تتعرض المنطقة العربية للتأثيرات الجيوسياسية الدولية، ولكن التأثيرات الجيواقتصادية الدولية تشكل ليس فعلاً مكملاً فحسب بل وتسبق بفعلها أيضاً. وكما انخرطت السعودية والإمارات والأردن في طريق التوابل المسمى بـ( الممر الاقتصادي من الهند إلى الخليج إلى أوروبا) ها هي سوريا في الصين تفعّل توجهها شرقاً عبر تفعيل دورها في ممر طريق الحرير الجديد المسمى (خطة الحزام والطريق) .
السباق الجبواقتصادي الجاري يقوم على أولوية تحقيق المصالح، مصالح البلاد، ولو أدى الأمر إلى تجاوز بعض المعوقات السياسية. مثلا رضيت السعودية ومعها الخليج بمرور طريق التوابل عبر ميناء حيفا، متجاوزة العداء السياسي و الممارسات الإسرائيلية تجاه المنطقة عامة والفلسطينيين خاصة. أما بالنسبة لسورية، فرغم وجود الاضطرابات في السويداء، والاقتتال بين العشائر وقسد في الشمال الشرقي، وتعدي جبهة النصرة المتطرفة على مدن الشمال الغربي بدعم تركي. ورغم وجود القوات الأمريكية لمساعدة قسد الانفصالية ، وفي وجود قاعدة التنف، رغم كل ذلك سافر الرئيس الأسد إلى الصين لإنجاز خطوة هامة في السياق الجيواقتصادي متجاوزاً المشاكل والاضطرابات والاقتتال كي لا يفوته تحقيق خطوة اقتصادية مهمة ومفيدة لمصالح الشعب السوري. في الحالتين ، السعودية وسورية ، وجدتا أن عدم تفويت الفرصة في تحقيق مصالح بلادهما تحتم عليهما تجاوز بعض المعوقات السياسية لأن دول العالم يتسابقون بسرعة نحو المصالح و الفرص المتاحة .
اما القضية الجيوسياسية الحاسمة والتي لا يجوز أهمالها، كما لا يجوز تركها لتعطل تحقيق مصالح شعوبنا، هي ما يتوقعه كثيرون من أن (تعقيدات كارثية خطيرة ) تحيق في المنطقة، وربما تؤدي إلى نتائج لا تبقى من الاقتصاد شيئا ، خاصة و أن الاصرار الأمريكي على جعل ما يجري في أوكرانيا (فشلاً استراتيجياً) لروسيا يجعل روسيا في حالة دفاع عن النفس تتيح لها استخدام أفظع الأسلحة . كما أن الحصار الأمريكي الغربي للصين عبر استراتيجية التحالفات (أكواد – ايكوس – اليابان كوريا الجنوبية – الفلبين – فيتنام – …. ألخ) يضع الصين في حالة المستهدف المضطر لكسر الحصار عن نفسه. كذلك فإن تفاقم عنصرية و تطرف الحكومة الإسرائيلية يجعلها في ظل الأحوال الدولية أكثر عدوانية تجاه المنطقة ويتيح لها زعزعة استقرار الدول العربية. كما أن حصار إيران والتحشيد العسكري الاقتصادي السياسي ضدها يجعلها تخشى على مشروعها الاستراتيجي في المنطقة ويضعها في حالة استعداد للرد بكل الوسائل المتاحة لها. إضافة إلى أن كل هذه الظروف تثير شهية أردوغان للتوسع اكثر سواء في أذربيجان أو في سورية او ليبيا، وهذا ما يخلق اوضاعاً متفجرة إضافية. و هذا ما يزعزع إستقرار المنطقة و يهددها بشكل خطير .
باختصار من الناحية الجيوسياسية ، فإن المنطقة حسب خبراء تشكل ساحة صراع دولي تنذر إذا انفجرت بكوارث على شعوبنا ودولنا. وكما استطاع حكامنا تجاوز خلافات ومشاكل سياسية مع الخارج، من أجل تحقيق مصالح اقتصادية في الداخل. لماذا لا يتجاوزون خلافاتهم ومشاكلهم وينسقون فيما بينهم للدفاع عن استقرار وامن وسلام المنطقة العربية كلها ؟!! على أولي الأمر التأكد من حقيقة أن المنطقة مقبلة على تعقيدات خطيرة، كما يقول المراقبون، و في هذه الحالة من واجبهم الترفع عن خلافاتهم، ومن المحتم عليهم توحيد جهودهم لمنع أي كوارث تحيق بنا . ويجب أن لا يفوت أيا من الحكام العرب أن ما يصيب أي دولة عربية سيصيب المنطقة العربية كلها ، و أن لا خلاص لأي دولة عربية بمفردها ..