أصبحت سوريا حالياً عبارة عن فسيفساء عنيفة، مع سيطرة الجماعات المدعومة من تركيّا على غربها حتّى دمشق، وميليشيا كردية مدعومة من الولايات المتّحدة تسيطر على الشمال الشرقي، وجماعات أخرى مدعومة من الأردن تهيمن على جنوب البلاد.
صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تنشر مقالاً للكاتب ديفيد أغناطيوس، يتحدث فيه عن المرحلة المقبلة في سوريا بعد سقوط النظام السوري، وتصدّر “هيئة تحرير الشام” المشهد.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
إنّ الانهيار المفاجئ لنظام الرئيس السوري بشّار الأسد، ربّما يحمل سمّاً سيظهر في اضطرابات وعدم استقرار إقليمي، لأنّ إعادة توحيد سوريا ستكون مهمّة شاقّة بعد أكثر من عقد من الصراع الدموي، وستشكّل تحدّياً لحوكمة مستقرّة عاجلاً أم آجلاً في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
لقد غادر الأسد دمشق إلى موسكو يوم الأحد، وترك سوريا، التي أصبحت تحت سيطرة جماعة متمرّدة مدعومة من تركيا تسمّى “هيئة تحرير الشام”.
وتحاول القوى الإقليمية العربية تثبيت استقرار عملية الانتقال السياسي، من بينها دولة الإمارات، التي حاولت منذ أشهر إقناع الرئيس الأسد بالابتعاد عن إيران، لكنّ الأسد تردّد لفترة طويلة، وفي نهاية المطاف “تخلّى عنه حلفاؤه السابقون، والجيش السوري لم يرد القتال، ولم تظهر إيران وروسيا دعمهما”، كما أشار ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
قال الرئيس جو بايدن: “لقد سقط نظام الأسد أخيراً، وهو المدعوم من موسكو وطهران، وهذه خطوة استراتيجية ضخمة في الاتّجاه الصحيح”. كذلك، أوضح مسؤولون في إدارة البيت الأبيض أنّ الولايات المتّحدة تسعى إلى إيجاد بديل للأسد بوسائل علنية وسرّية منذ العام 2011. مع ذلك، وكما حذّر بايدن أنّ المتغيّرات قد تجلب “لحظة من المخاطرة وعدم اليقين للمنطقة”. وقد خفت حدّة الفوضى في دمشق بفضل قرار “هيئة تحرير الشام” الإبقاء على رئيس الوزراء السوري الحالي بتشكيل حكومة مؤقّتة تحت حمايتها، حسب ما علمت من مسؤول كبير في إدارة بايدن. وقالت الجماعة المذكورة إنّها تنوي الإبقاء على المؤسّساتِ الإدارية الحكومية الحالية، بما في ذلك الجيش ما من شأنه أن يسهّل عملية الانتقال. ويبدو أنّ قطر، التي كانت لفترة طويلة داعماً سرّياً لـ “هيئة تحرير الشام”، تقود الجهود العربية لتشكيل حكومة انتقالية تحت رعاية الأمم المتّحدة. وأكّد بيان قطري صدر مؤخّراً “ضرورة الحفاظ على المؤسّسات الوطنية ووحدة الدولة لمنعها من الانزلاق إلى الفوضى”.
وكانت قطر قد حثّت على مدى السنوات السابقة على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، التي تدعو إلى تشكيل حكومة سورية جديدة تضم أعضاء من النظام والمعارضة. ولكن حالياً أصبحت سوريا عبارة عن فسيفساء عنيفة، مع سيطرة الجماعات المدعومة من تركيّا على غربها حتّى دمشق، وميليشيا كردية مدعومة من الولايات المتّحدة تسيطر على الشمال الشرقي، وجماعات أخرى مدعومة من الأردن تهيمن على جنوب البلاد.
من المؤكّد أنّ الولايات المتّحدة وروسيا ستؤدّيان دوراً دبلوماسيّاً في تشكيل مستقبل سوريا، ولكنّ اللاعبين الإقليميين هم الذين سيكونون من يحسم الأمر. فلقد انقضى الوقت الذي كانت فيه القوى العظمى قادرة على تحديد مسار الأحداث، سواء نحو الأفضل أو الأسوأ لا فرق. ويشير مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى أنّ “الأمر متروك الآن لإسرائيل وتركيّا والسعودية والإمارات والأردن”. كذلك، كان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قد أعرب عن عدم اهتمامه بلاده بدور في سوريا في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً: “هذه ليست معركتنا، لا تتورّطوا” وفي منشور آخر قال: “بعد التخلّي الروسي عن الأسد، يجب على الرئيس فلاديمير بوتين التفاوض لإنهاء المذبحة في أوكرانيا، أعرف فلاديمير جيّداً، هذا هو وقته للتحرّك، يمكن للصين أن تساعد، العالم ينتظر”.
لا ريب أنّ التحوّل الذي شهدته سوريا في الأيّام الماضية، يتشابه مع 3 أحداث أخرى وقعت في العالم، وكلّ منها يحمل درساً خاصّاً به. أوّلاً، يذكّر سرعة سقوط النظام في سوريا بانهيار الحكومة المدعومة من الولايات المتّحدة في أفغانستان، حين سقطت العاصمة كابول بعد 9 أيّام فقط بيد طالبان، فحين يشعر الجيش أنّه تمّ التخلّي عنه يصاب بالإحباط، وهو ما فعلته الولايات المتّحدة في أفغانستان.
ثانياً، حول الاندفاع السريع لحركة “حماس” عبر سياج غزّة ونجاحها في اقتحام المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية القريبة قبل عام وشهرين، كانت هيئة تحرير “الشام” أيضاً مستعدّة ومدرّبة ومجهّزة تجهيزاً جيّداً في تقدّمها نحو المدن السورية. وقد لعبت تركيا دوراً كبيراً في هذا، كما فعلت قطر بعلاقاتها الطويلة الأمد مع قيادة “هيئة تحرير الشام”.
ثالثاً، تشابه الحدث السوري مع ما حدث في العراق، والذي يُظهر الفوضى التي قد تلي تغيير النظام. فحين أطاحت الولايات المتّحدة بصدام حسين في بغداد في عام 2003، أضرمت شرارة الصراع العرقي والإقليمي الذي لا يزال مستمرّاً حتّى يومنا هذا. وعلى نحو مماثل، لقد دمّرت “إسرائيل” القوّة العسكرية لحركة “حماس” في غزّة، ولكنّ هذا المنطقة أصبحت خارجة عن القانون ومليئة بالعصابات وقطاع الطرق، ولا يوجد فيها أدنى قدر من الاستقرار الإداري.
إنّ إحدى الحقائق المشؤومة هي أنّه منذ بدء الانتفاضة السورية في عام 2011، كانت الجماعات الجهادية هي المجموعات العسكرية الأقوى. وخلال تسلّلي إلى سوريا لأجل تغطيتي لأحداثها في العام 2012، تعرّفت على قوّة هؤلاء بشكل مباشر ، وفي اليوم الذي وصلت فيه إلى حلب، كانت ميليشيا معارضة موالية للغرب تقاتل الجيش السوري، وقد سألت أحد قادتها العلمانيين عمّا إذا كانت “جبهة النصرة” فرع تنظيم “القاعدة، تقاتل إلى جانب قوّاته، فقال بالطبع ومقرّهم على بعد مبنى واحد من مقرّنا، وهم من أفضل المقاتلين”.
إنّ “هيئة تحرير الشام”، التي تقود المعركة التي أطاحت بالأسد، هي من نسل المجموعة التي رأيتها قبل 12 عاماً. وكما أخبرني مسؤول كبير في الإدارة الأميركية مؤخّراً، إلى أنّ ابتهاج البيت الأبيض بزوال الأسد، يقابله الاعتراف بأنّه “لدينا مشكلة مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، يبدو أنّه لا يوجد أمل أبداً، إلّا مع وجود سحابة من الغيوم أيضاً”.
نقله إلى العربية: حسين قطايا
صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية
الميادين نت