تحليلات سياسيةسلايد

بغداد وعمان ترغبان في لعب دور إقليمي لاحتواء التوترات

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، لا سيما على خلفية احتدام الصراع بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، تبرز جهود دبلوماسية مشتركة بين العراق وسلطنة عمان تهدف إلى لعب دور وساطة يخفف من حالة الاحتقان المتفاقمة في عدد من ساحات النزاع في المنطقة.

ففي زيارة رسمية استمرت يومين إلى مسقط، كشف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن تحركات دبلوماسية متقدمة بالتنسيق مع الجانب العُماني لتأسيس دور إقليمي أكثر تأثيراً، يستند إلى مقاربات تقوم على الحوار والتقريب بين وجهات النظر، بدلًا من المواجهات والصدامات التي باتت تهدد استقرار العديد من دول المنطقة.

تصريحات السوداني جاءت خلال مقابلة تلفزيونية مع القناة العُمانية، حيث أشار إلى أن “العلاقات بين بغداد ومسقط تستند إلى تاريخ طويل من التعاون والمواقف المتطابقة في كثير من القضايا”، مضيفًا أن الزيارة الأخيرة أثمرت عن توقيع 24 مذكرة تفاهم واتفاقيتين، مما يمهد لتحول نوعي في مسار العلاقات الثنائية، على المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية.

وأكد السوداني أن البلدين يسعيان إلى بناء شراكة استراتيجية تتعدى حدود التعاون الثنائي، لتشمل مشاريع كبرى مثل “طريق التنمية” الذي يربط موانئ سلطنة عمان بميناء الفاو العراقي، وصولاً إلى الأراضي التركية ومنها إلى أوروبا، وهو مشروع يعزز التكامل الاقتصادي ويرفع من أهمية العراق وعمان كمراكز عبور تجاري حيوي في المنطقة.

ٍوبينما لم يصرّح رئيس الوزراء العراقي بشكل مباشر عن تفاصيل المبادرات الدبلوماسية المشتركة، إلا أن إشاراته المتكررة إلى “منهج الحوار والتقريب بين وجهات النظر”، و”الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”، تؤكد تبني بغداد ومسقط لمسار دبلوماسي متزن، يهدف إلى تهدئة بؤر التوتر، خصوصًا في

ومعروف عن سلطنة عمان تاريخها الطويل في الوساطة الهادئة، إذ لعبت دورًا مهمًا في التمهيد للمفاوضات النووية بين إيران والغرب، وهي تحظى بثقة مختلف الأطراف بسبب حيادها ومواقفها المتزنة. أما العراق، الذي يحاول إعادة تموضعه كدولة ذات ثقل سياسي بعد سنوات من الاضطراب الداخلي، فيسعى لتوظيف علاقاته المتوازنة مع طهران وواشنطن وعدد من العواصم العربية والغربية، للدفع نحو صيغة تهدئة شاملة تساهم في استقرار الإقليم.

التقارب العراقي-العُماني في هذه المرحلة لا يعكس فقط طموحات سياسية، بل ينبع أيضًا من مخاوف حقيقية لدى البلدين من انعكاسات التصعيد الإقليمي على الأمن القومي الداخلي.

في العراق، أي تصعيد بين إيران والولايات المتحدة أو إسرائيل يمكن أن ينعكس سريعًا على الساحة الداخلية، نظرًا لتعدد الفاعلين المرتبطين بمحاور الصراع. كما أن استمرار النزاع في سوريا واليمن يؤثر على استقرار الحدود ويهدد مصالح العراق الإقليمية، بما في ذلك مشاريعه الاقتصادية الطموحة.

أما سلطنة عمان، فبجانب قربها الجغرافي من مناطق التوتر، فإن استقرارها الاقتصادي المرتبط بالتجارة والطاقة يجعلها أكثر حساسية تجاه أية اضطرابات قد تطال ممرات الملاحة أو مشاريع الطاقة المشتركة، خصوصًا تلك المرتبطة بمبادرات تعاون مع العراق، مثل خزن النفط في عمان أو إنشاء مجمعات بتروكيمياوية ضمن الاتفاقات الجديدة.

في ختام تصريحاته، شدد السوداني على مركزية القضية الفلسطينية في التحرك العراقي-العُماني، معتبرًا أن “الاعتداءات الإسرائيلية على غزة تجاوزت كل حدود القانون الدولي”، وداعيًا إلى موقف عربي موحد لمواجهة “العدوان والظلم”.

هذا الخطاب يتقاطع مع الموقف العماني الداعم للحقوق الفلسطينية، والذي يرى أن حل الأزمة في غزة يجب أن يكون مدخلًا لإعادة ترتيب أولويات المنطقة باتجاه الاستقرار والتنمية، بدلاً من الانجرار إلى مواجهات جديدة قد تنعكس آثارها على الجميع.

في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، تبدو المبادرة العراقية-العُمانية بمثابة نافذة أمل وسط ضجيج السلاح والدبلوماسية المتشنجة. فدول المنطقة بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى جهود عقلانية هادئة تسعى إلى بناء أرضية مشتركة للحوار، بدلًا من استمرار الدورات المتكررة من العنف والفوضى.

وبينما تبقى النتائج مرهونة بتعقيدات الواقع وتشابك المصالح الدولية، فإن ما تسعى إليه بغداد ومسقط يمثل محاولة جادة لإعادة الاعتبار للدبلوماسية كأداة لتفكيك الأزمات، لا تأجيجها.

 

 

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى