تحليلات سياسيةسلايد

بعد فشله بلقاء بايدن.. ما هي أسباب غضب أردوغان من واشنطن ..

يُدرِك الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان فيما يبدو أن ميزان قوّة حليفته الولايات المتحدة الأمريكيّة بدأ يفقد توازنه لصالح روسيا والصين، القوى الصاعدة في العالم الجديد، وعليه قد يفسّر هذا الفهم، لغته المُتحدّية لأمريكا، وإصراره بالتالي على المُضي قدماً في ملف شراء صواريخ “إس 400” الروسيّة.

لا يُريد الرئيس التركي كما قال خُصومةً مع الولايات المتحدة، وأمل أن تسود الصداقة، لكنّ الأخير يُدرك تماماً أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمامها العديد من الملفّات الشائكة، والمُعقّدة آخرها الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، والاستعداد لمثله من سورية والعراق، وهو ما يجعل حالة اصطدام بلاده مع الإدارة المذكورة أقل حدّة على خلفيّة شراء الصواريخ الروسيّة.

عامل عسكري، وآخر اقتصادي، يدفعان بالرئيس أردوغان أيضاً نحو الإصرار على شراء صواريخ إس 400، العسكري أن المنظومات الأمريكيّة البديلة أثبتت فشلها على صعيد الدفاعات الجويّة، والاقتصادي وفق خبراء عسكريين، أن صفقة شراء السلاح الروسي أرخص وأكثر فاعليّة، في حين أن الاقتصاد التركي يُعاني من أزمات.

يستطيع الجانب التركي أيضاً الاطلاع على الصناعة العسكريّة الروسيّة، والاستفادة من خبراتها في ذلك المجال، حيث تنمو الصناعات العسكريّة في تركيا، على صعيد صناعة المُسيّرات والإنتاج الحربي، في حين يفرض الحليف الأمريكي شروطاً على المُشترين لسلاحه، هذا عدا عن عدم إرساله المنظومات الدفاعيّة والأسلحة بنُسختها الأصليّة التي يجري تسليمها للجيش الأمريكي، وقرار أمريكا الأخير عدم بيع تركيا مُقاتلات إف-35 القرار الذي أعرب أردوغان عن استيائه منه، وهو الأمر الذي يُضاعف الحاجة التركيّة لروسيا تسليحيّاً كخيار بديل ودائم.

يرفع أردوغان من حدّة خطابه ويختار البيت التركي الذي افتتحه أخيرًا في نيويورك، ويُؤكّد من هُناك أن بداية عمله مع إدارة بايدن لم تكن جيّدة، إدارة بايدن وفق رئيس تركيا بدأت في نقل الأسلحة والذخائر والمعدّات إلى التنظيمات الإرهابيّة في سوريا، وتركيا بحسب ما أكّد الرئيس لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تُشاهد ذلك، وهو ما يطرح تساؤلات حول خيارات أنقرة بحزبها الحاكم العدالة والتنمية التي لن تجعلها مكتوفة الأيدي، وإن كان من بينها دمشق، حيث المُعارضة التركيّة لم تتوان عن إعلان رغبتها بتطبيع العلاقات مع نظام الرئيس بشار الأسد، وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم حال فوزهم بالانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة القادمة.

الرئيس التركي من خلال نقده لدعم إدارة بايدن للتنظيمات الإرهابيّة، عبّر هُنا عن مخاوفه من دعم أمريكي عن الوحدات الكرديّة بالسلاح التي لم يذكرها، إلى جانب فشله في لقاء الرئيس بايدن، حيث يبدو الأخير غير معنيّاً بالتصعيد الروسي- السوري المُتوقّع على محافظة إدلب السوريّة، وإنهاء خروج المُحافظة عن مركزيّة دمشق مع بدء الجيش السوري حشد قوّاته عسكريّاً في مُحيط إدلب، وهو بالتالي يذهب خالي الوفاض إلى الرئيس الروسي فلادمير بوتين، وقمّة ثنائيّة مُرتقبة في سوتشي نهاية الشهر الجاري بين الرئيسين، قد يُجبَر فيها أردوغان على التعاون مع دمشق درءًا لمخاطر الأكراد، ودعمهم أمريكيّاً، يُقابله تقليصاً للانتشار التركي شمال سورية، أو ربّما نهايته.

ومع انعدام الخيارات التركيّة في الملف الأفغاني، وتعويل أردوغان على إرضاء حليفه الأمريكي من خلال حماية السفارة الأمريكيّة، ومطار كابول، على اعتبار أن قوّات بلاده الوحيدة الموثوقة هناك بعد الانسحاب الأمريكي، جاءت عودة طالبان للحُكم وسيطرتها على البلاد ضربةً لهذا الخيار بالكامل، الذي ظهر بتحميل أردوغان واشنطن مسؤوليّة انتشار السلاح والقتل في أفغانستان.

فُرص تحسين العلاقات التركيّة- الأمريكيّة، لا يبدو أنها سترى النور قريباً، حيث فشل لقاء بايدن- أردوغان، وهو ما يُفسّر ذهاب الأخير إلى توجيه النقد المُباشر لإدارة بايدن بهذه اللهجة الغاضبة وعلى جميع الجبهات، والتي وصلت لحد قول أردوغان بشكلٍ لافت وعلى غير عادته للحليف الأمريكي: “صفقة شراء منظومة إس- 400 اكتملت ولا عودة عنها، ولا يمكننا قبول الإملاءات بحجة هذه الصفقة، تركيا تصرّفت بصدق على عكس الولايات المتحدة الأمريكيّة”.

وأضاف: “على واشنطن أن تُدرك بأن تركيا القديمة لم تعد موجودة، نحن الآن نتطوّر في مجال الصناعات الدفاعية والقطاعات الأخرى، وإذا امتنعت واشنطن عن تسليم مقاتلات إف- 35 لتركيا، فإن أنقرة ستبحث عن مُورّدين آخرين”.

تُطرَح التساؤلات بطبيعة الحال هُنا، كيف سيكون شكل تركيا الجديدة التي لم تعد القديمة موجودة، هل تُصبح من خصوم الولايات المتحدة الأمريكيّة المُعتمدين، ثمّة من يرى أن ذلك تنويعاً تركيّاً في الخيارات الأمريكيّة والروسيّة ليس أكثر، والرئيس التركي برغماتي، وسبق له أن استخدم اللهجة التهديديّة، فهدّد بإسقاط نظيره الرئيس السوري، وقطع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكشف قتلة الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ولم يفعل، يتساءل مُراقبون.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى