الاتحاد الاشتراكي» و«حزب العمل الشيوعي»، والبدء منذ الشهر الأول لعام 2008 وحتى شهر تموز/ يوليو 2010، في محادثات بين هذين الحزبين، وبمشاركة «تجمع اليسار الماركسي – تيم» (تأسّس في 20 نيسان/ أبريل 2007)، وأحزاب كردية وشخصيات مستقلة، لتكوين «خط ثالث» (يختلف عن خطي السلطة و«إعلان دمشق»)، لم تثمر في ولادة هذا المولود (الخط الثالث) في عام 2010، ولكن شكّلت جنيناً لولادة «هيئة التنسيق» في 25 حزيران/ يونيو 2011، من نفس تلك القوى مع تنويعات جديدة حزبية أو مستقلة، وإرهاصاً للتباينات بين «الهيئة» و«المجلس الوطني» في عامَي2011 و2012.
كان 1 كانون الأول/ ديسمبر 2007، بداية لانشقاق المعارضة السورية إلى خطين: «الخط الثالث» من جهة، و«إعلان دمشق» و«الإخوان المسلمون» من جهة ثانية، رغم افتراق «الإعلان» و«الإخوان» منذ عام 2006 وحتى 18 آذار/ مارس 2011 يوم بدء الانفجار السوري من مدينة درعا، نتيجة ذهاب «الإخوان» للتحالف مع السيد عبد الحليم خدام في «جبهة الخلاص» وافتراقها عنه وعن باقي المعارضين بعد 7 كانون الثاني/ يناير 2009، وافتراقها عنه عبر «تعليق أنشطتها المعارضة» في مدة حرب غزة الأولى.
ربما كانت خطوة الإسلاميين السوريين الأخيرة عام 2009 حصيلة قراءة للتوازنات الإقليمية التي خرج عبرها النظام السوري قوياً بين عامَي 2007 ونهاية 2010، وهو ما دفع إدارة أوباما في عام 2009 لبدء انفتاح على دمشق حاول الأستاذ رياض الترك أن يبني أيضاً سياساته بدلالته عندما قال في تصريح (نشره الموقع الرسمي لـ«إعلان دمشق») بأن «جهود الولايات المتحدة لتحسين الروابط مع دمشق ربما تخدم الإصلاح الديموقراطي… إصلاح العلاقات بين البلدين سيُصعب على دمشق سحق المعارضة… أعتقد أن الانفراج سيضغط أيضاً على سوريا لكي تغير سياساتها».
هذا نهج لم يكن مفاجئاً، بل كانت إرهاصاته في بيان صدر في 5 أيلول/ سبتمبر 2008، عن الأمانة العامة لـ«إعلان دمشق» (نشر في موقع «كلنا شركاء» بتحديث يوم 6 أيلول/سبتمبر 2008)، بالتزامن مع زيارة ساركوزي لدمشق، يعطي سياسة مغايرة عن نبرة 2005 حول «انتهاء الصلاحية»، عندما أعلن بأن «إعلان دمشق… لم يكن في نهجه وليس من أهدافه تعزيز عزلة النظام ومحاصرته، بل إن مشروعه الديموقراطي يركز أساساً على الدفع نحو انفتاح النظام على الشعب السوري قبل أو بالتزامن مع انفتاحه المطلوب على العرب والعالم»، قبل أن ينطلق البيان إلى رفض الطروحات «التي تدعو إلى خيار استعادة الجولان بالقوة فقط» ويصفها بأنها «طروحات تصوغها الكيدية والمزايدة والهروب»، ومعلناً تأييده للمفاوضات السورية ــ الإسرائيلية غير المباشرة برعاية تركية ــ فرنسية في إسطنبول، منطلقاً من أن «خيار السلام والحالة هذه يبقى خياراً صائباً على الدوام ما دامت خياراته متوافرة».
ثم يصل البيان إلى القول إن «إعلان دمشق… يعلن أن واجبه الوطني يحتم عليه موقفاً إيجابياً من التطورات المستجدة في سوريا والمنطقة». وهو ما كان الدكتور برهان غليون (في مقال بعنوان «مستقبل المعارضة السورية»، جريدة «الاتحاد»، 19\12\2007) قد استبقه عندما دعا إلى النزول من «شجرة التغيير الفوري» بعد أن «تبلورت فكرة تكتل إعلان دمشق في مدة ازدادت فيها الآمال باحتمال حدوث تطور دراماتيكي على الأحداث نتيجة تبدل الإستراتيجية الأميركية في المنطقة»، وذلك للتكيف «مع إستراتيجية طويلة المدى تأخذ في الحسبان حاجات بناء قوى التغيير الديموقراطي ولا تعيش على أوهام الضغوط الخارجية أو تركن إليها».
ولكن من دون أن يذكر الدكتور غليون بأنه، ومع تغير سياسة شيراك أواخر عام 2003 في المنطقة واتجاهه إلى التقارب مع واشنطن إثر خصام مرير له مع بوش الابن في أيام غزو العراق، كان أول من زرع منذ نهاية عام 2003 عند المعارضة السورية فكرة «انتهاء صلاحية النظام السوري» لمّا أصدر حكماً قاطعاً بأن «النظام السوري، مثله مثل جميع الأنظمة الشمولية التي عرفتها الكرة الأرضية في القرن العشرين، قد فقد جميع شروط بقائه التاريخية وفي مقدّمتها ظروف الاستقطاب الدولي… وهو اليوم في طريق مسدود دائماً» (4).
لم تتحقق هذه المراهنات في مجرى عامَي 2009 و2010، تماماً مثلما حصل لمراهنات «إعلان دمشق» في عامَي 2005 و2006.
هوامش:
(1) محمد جمال باروت: «الإخوان المسلمون في سورية – أصول وتعرجات الصراع بين المدرستين التقليدية والراديكالية»، ضمن مجلدي «الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية»، ج 1، ص 255-323، المركز العربي للدراسات الإستراتيجية، الطبعة الثالثة، دمشق 2000، ص 294).
(2) «خارج السياق وبعيداً عن المزايدات»، موقع «الرأي»، www.arraee.com، تحديث يوم 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2005).
(3) مقابلة مع موقع «سيرياكومنت»، www.syriacomment.com تحديث يوم 8 أيلول 2005.
(4) في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2003، وفي موقع «أخبار الشرق» www.thisissyria.net في مقال تحت عنوان: «الإصلاح مجرد سوء تفاهم».
* كاتب سوري
صحيفة الأخبار اللبنانية