«بعد عدَّة سنوات»: حكاية زمنَين… مع تأجيل التنفيذ!
بحسب اللمحة الموجزة التي تمَّ تداولها عن مسلسل «بعد عدَّة سنوات» (كتابة بسّام جنيد وإخراج عبد الغني بلاط وإنتاج المؤسسة العامَّة للإنتاج التلفزيوني في سوريا) قبل العرض، فإنَّ أحداثه تدور بين زمنَين مختلفَين هما 1989 و2014، في محاولة للمقارنة بين القيَم والمفاهيم في الزمنَين من خلال رصد مجموعة من الشخصيَّات تجمع بينها علاقات اجتماعيَّة متداخلة.
ورغم وصول المسلسل إلى حلقته السادسة، فإنَّ الخط الأحدث زمنيّاً لم يتجاوز حتى اللحظة كادراً واحداً يضمّ شخصَين تجمعهما غرفة مغلقة وفنجانا قهوة، ويروي أحدهما للآخر حكايته وحكاية عائلته، بصورة أعاقت انسيابيَّة الأحداث وأضفت على العمل رتابة حتى بدا هذا الخط برمَّته مقحماً عليه دونما داعٍ.
وتبدأ الحكاية مع الصحافيَّة رنا (ديما قندلفت) التي تباغتها اشتباكات تندلع فجأة بينما هي عائدة إلى منزلها في دمشق، فتطرق أبواب البيوت التي تصادفها في طريقها لتحتمي داخل أحدها، فلا يفتح لها سوى الطبيب الخمسينيّ معروف (سعد مينه). وبافتعال واضح تتوطَّد العلاقة بينهما بسرعة، ويقرّر أن يحكي لها قصَّة حياته بعدما قدَّمت له نفسها كصحافيَّة و«مشروع كاتبة»، جازماً أنَّ حكايته تصلح لتكون رواية.
مسلسل بعد عدَّة سنوات
ولعل المشهد الذي ضمَّ معروف ورنا يشكّل أسوأ استهلال يمكن أن يصادفه مُشاهد في مسلسل تلفزيونيّ، لاستمراره 16 دقيقة متواصلة غارقة في الرتابة والبطء! لكن تداعي الذكريات بعدها عند الطبيب المُصاب بالسرطان، سيكون البداية الفعليَّة للمسلسل، حيث سيحضر تباعاً – ومن خلال قصَّة جذابة ومحبوكة بعناية – أفراد عائلته المؤلفة من والده أبو نورَس الكببلي (علي كريم) صاحب ورشة النجارة الذي يتعرَّض للنصب والاحتيال من قبل ابن أحد النافذين، إذ يطلب منه إنجاز أعمال الموبيليا في الفيلا العائدة له ولا يسدّد له شيئاً من مستحقاته، وابنيه الأكبر نورَس (سوار الحسن) الموظَّف السَّاذج والموتور الذي تأكله الغيرة من اخوته ويحترف الوشاية بزملائه في الدائرة، والأصغر جمال (ميلاد يوسف) المثقَّف المعتدّ بنفسه والذي لا يرى نفسه إلا زميلًا لكارل ماركس! بالإضافة إلى الإبنة الوحيدة أميرة (روبين عيسى) طالبة المحاماة، والأم وداد (حنان شقير). وتتقاطع حكاية هذه العائلة مع حكايات أخرى أبرزها لعائلة الجار أبو رضوان (محمد فلفلة)، وسامر (محمد حداقي) صديق العائلة الذي لم يتبلور الخط المرتبط به بعد وإن كان موقعه في شارة البداية يوحي بأنَّ دوره سيكون على قدر من الأهميَّة ضمن أحداث المسلسل.
ومما يعوق اندماج المشاهد في حكاية مسلسل بعد عدَّة سنوات أنَّ معروف طالب الطبّ العشريني في العام 1989 يتعاطى من الأساس مع يوميَّات عائلته بوصفها «حكاية تروى» قبل حصولها أحياناً، فيتنبَّأ في حديث مع شقيقَيه جمال وأميرة في أحد مشاهد الحلقة السَّادسة أنَّهم حين سيحكون حكاية العائلة يوماً سيتوقّفون كثيراً عند هذا اليوم الذي سيكون حال البيت بعده مختلفًا عما قبله! ويسبق ذلك مشهد من الحلقة الثانية يتهكّم فيه جمال على شقيقه معروف، معتبراً أنَّه إذا ما قصَد إحدى دور النشر بهدف نشر قصَّته فسيطردونه فوراً! أمَّا معروف الطبيب الخمسيني في العام 2014، فإنَّه فضلاً عن تدخله المباشر كراوٍ عليم، يبدو أقرب إلى حكواتيّ محترف منه إلى طبيب التقى مصادفةً بمن «يفضفض» له، إذ يتلاعب بالسامع، فيؤجّل البوح ببعض التفاصيل كما لو أنَّه يجهل مسار الأحداث فعلاً بما يوحي للسامع بعكسها فتتضاعف نسبة التشويق لديه، وهو ما لا يفكّر الناس العاديّون بفعله عند رواية حكاياتهم، وقد لا يستطيعونه حتى لو فكَّروا به. ثمَّ يبرّر – مُجيباً عن سؤال لرنا – معرفته بالأحداث التي جرت في غيابه بأنَّ أبطالها حدَّثوه عنها لاحقاً! علماً أنَّه حتى اللحظة لا إضافة حقيقيَّة تقدّمها المَشاهد الخاصَّة بالثنائي (مينه – قندلفت) في غياب حاجة أجزاء الحكاية الأصليَّة – التي تسير بانتظام ويتصاعد الحدث فيها بشكل منطقي وسرعة مقبولة – لأي ربطٍ بينها أو تفسيرٍ لها، ولا يعدو استخدام هذه التقنيَّة من قبل صنَّاع العمل كونه محاولة لتفادي الانتقال المفاجئ في وسط العمل من العام 1989 إلى العام 2014. علماً أنَّ التقنيَّة نفسها استُخدِمَت أخيراً بشكل مغاير وأكثر نجاحاً في مسلسل «شارع شيكاغو» حيث سار الخطان الزمنيَّان فيه بالتوازي من دون أن يطغى أحدهما على الآخر.
ومن البديهيّ أنَّ الحكم على المسلسل غير ممكن قبل اكتمال حلقاته أو عرض الجزء الأكبر منها أقله، وأنَّ الخط الأحدث فيه لن يبقى حتماً على رتابته، ولن يقتصر على معروف ورنا بل سيتوسَّع لملاحقة مصائر بقيَّة الشخصيَّات، فضلاً عن محور بوليسيّ لم تظهر ملامحه بعد يتعلق بجريمتَي قتل وسرقة. إلا أنَّه في انتظار ذلك، يُخشى أن تُبعِد فترة «التحمية» المتمثلة بجلسة قهوة مستمرّة منذ ستّ حلقات، كثيراً من المشاهدين عن متابعة المسلسل قبل وصول الحدث فيه إلى ذروته!
ويضمّ العمل في قائمته بالإضافة إلى الفنَّانين المذكورين أعلاه كلاً من: كرم الشعراني، نانسي خوري، ريم زينو، هبة زهرة، أسامة السيد يوسف، عُلا باشا، وسيم الرحبي، رنا العظم، ريم عبد العزيز، وليلى بقدونس. ويُعرَض على قنوات «سما» و«الفضائيَّة السوريَّة» و«سوريا دراما».