بغداد وواشنطن.. النار لم تشتعل بعد

 

أدركت أميركا أن المواجهة هذه المرة ستكون مختلفة، ويتيقّن من ذلك مَن يعرف مدى قوَّة المقاومة العراقية وتصميمها على الثأر للشهيدين سليماني والمهندس.

علاقة العاصمة العراقية بغداد مع واشنطن، على اختلاف الرؤساء الذين حكموا البيت الأبيض، لم تكن مُتوازِنة أو واضِحة الخطوات والأهداف، إذ عملت الإدارة الأميركية على توريط نظام صدّام حسين لشنّ حرب الثماني سنوات على إيران، ودعمته بالسلاح والخطط والمال، ووفَّرت له الغطاء السياسي، ليس حبّاً بالعراق، بل كرهاً بإيران أولاً، وخوفاً من أن تكون بغداد قوية مُستقرّة ثانياً، لأن القرار العربي يستقرّ ويُحدِّد الاتجاه صَوْب فلسطين، عندما تستقرّ القاهرة ودمشق وبغداد على الصُعد كافة.

وقد أغوت واشنطن صدّام حسين مُجدَّداً، ومهَّدت من خلال إعلامها وتصريحات مسؤوليها لاحتلال الكويت، لتُنهي مستقبل بلد واعِد بصورةٍ كاملةٍ مثل العراق.

وبقيت الضغوط الأميركية السياسية والعسكرية والاقتصادية على العراق حتى العام 2003. ربما قد تكون تلك الفترة وما بعدها من سنواتٍ قليلة هي أفضل فترات العلاقة الرسمية بين العاصمتين، إذ تبعت بغداد واشنطن في كل خياراتها. قد تكون تلك نتيجة طبيعية لبلدٍ مُحتلٍ، لكن الحال لم يبق على ما هو عليه طويلاً.

منذ العام 2006، بدأت تظهر بوضوحٍ فصائل المقاومة العراقية للجيش الأميركي، ووجَّهت إلى قوات الاحتلال ضرباتٍ موجِعة. رغم ذلك، بقيت العلاقة جيّدة إلى حدٍ بعيدٍ بين الحكومتين في البلدين حتى انسحاب الجيش الأميركي من العراق في العام 2011.

بعد ذلك، عادت بغداد مُجدَّداً لتكون مُزْعِجة جداً هذه المرة لواشنطن أكثر من أيّ وقتٍ مضى، ربما لأنه في إزعاج بغداد لواشنطن أيام صدّام حسين، كان الأميركي يتحكَّم بخيوط اللعبة عموماً.. بينما بعد العام 2011، لم تكن للأميركي أية سيطرة كاملة على المشهد.

وفي العام 2014، ازدات العلاقة سوءاً عندما رفضت الولايات المتحدة تقديم أيّ دعمٍ عسكري لبغداد لتواجه خطر تنظيم داعش، بينما كان هناك دعم مُتواصِل بمختلف أنواع الأسلحة يأتي من مخازن الجيش الإيراني، ويصل إلى العراقيين في غضون ساعات.

وعادت العلاقة إلى التحسّن بعد تسلّم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ولايته، إذ أقامت واشنطن العديد من القواعد العسكرية في العراق، وفعَّلت بعض بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقَّعة في العام 2008، واستغلّت إطلاق يدها في بعض المواقع لتضييق الخِناق على الحشد الشعبي، الذي مثّل بلورة لفصائل المقاومة العراقية التي طردت جيشها في العام 2011.

ومع تسلّم عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء، عادت العلاقة سيِّئة. في الحقيقة، لم يعمل عبد المهدي على توتير الأجواء مع واشنطن، لكن الأخيرة كانت مُفْرِطة الحساسية عندما أراد العراق أن يستثمر خيراته ويذهب بكامل السيادة إلى الصين، لتوقيع اتفاق اقتصادي كبير معها.

عملت واشنطن على إسقاط الحكومة، ونجحت في ذلك، ووصلت الأمور إلى ذروتها عندما اغتالت قائد قوَّة القدس قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وآخرين معهما.

هنا، اقتربت بغداد على الصعيد الرسمي والشعبي من إيران ومحورها، وأخذت تتوعَّد بالردّ على الجيش الأميركي. ومنذ ذلك الحين، تحاول واشنطن تفكيك مكامِن القوَّة العراقية، من خلال إصرارها على رئيس وزراء يكون صديقاً لها، لحماية قوّاتها أولاً، وهي تحاول ثانياً من خلال إمساكها بورقة الحكومة، زيادة الضغط على الحشد الشعبي ودفعه إلى ارتكاب الأخطاء.

لذلك، شهدنا فشل أكثر من مُكلَّف لتشكيل الحكومة، لأن واشنطن تحاول بكل طاقتها أن تفرض الرئيس القادم. كلّ ذلك كان وعياً أميركياً بأن المواجهة هذه المرة ستكون مختلفة. يتيقّن من ذلك مَن يعرف مدى قوَّة المقاومة العراقية وصلابتها، ومدى تصميمها على الثأر للشهيدين سليماني والمهندس.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى