تاريخ

بعد تأكيد أسرة الرئيس عبد الناصر صحة حديثه مع القذافي..

محمود القيعي

قليلٌ من الصراحة بشأن ما جرى: ماذا يقول منهج البحث العلمي التاريخي؟ هل يُلام “الزعيم” أم يُعذر؟ غضبٌ عارمٌ من تبرير ثقافة الاستسلام؟

 

أكدت أسرة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر صحة تسجيل اجتماع الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر ومعمر القذافي، وأنه ليس مفبركًا باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث نشرته قناة “ناصر تي في” على يوتيوب، التابعة لأسرة الرئيس الراحل “عبد الناصر”، وليس قناة مجهولة.

 أسرة الرئيس الراحل تمتلك أرشيفا كاملا للقاءاته مع الرؤساء والقادة العرب ووزراء حكومته، خاصة اللقاءات التي أجريت في منزله بمنشية البكري، بعد هزيمة 1967، بحسب تصريحات ابنته هدى، في لقاء مع قناة CBC.

من جهته قال عبد الحكيم جمال عبدالناصر في تصريحات صحفية إن لقاء أبيه مع القذافي حقيقي، وليس مفبركًا ومحضره موجود ومتاح فى مكتبة الإسكندرية، مشيرا إلى أن الأسرة مسؤولة عن القناة وتديرها، وإنهم مستمرون في نشر تسجيلات مماثلة للقاءات الرئيس الراحل.

عاصفة الحديث لا تزال مستمرة ولم تهدأ بين تربص قوم وغضب واستياء آخرين.

د. محمد السعيد إدريس مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يوضح أن القاعدة العلمية في دراسة أي قرار سياسي أو تصريح لشخص له أهمية ما هي البيئة الخاصة بالقرار ..ظروفه الزمنية، الأوضاع الداخلية للبلد الصادر عنها،الأوضاع الإقليمية، الأوضاع الدولية.

وبعدها نقيم القرار أو التصريح بناء على كل هذا.

ويضيف أننا يجب ألا نستقطع الحدث، لافتا إلى ما ورد في حديث الرئيس الراحل عبد الناصر الأخير يعتبر خارجا عن القواعد التي كان ملتزما بها كقائد لتحرير فلسطين وعدو مطلق للكيان الصهيونى.

ويضيف لـ”رأي اليوم” أن كل هذا يدفعنا عن طريق المنهج العلمي للتساؤل: متى قال هذا الكلام؟ أي ظروف؟

ويواصل قائلا: “عبد الناصر قال هذا الكلام بعد يوليو 1970 حينما قبل مبادرة روجرز، وتعرض بسبب هذا لهجوم رهيب من عراق أحمد حسن البكر ومزايدة على أعلى درجة، ولابد هنا للتفرقة بين بعث سورية وبعث العراق، أيضا تعرض عبد الناصر لهجوم منظمات فلسطينية”.

ويذكّر إدريس بذهاب أنور السادات إلى جامعة القاهرة، وإلقائه خطابا يوضح لماذا قبل عبد الناصر مبادرة روجرز، مشيرا إلى أن كل هذا كان محاولات للتعتيم على السبب الحقيقي، وهو إقامة قواعد الصواريخ على طول جبهة القتال ضد الكيان الصهيونى، وهو الكلام الذي أكده بوضوح الأستاذ محمد حسنين هيكل من أن مصر خاضت معركة من أنبل معاركها التاريخية وهي معركة إقامة حائط الصواريخ الذي بدون ما كان يمكن للعبور أن يتم في 73.

ويوضح أن شركة المقاولون العرب هي التي قامت بالعمل البطولي بإقامة قواعد صواريخ، التي كلما تم إنشاء إحداها استهدفها الطيران الإسرائيلي، وارتقى العديد من الشهداء المصريين.

ويقول إنه مع إعلان مصر وقف إطلاق النار وحرب الاستنزاف التي هدت الكيان ولا يعترف بها، وتم التعتيم عليها تماما من نظام السادات والذين جاءوا بعده.

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يؤكد أن عبد الناصر وافق على وقف إطلاق النار لإقامة قواعد الصواريخ، مشيرا إلى القذافي جاء إلى عبد الناصر ليستفسر منه عن الأسباب الحقيقية ليطمئن قلبه، ولا تهتز ثقته في زعيمه.

وبحسب إدريس فإن عبد الناصر لم يكشف السر الحقيقي لقبوله وقف إطلاق النار، وإلا لكان كل شيء انتهى، مشيرا إلى أن الحقائق لم تُعلن إلا في أكتوبر 1973 عندما كشفها هيكل في “سنوات الغليان والانفجار”.

ويتابع قائلا: “هناك أعداء لجمال عبد الناصر، وأنا توقفت عن الدفاع عنه، لأنه ليس في دفاع من أحد بسبب أفعاله”.

وينتقد إدريس الاستعجال وفرحة وشماتة البعض بما جاء في حديث عبد الناصر الأخير ، مؤكدا أنه يجب أن تعلن الحقائق ويعرفها الناس، وأولها أن جمال عبد الناصر هو زعيم هذه الأمة.

ويخلص إلى أنه حتى لو كان الحديث صحيحا، فلا يضير عبد الناصر في شيء، لأنه حاول قدر الإمكان أن يكتم سر الحرب رغم كل الضغوط التي تعرض لها، ومنها الإهانات التي وجهت له في عمّان من قبل منظمات فلسطينية.

ويختتم إدريس مؤكدا أن من يقف وراء نشر حديث عبد الناصر يريد ليس فقط نشر ثقافة الاستسلام بل تبريرها، ليضرب عصفورين بحجر: إهانة عبد الناصر وتشويه صورته كمناضل، وفي ذات الوقت الترويج لقبول فكرة السلام أو الاستسلام.

على الجانب الآخر يرى د. محمد محسوب الوزير المصري الأسبق للشؤون القانونية والمجالس النيابية أن حديث الرئيس عبدالناصر رحمه الله، لا يكشف جديدا، مشيرا إلى أن العجز القائم منذ 70 سنة لم يتبدل.

ويضيف أن الجرح الحقيقي بجسدنا هو غياب الحرية عند أنظمة تستمر بالسلطة عشرات السنين عاجزة عن تغيير أحوال شعوبها، لا اجتماعيا ولا اقتصاديا ولا سياسيا ولا عسكريا، مبديا أساه على التراجع الذي لا يتوقف عند قوم يلومون كل شيء إلا أنفسهم.

الجدل حول علاقة عبد الناصر بالغرب دعا الكاتب الصحفي كارم يحيى للتذكير بكتاب الصحفى الفرنسى والمصرى اليهودى الأصل إريك رولو: “فى كواليس الشرق الأوسط: مذكرات صحفى بجريدة «لوموند»” وهو الكتاب الذي صدر بالعربية بمقدمتى الأخضر «الإبراهيمي» و« آلان جريش» ، مشيرا إلى لقاء «رولو» مع الرئيس «جمال عبدالناصر» عند دعوته الى القاهرة عام 1963، لافتا إلى تواتر ذكريات علاقة الصحفى و«الرئيس عبد الناصر » فى العديد من فصول الكتاب.

ويقول إن المؤلف من موقع المتعاطف معه يدحض الأكاذيب الصهيونية الرائجة عن معاداة عبدالناصر لليهود وللسامية أو سعيه لتدمير إسرائيل.

ويقول “يحيى” إن «رولو» فتح في كتابه خزينة أسرار الكواليس وفجر مفاجآت عدة لعل أكثرها إثارة تلك المتعلقة بطلب «الرئيس » فى 1970 توسطه شخصيا لعقد لقاء فى القاهرة مع الإسرائيلى «ناحوم جولدمان» مؤسس المجلسين الصهيونى واليهودى العالميين، وإفشال رئيسة الوزراء السابقة «جولدا مائير» هذه المبادرة المصرية، وأيضا ما كشف عنه من خلال متابعته الميدانية لقمة الخرطوم أغسطس 1967من تشكل محور مصرى أردنى، وكشفه المثير للجدل بأن عبد الناصر شجع الملك حسين على المبادرة بعقد سلام منفرد مع تل أبيب نظير عودة القدس والضفة الغربية.

في ذات السياق قال د. وليد الشبراوي إن بيتا او اثنين من الشعر قد يلخصان الحكاية كلها.

ويذكّر بقول الجواهري في رثاء ناصر: كان العظيم المجد والأخطاء.. قد كان حولَك ألفُ جارٍ يبتغي هدماً ووحدَك من يُريد بناءَ اللافت أن حديث عبد الناصر للقذافي فتح صفحة ساخنة في تاريخ مصر والعرب الحديث، يبدو أنها لن تنطوي قريبا، وسيتلوها فتح  صفحات  أُخر.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى