بداية (الانتفاضة الثالثة)؟
تذّكروا الاسم جيّدًا: عدي التميمي (22 عامًا) من مخيّم شعفاط، مُنفّذ عملية حاجز شعفاط يوم السبت الماضي، والذي أسفر عن قتل جنديّة إسرائيليّةٍ وإصابة حارس الأمن بجراحٍ بالغةٍ ما زال حُرًّا طليقًا يختبئ في مكانٍ ما، في الوقت الذي يقوم أحد أقوى جيوش العالم، الجيش الإسرائيليّ، وأذرع المخابرات المُختلفة بعملياتٍ واسعةٍ ومُكلفةٍ للعثور عليه واعتقاله أوْ حتى قتله، عمليًا، يُمكِن القول إنّ شابًا فلسطينيًا عشرينيًا هزّ أركان إسرائيل الـ(عُظمى) وأذلّ جيشها ومخابراتها ومُستوطنيها، ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل نفذّت المقاومة عمليةً أخرى قتلت فيها جنديًا من جيش الاحتلال بالضفّة الغربيّة المُحتلّة، الأمر الذي زاد من حالة الارتباك والبلبلة والإحباط.
على صلةٍ، وفي ظلّ الضربات المؤلمة التي تتلقاها دولة الاحتلال من المُقاومة الفلسطينيّة، ارتفعت الأصوات داخل الكيان المُطالِبة بعمليةٍ جديدةٍ على نسق عملية (السور الواقي)، التي نفذّها الاحتلال عام 2002 بأمرٍ من رئيس الوزراء وقتذاك أرئيل شارون، وتمّ خلالها إعادة احتلال الضفّة الغربيّة، بيد أنّ الظروف اختلفت، الأمر الذي حذا بالمؤسسة الأمنيّة إلى رفض الطلب، ودفع العديد من جنرالات الجيش المُتقاعدين إلى الإعلام العبريّ ليُدافعوا عن موقف الجيش القاضي بعدم الإقدام على عمليةٍ مثيلةٍ لـ(السور الواقي) خشية تصعيد الأمور أكثر وسقوط قتلى وجرحى إسرائيليين أكثر خلال العملية.
في السياق، كشف المحلل العسكري في صحيفة (معاريف) طل لف رام أنَّ إعلان حركة “حماس” الجمعة على أنّه “يوم الغضب” أدّى في نهاية تقدير وضع أجراه وزير الأمن الداخلي عومر بار لف، ونائبه يؤآف سغلوفيتش، مفتش الشرطة يعقوب شفتاي، قائد إقليم القدس وقائد حرس الحدود، إلى اتخاذ قرار مفاده تجنيد أربع سرايا حرس حدود بدءًا من صباح اليوم السبت لتعزيز القوات في منطقة القدس والغلاف.
وأشار لف رام، نقلاً عن محافل أمنيّةٍ رفيعةٍ، إلى أنَّ التوجيهات حصلت على موافقة وزير الأمن الداخلي ومفتش الشرطة، وقال: “قبل ذلك وفي ظلّ المواجهات القاسية في مخيم شعفاط ومحيطه ليل الأربعاء والخميس، أُعطيت التعليمات لحرس الحدود بإدخال عشر سرايا احتياط في حالة استنفارٍ عالٍ خشيةً من تصعيد وحصول أحداث عنيفة مشابهة لتلك التي أدّت قبل حوالي سنة ونصف إلى الخروج لعملية “حارس الأسوار” (سيف القدس)”.
وتابع “في تقدير الوضع الذي أجراه مسؤولي الشرطة تبيَّن أيضًا أنَّ الحديث يدور عن أعمال “شغب” موضعية حصلت في القدس الشرقية على خلفية التشدُّد في الفحص الأمني بعد عملية إطلاق النار عند مدخل شعفاط، لكن مع ذلك، لا تجازف الشرطة وتأخذ الحذر، وهي تدرك أنَّ الحديث يدور عن تصعيد وبيان “حماس” يُلزم من ناحيتهم التفكير بمسار جديد”.
وأشار لف رام إلى أنَّ المؤسسة الأمنية تعتقد بأنَّ استمرار التصعيد في أحياء القدس الشرقية، وبالتأكيد إذا ما انزلقت الأحداث إلى باب العامود والحرم القدسي، قد تؤدي إلى تصعيد أمني إضافي أيضًا في مناطق إضافية.
وبحسب لف رام، يتابع جيش الاحتلال ما يحصل في قطاع غزة الذي لا يزال حتى الآن هادئًا تمامًا. وتعتقد المؤسسة الأمنية بأن الإغلاق الذي حصل عمليًا على الأرض في مخيم شعفاط بعد العملية في المعبر عشية “عيد العرش” اليهودي، كان له تأثير أيضًا على الجهات التي قادت التصعيد الأخير.
واعتبر أنَّ “السؤال الكبير بالطبع هو ما إذا كان الحديث يدور عن تصعيد موضعي وعنيف على وجه خاص، أو منحى سيتواصل لعدة أيام وسيزعزع الاستقرار الأمنيّ”، مُشيرًا إلى أنّه “في الجيش الإسرائيلي وفي المؤسسة الأمنية يتابعون المعنيون ما يحصل في القدس الشرقية، التي تقع تحت المسؤولية الأمنية للشرطة. على ضوء التوتر، انتشار القوات الأمنية وحجمها من الجيش في الضفة الغربية وحتى شرطة إسرائيل وحرس الحدود في قطاع القدس هو الأكبر في السنوات الأخيرة في المنطقة”.
وترى المؤسسة الأمنية الاسرائيلية أنّه يمكن وقف منحى التصعيد في القدس، لكنها تستعدّ لأنه في حال تواصل فإنّه سيؤدي إلى تصعيد إضافي على الأرض.
وبناءً على ما تقدّم، سيواصل جيش الاحتلال العمل في الأيام القريبة في جنين ونابلس، فيما يلاحظ نشاطات لأجهزة الأمن ضد المقاومين من بينهم مجموعة (عرين الأسود)، خشية من فقدان سيطرتهم في المدينة.
واستبعد المحلل العسكري في صحيفة “معاريف” أنْ يخرج الجيش الإسرائيلي لعملية واسعة في شمال مستوطنة شومرون. مع ذلك، في أعقاب الارتفاع الجوهري في عمليات وأحداث إطلاق النار، التي يبلغ معدلها الوسطي اثنين أو ثلاثة في اليوم في الفترة الأخيرة، يُدرَس احتمال توسيع الأنشطة الهجومية من جنين وحتى نابلس لمحاولة كبح العمليات قبل أن تحصل على الأرض.
وبيّن أن حوالي 25 كتيبة للجيش الإسرائيلي تنتشر في منطقة الضفة الغربية، وهو أكبر انتشار هناك منذ سنوات طويلة، وحتى أكثر من عدد الكتائب التي كانت فيها عشية عملية “حارس الأسوار” في أيار (مايو) 2021.
ويبدو أنّ الكيان فقد الأمل في تلقّي المُساعدة بموجب التنسيق الأمنيّ من الأجهزة الفلسطينيّة، إذْ أنّه بعد الحملة التي شنّها الاحتلال حول عدم القام بواجباتها لوأد المقاومة الشهر الماضي، توقّف كليًّا عن مطالبتها بمدّ يدّ العون له، وغيّر الخطاب الإسرائيليّ الرسميّ وبات يُشدّد على أنّ السلطة تفككت وأنّ الأجهزة الأمنيّة تصدعّت.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية