
في الحلقتين السابقتين، من هذه السلسلة، عرضنا مجموعة وثائق شملت تقارير أمنيّة سرّية فرنسية، حول صفقات ومحاولات شراء الأراضي الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الفرنسي في بلاد الشام لليهود. وفي هذه الحلقة، تتمة لما سبق. المعلومات الواردة في هذه التقارير مصدرها مخبرون كانوا على الأرض، منتشرون في القرى والمدن. بعضها قد يكون مجرد إشاعات، إذ لم يتم التحقق من صحتها.
إلا أن غالبيتها بصورة عامة موثوقة. تؤكد هذه التقارير أن هناك إصراراً يهودياً على الاستيطان في شتى مناطق سوريا، وبصورة خاصة في جنوب لبنان. وإذا أردنا اليوم المقارنة بين المحاولات الصهيونية للتوسع شمالاً في القرن الماضي وبين محاولاتهم اليوم، يتضح أن الثابت في الإستراتيجية الصهيونية ليس فقط تجريد المواطنين في جنوب الليطاني من أي سلاح، مع ما يرافق ذلك من تهديم للقرى وإحراق للأرض ومنع السكان من إعمار قراهم المدمرة والعودة إليها، بل إن الهدف الإستراتيجي الأول في هذه المرحلة، هو السيطرة على جنوب الليطاني ثم التقدّم لاحقاً نحو جنوب صيدا.
هذه الأهداف الصهيونية، هي من الثوابت في العقل الصهيوني، وكان ديفيد بن غوريون بعد حرب 1948 قد أعلن أن ما ندم عليه في تلك الحرب هو عدم الاستيلاء على جنوب الليطاني ودمشق. واليوم تم دفع بعض اللبنانيين للركض وراء الأوهام، والتصوير لهم بأن كل مشكلاتهم تنحصر في موضوع واحد، هو تجريد المقاومين اللبنانيين من سلاحهم.
شراء الأراضي… تابع
الوثيقة الخامسة
نشرة معلومات بتاريخ 18 شباط 1942
مقتطفات
أمضى السيد تريفون، من اللجنة التنفيذية الصهيونية، 24 ساعة في فندق نيو رويال، بيروت. وصل يوم السبت 14 شباط، ورحل مجدداً نهار اليوم التالي. وقد تواصل مع السيد (يوسف) فارحي، رئيس المجلس المحلي الإسرائيلي، وكذلك مع بعض الشخصيات اللبنانية التي يُقال إنها تنوي بيع أراض قرب الحدود اللبنانية – الفلسطينية.
وقد زار الأمير خالد شهاب في منزله والتقى أحد أفراد آل طراد، وهو على الأرجح غبريال طراد.
يُقال إن تريفون، وهو أكثر السماسرة نشاطاً، يفاوض وفقاً للأخبار التي انتشرت في الأوساط الصهيونية في بيروت على شراء نصف دزينة من قطع الأرض، المتنوعة المساحة، في قرى الخالصة وفي المرج وقرب كفركلا.
الوثيقة السادسة
مرجعيون، بتاريخ 21 آذار 1943
مخفر مرجعيون
الأراضي المباعة لليهود
لقد تأكد على نحوٍ متزايدٍ أنّ [الياس] كويتر يشتري الأراضي لحساب الإسرائيليين في فلسطين. وهو يقيم علاقاتٍ دائمة مع شركة كراوتيك للشراء اليهودية في تل أبيب، وبفضل ناصيف غبريل، تمكنت الشركة من الاستحواذ على كثيرٍ من الأراضي في الحولة. الأرجح أنّ هذا هو ما يفسّر الاتهام الموجه لنجيب بك شمص والمتعلق بتلك العلاقات مع اليهود، إذ إنّ هذا الوجيه الدرزي صديقٌ حميم لناصيف غبريل.
ثمة تفسيرٌ بسيطٌ بالنسبة إلى بيع أراضٍ في فلسطين تعود ملكيتها إلى لبنانيين. فقد فرضت الحكومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة المنصرمة ضرائب باهظة تتجاوز عوائد تلك الأراضي. وبالتالي، يضطر المالكون إلى التخلي عنها.
من المؤكد أنّ ناصيف غبريل قد باع وأقنع كثيرين لبيع مساحات كبيرة من الأراضي في الحولة. وتصعب معرفة أو إثبات ما إذا كان قد باع منها أيضاً في لبنان.
يبدو أنّ هناك قصةً قديمةً تعود إلى ذاكرة بعض أهالي القضاء وهي كما يُقال إنّ ناصيف صبرا، وهو عنصر في الدوائر العقارية في مرجعيون، قد باع بالتواطؤ مع القائمقام الأسبق فريد حبيب أراضي تعود ملكيتها إلى الدولة. ويُقال إنّ خليل حيدر قد اشترى تلك الأراضي وإنّه يمتلك حالياً ما بين 20 و25 قطعة أرض تعود ملكيتها إلى الدولة.
كما يُقال إنّ فريد حبيب تشارك مع خليل حيدر في شؤون التموين (تهريب المواد الغذائية إلى فلسطين). وعندما ترك منصبه قام بتعريف حيدر إلى قريبه القائمقام الجديد.
الوثيقة السابعة
الأجهزة الخاصة في المشرق
مرجعيون، بتاريخ 5 أيار 1943
مخفر مرجعيون، الرقم 340/ME/28
نشرة معلومات.
الموضوع: بصدد استملاكات عقارية قام بها يهودٌ أجانب في دول المشرق
عدس – قرية تقع في فلسطين وتبلغ مساحتها 13 ألف دونم تعود ملكيتها إلى حسن بزّي وشركاه، من بنت جبيل، وسعد الدين فرحات وشركاه، من بليدا، ومحمد مارديني وشركاه، من دمشق. حتى الآن، اشترت شركتا كيرين كميت (بيكا) اليهودية وشركة الأوقاف الصهيونية أحد عشر ألف دونم. تعود ملكية الألفي دونم المتبقية إلى أحد أفراد آل مارديني من دمشق.
العديسة – منذ حوالى أسبوعين، تم بيع ألفي دونم من الأراضي التي تعود ملكيتها إلى قرية العديسة، لكن الواقعة في الأراضي الفلسطينية، وذلك لحساب الشركتين اليهوديتين كيرين كميت (بيكا) والأوقاف الصهيونية بصفة نهائية. البائعون الرئيسيون هم أحمد بك الأسعد ومحمد بك الأسعد ومحمود الأسعد ومحمد السهيل. بيع الدونم الواحد بخمس ليرات فلسطينية.
المنارة – تعود ملكية هذه القرية اللبنانية إلى آل الأسعد وإلى السيد علي الجواد وشركاه من شقرا. باع محمد الأسعد وأحمد الأسعد ومحمود الأسعد والسيد علي جواد من شقرا وورثة خليل خوري من بيروت 3000 دونم تقع في فلسطين، إلى الشركتين اليهوديتين كيرين كميت (بيكا) والأوقاف الصهيونية، وبلغ ثمن الدونم الواحد ثلاث ليرات فلسطينية.
بليدا – تجري حالياً مفاوضات بين داوود فرحات وإخوته من بليدا وبين يوسف نحماني، وهو سمسارٌ يهودي، لشراء 2500 دونم من الأراضي الواقعة في فلسطين. اشترت شركة كيرين كميت يسرائيل اليهودية، ممثلةً بنحماني (طبريا) حوالى 200 دونم من الأراضي التي تعود إلى آل فرحات من بليدا ومن ميس الجبل. تقع هذه الأراضي ضمن محيط كلٍ من القريتين، وهو محيطٌ تقطعه الحدود الفلسطينية.
الوسيط في هذه الصفقة هو إبراهيم درة من دمشق. وقد جرت العملية في قرية هونين أمام الكاتب بالعدل في هذه المحلة الفلسطينية والتي كانت جزءاً من معقل آل الأسعد. سوف تؤدي هذه العملية إلى مطالباتٍ من قسمٍ آخر من العائلة يقول إنّ لديه بالوراثة حقوقاً في هذه الأراضي.
أمّا الأراضي التي اشتراها إلياس كويتر، وهو مسيحي من دمشق، وكان في الماضي مقاولاً في المستودع المشترك للأفواج الأجنبية لأشغال الجيش البريطاني هي الآتية:
في المرج – يوم 23 أيلول، اشترى كويتر بستاناً تبلغ مساحته 17500 م2 تعود ملكيته إلى الحاج خليل عبد الله من الخيام بمبلغٍ قدره 10000 ليرة لبنانية (سجل الجهاز العقاري في مرجعيون، المقسم الرقم 37).
في الخربة – اشترى كويتر منذ خمسة أشهر وبعقدٍ خاص
1 ـ بيتاً بقيمة 1500 ل.ل.
2 ـ أرضاً تعود ملكيتها إلى فرح أبو سمرا 200 ل.ل.
3 ـ أرضاً تعود ملكيتها إلى موسى سليمان 200 ل.ل.
4 ـ أرضاً تعود ملكيتها إلى جريس يوسف 200 ل.ل.
شوهد إلياس كويتر عدة مرات في تل أبيب، في مقر إدارة شركة كيرين كميت اليهودية.
إن لم يكن سمساراً، فثمة ما يوجب الاعتقاد بأنّه يؤمن بإمكانية إلحاق هذا الجزء من لبنان الجنوبي بفلسطين وبأنّه يقوم بعمليات الشراء هذه لحسابه الشخصي على نية إعادة بيعها لاحقاً لليهود.
توقيع ضابط الأجهزة الخاصة، رئيس مخفر مرجعيون – جزين
الملازم بيلمون
الوثيقة الثامنة
نشرة معلومات الرقم 4480
طرابلس، 15-11- 1945
(المصدر: أمن الجيوش)، سرّي
شراء أراضٍ في منطقة النهر الكبير
قابل عبد الله بك المحمد، ملاكٌ كبير من برقايل (عكار)، بعض السماسرة من أجل بيعهم أراضٍي يمتلكها في قرية السماقية قرب النهر الكبير، تقدّر قيمتها بمئة ألف ليرة.
يفترض بعضهم أنّ هذه الصفقة تتم لحساب شركة كبيرة، الأرجح أنها يهودية.
تجري مباحثاتٌ بين حسن بك المحمود من جانب وأبناء الحاج عبد الله وإبراهيم بك المصطفى، من برقايل (عكار) من جانبٍ آخر بهدف شراء أراضٍ يمتلكها هؤلاء وتقدّر قيمتها بحوالى 50 ألف ليرة لبنانية.
يُذكَر أنّ حسن بك المحمود لا يمتلك أي ثروة مالية.
الوثيقة التاسعة
نشرة معلومات الرقم 807، في 28 شباط 1946.
(المصدر: أمن الجيوش)، سرّي، زحلة
الاستحواذ على أراضٍ لحساب يهود
استحوذ المقاول كتّانة، من بيروت، على مساحةٍ كبيرة من الأراضي في حوش الذهب (قضاء بعلبك) تقدّر بـ 2750000 متر مربع.
وقد أجرى هذا الاستحواذ لحساب شركة يهودية، ليس السيد كتانة إلا سمسارها.
الوثيقة العاشرة
المفوضية العامة لفرنسا في المشرق
الجهاز السياسي، سرّي
مخفر مرجعيون
مقتطف من نشرة معلومات الرقم 7، تغطي المدة ما بين 27 ـ 2 إلى 15 آذار 1946
بيع أراضٍ للصهيونيين
بعد أن احتُجز موسى غلمية الكاتب بالعدل في مرجعيون لبضعة أيام في السراي المحلي، نُقل إلى سجن الرمل في بيروت. يُقال إنّ موسى غلمية قد باع بالتواطؤ مع نعيم شقير، القبضاي عند أحمد الأسعد، لشركاتٍ صهيونية 12 ألف دونم من الأراضي الواقعة في فلسطين والتي تعود ملكيتها إلى أشخاصٍ من ميس الجبل (جبل عامل). حدثت عملية البيع هذه منذ ثلاثة أشهر من دون علم المالكين الذين يوجد عددٌ منهم في الخارج. وبالفعل، لم يستخرج الصهاينة حتى الآن سندات ملكية.
أخيراً، احتجّ عددٌ كبيرٌ من الأشخاص برقياً على عملية البيع غير النظامية هذه لدى الحكومة اللبنانية، أمّا نعيم شقير، فيقال إنّه هرب نحو جهةٍ مجهولة. كما يُقال إنّ أحمد الأسعد قد وعد بحماية الكاتب بالعدل بناءً على نصيحةٍ من زوجته.
الحلقة المقبلة: التمويل الصهيوني للصحافة
كاتب لبناني
صحيفة الأخبار اللبنانية